والسياق هنا هو ممارسة البعض؛ إنْ باسم الثورة أو باسم الديمقراطية، لاستعلاء صارخ ضد المصريات والمصريين الذين أعطوا أصواتهم لممثلى النظام السابق فى الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. لجميع المواطنات والمواطنين ذات الحقوق السياسية ومن بينها الاختيار الحر فى الاستفتاءات والانتخابات بكافة أنواعها. ولا يصح على الإطلاق أن يُنتقص من حق الاختيار الحر؛ إنْ بفعل قيود وقمع وتزوير (مصر قبل الثورة) أو بتخوين بدائل بعينها معروضة على المواطن وهو يقف أمام صندوق الاقتراع. حق الاختيار الحر هو عماد الديمقراطية وآلية تحديد وجهة الإرادة الشعبية ومضمونها. وبوضوح تام، لا يحق لأحد أن يخوّن المواطن الذى ذهب للانتخابات الرئاسية وأعطى صوته للسيد أحمد شفيق أو لغيره من ممثلى النظام السابق، أو أن يتهمه فى وطنيته ورجاحة اختياره. ولا يحق لأحد أن يمارس التفتيش فى النوايا أو يسفّه من الاختيار أو يلصق الصفات السلبية به. أسجل هذا وتفضيلاتى السياسية والانتخابية تتناقض بالكامل مع من صوّت لشفيق، وخوفى من إعادة إنتاج النظام القديم لا يقل عن خوفى من احتكار السلطة من قبل فصيل واحد. نحن أمام أكثر من 5 ملايين مصرية ومصرى أعطوا أصواتهم لشفيق، ومعهم عدد قريب من المواطنين انتخب محمد مرسى وعدد أقل انتخب صباحى. وإن كان أحد لا يملك إلغاء الأصوات التى ذهبت للمرشحين الأخيرين، فنحن أيضاً لا نملك أن نلغى أو نقصى من صوّت للأول. ولا يصح أن نتعامل مع رؤاهم ومصالحهم ومخاوفهم التى دفعتهم للتصويت لشفيق باستعلاء أو استخفاف أو باختزالها لصوت مسيحى فى مواجهة صوت مسلم، أو صوت القديم فى مواجهة الجديد. البعض صوّت لشفيق رغبةً فى إعادة إنتاج النظام القديم، إلا أن البعض الآخر صوّت له بحثاً عن استقرار وأمن وحماية لدولة يخاف اليوم عليها. البعض صوّت لشفيق رفضاً للنظام الجديد، إلا أن البعض الآخر صوّت له خوفاً من احتكار السلطة فى النظام الجديد من قبل فصيل واحد. إن حسم شفيق جولة الإعادة لصالحه قد تكون النتيجة إعادة القديم باستبداده وفساده وأتخوف كثيراً من هذا، إلا أنه ليس كل من سيصوت له سيكون دافعه الرغبة فى القديم. لا علاقة للديمقراطية بالاستعلاء على اختيارات المواطن أو بتخوينها أو تسفيهها، مهما اختلفت معها وتناقضت معها مبادئى وتفضيلاتى. كثيراً ما تأتى الديمقراطية والانتخابات بنتائج صادمة ومخيفة وأحياناً تعيد بالفعل عقارب الساعة إلى الوراء، إلا أن هذا ثمنها وخطرها فى مقابل وعد برشادة الاختيار على المدى الطويل وبالكثير من المميزات مقارنة بالسلطوية. لا علاقة للديمقراطية برفض العيش المشترك مع من يتناقضون معنا ما داموا يحترمون القانون وتداول السلطة وحريات الآخرين، بل على العكس هى تقتضى قبول الآخر والعيش المشترك وترفض الإقصاء والإلغاء والانتقاص من الأهلية.