د. زاهي حواس: أهم مشروع ثقافى فى القرن ال21.. وأحداث غزة ولبنان أعاقت الافتتاح الكلى د. حسين عبد البصير: الافتتاح الجزئى فرصة للتدريب على إدارة المتحف وتلافى الأخطاء تشغيل 12 قاعة تعرض 24 ألف قطعة أثرية منذ أيام، توجهت أنظار الملايين حول العالم نحو مصر لتشهد بدء التشغيل التجريبى الجزئى للمتحف المصرى الكبير، ذلك الصرح الحضارى والثقافى المتكامل الذى يروى تاريخ الحضارة المصرية القديمة بأحدث التقنيات وأساليب العرض المتحفية الحديثة، ويُعد أكبر متحف فى العالم. بعد ما يزيد على عقدين من الزمن استمر العمل فيهما رغم الكثير من التحديات لإنجاز هذا الصرح الضخم، افتتحت وزارة السياحة والآثار لأول مرة القاعات الرئيسية للمتحف التى تشمل 12 قاعة عرض بإجمالى قطع أثرية تبلغ 24 ألف قطعة، وذلك تمهيداً للافتتاح الرسمى الذى يشمل قاعات «توت عنخ آمون»، وتمتد فيه روح الإنجاز بتطوير المناطق المحيطة بالمتحف وربطها بمنطقة الأهرامات الأثرية، لتصبح منطقة سياحية متكاملة تجمع بين الحاضر والماضي. فكرة المتحف بدأت فكرة إنشاء المتحف المصرى الكبير فى تسعينيات القرن الماضي، وفى عام 2002 تم وضع حجر الأساس لمشروع المتحف فى موقعه المميز الذى يطل على أهرامات الجيزة، حيث أعلنت الدولة المصرية، وتحت رعاية منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) والاتحاد الدولى للمهندسين المعماريين، عن مسابقة معمارية دولية لأفضل تصميم للمتحف، وقد فاز التصميم الحالى المُقدم من شركة هينغهان بنغ للمهندسين المعماريين بأيرلندا Heneghan Peng Architects. اقرأ أيضًا| المتحف المصري الكبير يفتح أبواب العالم على تاريخ مصر القديمة يعتمد تصميم المبنى على أن تُمثل أشعة الشمس الممتدة من قمم الأهرامات الثلاثة عند التقائها كتلة مخروطية هى المتحف المصرى الكبير، وتم البدء فى بناء مشروع المتحف فى مايو 2005، حيث تم تمهيد الموقع وتجهيزه، وفى عام 2006، أُنشئ أكبر مركز لترميم الآثار بالشرق الأوسط، خُصص لترميم وحفظ وصيانة وتأهيل القطع الأثرية المُقرر عرضها بقاعات المتحف، والذى تم افتتاحه خلال عام 2010.. واكتمل تشييد مبنى المتحف عام 2021 ليتضمن عدداً من قاعات العرض، حيث يحتوى على عدد كبير من القطع الأثرية المميزة والفريدة من بينها كنوز الملك «توت عنخ آمون» والتى تُعرض لأول مرة كاملة منذ اكتشاف مقبرته فى نوفمبر 1922، بالإضافة إلى متحف مراكب الملك خوفو، والمقتنيات الأثرية المختلفة منذ عصر ما قبل الأسرات وحتى العصرين اليونانى والروماني، فضلاً عن أول مسلة معلقة فى العالم للملك «رمسيس الثانى» والتى تم نقلها من منطقة صان الحجر الأثرية بمحافظة الشرقية، ويبلغ طولها حوالى 16متراً، وتزن 110 أطنان بالقاعدة الأثرية، وتحتوى المسلة على خرطوش الملك «رمسيس الثاني» أسفل بدن المسلة. أروقة وكنوز يمتد المتحف المصرى الكبير على مساحة ما يقرب من 500 ألف متر مربع، حيث يبدأ الزائر مسار رحلته من البوابات الرئيسية ليستقبل ميدان المسلة المصرية الذى يمتد على مساحة 27 ألف متر