أشعر أننا رخّصنا قيمة مبدأ المقاطعة بتلك الدعوات التى نراها عبر «فيسبوك» تحذّر الناس من التعاطى مع أفلام أحمد السبكى، بدعوى أنها تسهم فى تفشّى الفساد والإباحية فى المجتمع، لا شك أن قسطًا وافرًا من أفلام السبكى هو أعمال رديئة، ولكن فى كل الدنيا ما دمنا تحدّثنا عن صناعة سينمائية فإن الفيلم الردىء جزء منها، بل إنه يشكّل النسبة الكبرى من الإنتاج، من حق المتفرج أن لا يذهب إليها ولكن السؤال أين هو البديل؟ لم تُقدم السينما المصرية فى الأشهر الأخيرة سوى تلك الأفلام وهى تخاطب جمهورًا أراه دائمًا وهو يحتفظ بالعيدية منتظرًا تلك الرحلة السنوية، لقد تعود على مذاق خاص قدّمه له السبكى، كأننا بصدد ما يعرف فى علم النفس بالارتباط الشرطى، وهكذا مثلًا يدفع المنتج مجددًا بالثنائى سعد الصغير والراقصة دينا فى «عش البلبل» لأنه تعود طوال الأعياد الماضية على أن هناك تعاقدًا مسبقًا مع الجمهور يقدم لهم البضاعة التى يريدونها، هذه المرة زادت التحابيش ولم يضبط الجرعة وربما بعد نفاد العيدية خلال يومين يتحدد الموقع الحقيقى لتلك الأفلام مع الناس، لأن هذا الجمهور بكل المقاييس هو استثنائى ولا يمكن الرهان عليه فى الأيام القادمة. منزعج السبكى من حملات المقاطعة؟ لا أظنه كذلك، والحقيقة أن تلك الحملات لا تسفر عادة عن شىء، فى أعقاب ثورة 25 يناير ظهرت حملات لمقاطعة مسلسل غادة عبد الرازق «سمارة» وفيلمها «ريكلام»، كما أن طلعت زكريا أيضًا وضعوه على رأس القائمة مع فيلمه «الفيل فى المنديل» وخسر «الفيل» و«ريكلام». هل نجحت المقاطعة؟ الحقيقة أنهما عملان فنيّان فاقدا الجاذبية، الهزيمة التى عانا منها سببها هزالهما الفنى، ولو عرضا قبل المقاطعة كانا سيلقيان أيضًا نفس المصير، الإسراف فى استخدام هذا السلاح يفقده أهميته، وهو ما تكرر، ولكن فى معادلة مختلفة مع المسلسلات التركية، ما الذى يدفع الناس إلى عدم التعاطى مع عمل فنى؟ مَن يملك أن يوجّه مشاعر الناس، الفن الردىء يواجه فقط بعمل فنى، حملات مقاطعة المسلسل التركى لم وأضيف لن تسفر عن شىء، إنه صراع بين فضائيات ومكاسب يحاولون تحقيقها من هنا وهناك، فإذا كان المسلسل التركى منافسًا خطيرًا على خريطة الدراما فى عالمنا العربى فقرروا أن يجرموه بذنب أردوغان، طالما أن الرجل يصف ما حدث فى 30 يونيو بالانقلاب فإن علينا أن نخاصم الأعمال الفنية التى يتم إنتاجها من تركيا، لا شك أن هناك مَن لديه مصلحة مادية فى هذا الخلط المتعمد بين مهند وفاطمة وكنزى ولميس وبين آراء رجب طيب أردوغان. هل نجحت المقاطعة من قبل؟ أتذكر قبل أكثر من 30 عامًا فى أواخر عهد أنور السادات ارتفع سعر اللحمة، وتبنّت الدولة ممثلة فى رئيس الجمهورية حملة للمقاطعة، ورغم ذلك لم تنجح الخطة لأن الناس كانت تتولّى الذبح بعيدًا عن السلخانة وتعاملوا بنهم زائد مع اللحمة. كانت قضية قومية لأنها تمس الأمن الاقتصادى للأسرة المصرية، ورغم ذلك لأننا لم نملك الوعى الكافى للمقاطعة لم تستمر طويلًا، هناك من يقطع التذكرة للفيلم الردىء وينهال عليه باللعنات أمام أصدقائه وبعد ذلك يقطع مجددًا التذكرة إليه مرة أخرى طالما لا تزال بقايا العيدية فى يديه. هذا الجمهور الذى يحب سعد الصغير ودينا سيخرج لسانه لمن يريده أن يقاطع. المأساة التى نعيشها تكمن فى تقاعس الآخرين، وفى عشوائية الدولة وفى فساد تقديم الدعم للسينما، حيث إن الدعم ذهب فى الكثير من الأحيان إلى مَن لا يستحقه، وزارة الثقافة تعاملت مع الفنانين بأسلوب فرخة الجمعية، كلُّ من حقّه فرخة، كان يكفى الحماس لخمسة أفلام فقط بدلًا من عشرين فيلمًا تم توزيع الدعم عليها، نصفها أكثر رداءة من «عش البلبل». المواجهة لن تأتى إلا بعد أن نطرح البديل السينمائى، فلا يمكن أن يظل أغلب نجومنا أنانيين لا يعنيهم فقط سوى أجورهم المليونية، فإذا لم تمنحها لهم السينما ذهبوا إلى التليفزيون، قبل أن يلعن السينمائيون أفلام السبكى، عليهم أن يسألوا أنفسهم ماذا قدموا للسينما؟