الأكيد أن استقلال الجامعات يجب أن يكون من الأهداف الرئيسية للثورة المصرية، وعلى كل الأطراف التمسك بذلك رغم كل ما يحدث من شغب وجرائم داخل حرم الجامعة، فاستقلال الجامعة جزء أصيل من استقلال الوطن، ولا يعنى أبدا إذا البعض تجاوز الآن فى ممارسة حقوقه أن نفرط فى هذه القيمة الكبرى (استقلال الجامعات) لأنها بداية حقيقية لضبط الكثير من الأمور فى حياتنا، وقد خاض أساتذة أفاضل هذه المعركة لسنوات طويلة قبل الثورة حتى تحقق لهم ما أرادوا بأحكام قضائية نهائية، لذا تبدو المطالب المتشنجة بضرورة عودة الداخلية لحراسة الجامعات مطالب محزنة ومخزية، رغم تعاطف ودعم الكثيرين لها، والغالبية منهم أولياء أمور يخشون على أبنائهم وبناتهم، ومعهم الحق فى ذلك، ولا نستطيع لومهم على هذا التعاطف والدعم، لكن الحل ليس أبدا فى عودة الداخلية لحرم الجامعات، لأن ذلك يفقد الجامعة استقلالها، ونعيد الكرة من جديد لأننا جميعا نعلم، علم اليقين، أن كل ما هو استثنائى فى هذه البلاد يصبح طبيعيا ويدوم طويلا، ولا يوجد لدينا مثال أفضل من قانون الطوارئ، الذى تم فرضه فى ظروف سيئة كانت تمر بها البلاد بعد مقتل الرئيس السادات، فاستمر ثلاثين عاما. فى ذات الوقت، لا يمكن الصمت أو السكوت على ما يحدث داخل جامعاتنا، وإذا اتفقنا على عدم عودة الداخلية لضبط الأمن، فهذا لا يعنى أبدا أن نستغنى عن هذه المهمة وهذا الدور، وحتى الآن وفى أغلبية الأحداث، لم يتمكن الأمن الإدارى من المواجهة الناجحة لأحداث الشغب التى شهدتها بعض الجامعات، مما يعنى أن الجامعات التى تريد الحفاظ على استقلاليتها، عليها أن تعمل بجدية فى تطوير أجهزة الأمن لديها وتفعيل أدوارها وإمدادها بما يمكنها من القيام بحفظ الأمن، وعلى الجامعات أيضا تفعيل لوائحها وإعلام الطلاب بها وشرح ما تمنعه الجامعة والعقاب الذى توقعه على من يخالف هذه اللوائح، هنا فقط ستتمكن الجامعات من سيادتها واستقلالها، وفى ذات الوقت ستستطيع أن تفرض الأمن داخل أسوارها، خاصة أن الدكتور هانى الحسينى عضو حركة استقلال الجامعات قال لى إن المظاهرات داخل جامعة القاهرة، على سبيل المثال، محدودة، وغالبا لا يشعر بها من هم داخلها، على العكس تماما مما يظهر على شاشات التليفزيون وكأن هذه التظاهرات مشتعلة فى كل جنبات المكان، مما يعنى أنه من السهل السيطرة عليها. لكن المثير الذى ذكره عضو حركة استقلال الجامعات، ما أشار إليه بأن ما يفعله شباب جماعة الإخوان المسلمين وكأنه اتفاق غير مكتوب بين الجماعة وأجهزة الأمن لإيجاد مبرر لعودة الحرس الجامعى، لأن ما يفعله هؤلاء الشباب يخرج عن حدود حرية الرأى والتعبير، ويبدو أن ذلك متعمدا، وأعتقد أن ذلك، على وجه التحديد، هو الأمر الجدير بالنقاش، سواء فيما يتعلق بما يحدث فى الجامعة أو خارجها، فكل ممارسة الجماعة تدفع من بيده الأمر لإحكام قبضته الأمنية وسط ترحيب من غالبية قطاعات الشعب، مما يعنى عودة الدولة الأمنية من جديد، وضرب أكبر أهداف الثورة، التى اندلعت أصلا ضد هذه الممارسات كما قال لى الدكتور هانى الحسينى، بالفعل نحن لا نعرف، على وجه اليقين، هل الجماعة مدركة لما تفعل بحثا عن أجواء بوليسية تعرف جيدا التعامل معها وكيف تربح التعاطف وسط أجواء المظلومية الأمنية والسياسية، أم أن الجماعة لا تدرك نتائج ما تفعل وأثره على حركة الثورة، وأن لا شىء يحركها سوى الغضب والغل تجاه كل شىء بعد أن فقدت كل شىء؟ فى الحالتين.. العمدية أو عدم القصدية، ستفقد الثورة أهم مكاسبها بسبب ممارسات الجماعة التى تبدو أنها العدو الأول لثورة يناير، سواء وهى كانت تمسك بزمام الأمور، أو بعد أن أفلت منها هذا الزمام وبدأ يلتف حول عنقها.