مربع، ثم يجد أمامه الواجهة المهيبة للمتحف «حائط الأهرامات» الذى يمتد بعرض 600 متر وارتفاع يصل ل 45 متراً، ومنه يدلف الزائر إلى داخل المبنى الذى يتألف من كتلتين رئيسيتين، هما مبنى المتحف «جهة الجنوب» بمساحة حوالى أكثر من 92 ألف متر مربع، ومبنى المؤتمرات «جهة الشمال» بمساحة حوالى 40 ألف متر مربع، ويربط بينهما بهو المدخل على مساحة حوالي7 آلاف متر مربع، حيث يقبع تمثال الملك رمسيس العظيم منفرداً فى هذه المساحة وكأنه وجد ليستقبل الزوار. وفور الدخول إلى بهو المدخل يجد الزائر مبنى المتحف الذى يضم عددا من القاعات الرائعة، منها الدرج العظيم الذى يقام على مساحة حوالى 6 آلاف متر مربع بارتفاع 108 درجات أى ما يساوى ارتفاع 6 أدوار ويحوى القطع الأثرية الضخمة للملوك. وفى ذات المبنى وعقب صعود عدد من السلالم القليلة توجد قاعة الملك «توت عنخ آمون» التى تقام على مساحة 7,520 متر مربع وتضم جميع كنوز الملك الذهبى التى تتجاوز ال 5 آلاف قطعة أثرية ثمينة مجتمعة لأول مرة فى مكان واحد، إلى جانب ذلك يحتوى المبنى المتحفى على قاعات العرض التاريخية للآثار المصرية القديمة على مساحة أكثر من 17 ألف متر مربع، كما يوجد فى نفس المبنى متحف للطفل بمساحة حوالى 2,479 متر مربع. حلم فاروق حسني المتحف الكبير، كان حلماً لوزير الثقافة الأسبق الفنان فاروق حسنى الذى اقترح إنشاءه بجوار هضبة الأهرامات واستطاع خلال سنوات توليه حقيبة الثقافة افتتاح المرحلتين الأولى والثانية من المشروع والحصول على قرض ميسر من اليابان بقيمة 300 مليون دولار لإنجازه. ويقول د. زاهى حواس وزير الآثار الأسبق: « اشتركت مع فاروق حسنى فى بناء هذا المتحف وكان من المفترض أن نفتتحه فى عام 2015، حيث تقدم فيه مصر للعالم أهم مشروع ثقافى فى القرن الحادى والعشرين». ويضيف د. حواس أن العالم كله ينتظر الافتتاح الكلى للمتحف الكبير الذى سيعرض فيه كنوز الملك «توت عنخ آمون» التى تتعدى ال 5 آلاف قطعة أثرية، خاصة أنه سيتم عرضها بطريقة مبتكرة لأول مرة، مؤكداً أن كل من رآها فى المتحف المصرى بالتحرير سيراها بطريقة أخرى مبهرة فى المتحف المصرى الكبير، وهو ما يعد فى حد ذاته أكبر دعاية للمتحف قبل افتتاحه بشكل كامل.. ويوضح د. حواس أن الظروف الراهنة متمثلة فيما تقوم به إسرائيل من هجمات على غزة ولبنان جعلت الحكومة المصرية غير قادرة على إقامة احتفالات ضخمة تليق بالمتحف الكبير، خاصة فى الوقت الذى ينزف فيه أهلنا فى فلسطين، لأن افتتاح هذا المشروع يجب أن يكون عالمياً يستمر لأيام ويتم فيه دعوة الملوك والرؤساء من كل مكان بالعالم، لذا كان لابد من تأجيل افتتاح المتحف كلياً حتى تهدأ الأوضاع فى الشرق الأوسط، مضيفاً أنه حتى هذا الحين يجب أيضاً أن نعطى ضيوف الحدث فرصة ستة أشهر على الأقل للاستعداد له. الفرعون الذهبي ويوضح د. حواس أن فكرة الافتتاح التجريبى للمتحف لها فائدة مهمة وهى أن المسئولين ومديرى المتحف سوف تتاح لهم فرصة التدرب على كيفية إدارته لأنه واحد من أكبر متاحف العالم ولا يمكن افتتاحة