البداية ما قالته لي صديقة طبيبة عن مشاجرة حدثت بين مراهقين أمام مسكنها وفيها آصاب أحدهما الآخر بمطواة وبعد تجمهر الناس حولهم اتضح أنهما كانا يقلدان عبده موته بعد مشاهدتهما الفيلم.. بعد ذلك طاردتني أخبار الفيلم الظاهرة الذي يحقق أعلى الايرادات رغم أنه يخلو من نجوم الصف الأول فهو بطولة محمد رمضان ودينا وحورية فرغلي ورحاب الجمل واخراج اسماعيل فاروق .. والفيلم من انتاج السبكي.. كما أثار الفيلم ضجة بأغنية " يا طاهرة" التي أثارت اعتراض الأزهر والتيارات الدينية ومن بينها الشيعة وقد وجهت تهمة ازدراء الاديان بسببها الى دينا ومخرج الفيلم. والبيئة التي تدور فيها أحداث الفيلم هي أحد الأحياء العشوائية .. والحياة هناك كالغابة البقاء فيها للأقوى والانسان فيها أقرب الى الحيوان ينشغل طوال الوقت بالماديات .. فالجنس هو محور الأحداث ومحركها .. والعلاقات الجنسية غير الشرعية آمر عادي كالماء والهواء في هذا المستنقع الذي يفتقد تماما الى اي أسس دينية أوآخلاقية.. فالبشر هنا يعيشون خارج سياق التاريخ وحياتهم لا قيمة لها فهم في الواقع أموات.. فالفيلم يبدأ بمشهد جنسي لعبده موته " محمد رمضان" مع مي التي تحمل ويتخلى عنها بكل نذالة وهو يرتبط بعلاقة جنسية أخرى مع ربيعة " دينا" وهي راقصة لها علاقات حميمة عديدة .. كما ان أخته رحاب الجمل على علاقة بصديقه ياسر.. وهي في مجملها علاقات جنسية غير مشروعة.. والى جانب الجنس الصريح هناك الايحاءات كما في رقصة رحاب الجمل شقيقة عبده موته وأيضا في كلمات الاغاني المصاحبة لرقصات دينا.. وإذا كانت الوجبة الآساسية في فيلم " عبده موته" هي الجنس .. فان المائدة العامرة لا تخلو من المشهيات .. فالرقص احتل مساحة معتبرة من الفيلم وقدمت دينا رقصات عديدة مرتدية في كل رقصة زيا مثيرا على خلفية أغاني أوكا وأورتيجا.. وقد تفاعل جمهور السينما والذي يشبه عبده موته الى حد كبير مع الرقصات.. والمخدرات عنصر آخر رئيسي في الفيلم .. فتتر المقدمة مشهد مطاردة لعبده موته لان بحوزته مخدرات فهو يتاجر فيها ومختار العو كبير المنطقة التاجر الاساسي للمخدرات وجميع الجلسات في الحي العشوائي لا تخلو من المخدرات والبيرة.. والبلطجة والمشاجرات عنصر آخر من المشهيات على مائدة عبده موته فمحمد رمضان وأصدقائه بلطجية فهو يحمل السيف والمطواة ويضرب هذا وذاك فيتفاعل معه جمهور السينما.. ويصل التفاعل الى ذروته عندما يلف الثعبان حول رقبته.. ووسط هذه الصورة الوحشية نلمح ومضات انسانية في حب أنغام " حورية فرغلي" لعبده وحبه لها .. كما نلمحها في حب دينا له وحبها لابنها.. وفي الصداقة التي جمعت عبده وشمال وحماصة.. وفي دفاع عبده عن الشاب المتخلف عقليا ميخا.. ثم تتبدد هذه الومضات فمع سقوط عبده واتهامه بالقتل تتخلى عنه أنغام كما تنهار الصداقة بعد اتضاح خيانة شمال وحماصة له وقيامهما بسرقة فيلا أحد الاثرياء والقتل وتلفيق الاتهام لعبده برعاية مختار العو عدوه اللدود الذي يريد الفوز بأنغام.. غير ان عبده لا يستسلم انه يواصل تصفية أعدائه وأصدقائه الذين سقطت الأقنعة عن حقيقتهم .. ومع وصوله الى ذروة الانتصار بالقضاء عليهم جميعا.. نجده يرتدي البذلة الحمراء ويقف امام المشنقة.. وعندما يسأله مأمور السجن: نفسك في حاجة؟ يتذكر مختار العو ويتمنى لو انه لم يقابله في حياته.. يتذكر حبيبته حورية فرغلي ويتمنى لو انه كان عند حسن ظنها.. يتذكر اخته رحاب الجمل التي حملت سفاحا من صديقه شمال وتخلصت من الجنين وكي تداري على الفضيحة تزوجت ميخا المتخلف عقليا وتمنى لو أن ذلك لم يحدث.. يتذكر شمال ويتمنى لو انه كان قد تقدم للزواج من اخته.. يتذكر دينا التي احرقها مختار العو لانها ساندته ومي التي حملت منه سفاحا ويتمنى لو تسامحانه.. ويتذكر صديقه حماصه ويتمنى لو انه حفظ الصداقة.. وفي النهاية يقول " نفسي أبيع عيش" في اشارة الى تمنيه الحياة الشريفة.. انهم جميعا أموات.. حتى الآحياء منهم يعيشون كالاموات..