بشكل كامل مرة واحدة، كما أن الافتتاح الجزئى سيضيف مزيدا من التشويق لدى الزوار لرؤية الآثار الفريدة التى لا مثيل لها فى الافتتاح الكبير والمتمثلة فى مجموعة الفرعون الذهبى التى تعرض فى قاعتين فى منتهى الضخامة بطريقة عرض حديثة ومُبهرة. ويضيف د. حواس: «ينتظر العالم لحظة الافتتاح الكلى للمتحف الكبير حتى يأتوا من كل مكان لمشاهدة أكبر مشروع ثقافى فى القرن ال 21، وعندما يتم الإعلان عن افتتاح قاعة توت عنخ أمون لن يجد الزائرين مكاناً لهم فى أى فندق بالقاهرة، وأتوقع أن يصل عدد زيارات المتحف بعد افتتاح قاعات الفرعون الذهبى من 10 إلى 15 ألف زائر فى اليوم». 700 ألف عام يوضح د. حواس أن سيناريو العرض بالمتحف الكبير رائع ويظهر تاريخ مصر من 700 ألف عام قبل الميلاد حتى 394 ميلادية، حيث تعبر القطع الأثرية المعروضة عن الملكية والديانة وغيرهما من الموضوعات فى مصر القديمة، مؤكداً أنه عند العمل على المتاحف الكبرى فى القاهرة تم الأخذ فى الإعتبار أن يكون البطل فى المتحف الكبير هو مجموعة الملك «توت عنخ آمون»، والمومياوات الملكية فى متحف الحضارة والآثار الفريدة الرائعة فى متحف التحرير، بحيث يضع أى سائح يأتى إلى مصر المتاحف الثلاث على قائمة زياراته.. إلى جانب الكنوز الثمينة التى يعرضها لزواره، يضم المتحف الكبير واحداً من أهم معامل الترميم فى العالم، حيث يقول د. حواس: «قمنا ببناء مركز الترميم من عائد أحد معارض توت عنخ آمون خارج مصر، والذى وصل إلى 120 مليون دولار، وبهذا التمويل استطعنا بناء أعظم معرض للترميم وأعظم مخازن ليس لها مثيل فى أى متحف بالعالم». دعم الرئيس السيسي تأجل حلم افتتاح المتحف المصرى الكبير أكثر من مرة على مدى سنوات طويلة، بعد أن تعرض المشروع لعدة أزمات أهمها نقص الموارد المالية اللازمة لاستكماله، حتى تم إحياء المشروع مرة أخرى بعد عام 2014 بعدما وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى الحكومة بدعمه مالياً حتى يتم استكمال أعمال الإنشاءات به مرة أخرى، ونقل القطع الأثرية، وترميمها، وتسارعت وتيرة العمل بعد تولى الهيئة الهندسية للقوات المسلحة الإشراف على الأعمال الانشائية بالمتحف. يقول د. حسين عبد البصير مدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، والذى تولى الإشراف على مشروع المتحف المصرى الكبير من عام 2011 وحتى 2013، إن التمويل أعطى دفعه كبيرة للمشروع بعد تعطل افتتاحه لسنوات، حيث كان من المقرر أن ينتهى العمل فى المتحف عام 2015، فضلاً عن زيارت الرئيس السيسى للمشروع ولقاءاته بوزراء الآثار بشكل مستمر وتوجيه اهتمام حكومة د.مصطفى مدبولى للمشروع بشكل مكثف حتى تم الانتهاء منه. مركز ترميم عالمي ويضيف د. حسين أنه تم افتتاح مركز الترميم بالمتحف الكبير فى يونيو 2010، والذى يعد أكبر المعامل العلمية فى العالم التى تساعد فى خدمة الأثر وأيضاً دراسته من ناحية علمية، موضحاً أن المعامل مقسمة حسب الخامات المصنوع منها الأثر، حيث يوجد معمل للآثار المصنوعة من الأخشاب ومعمل للآثار العضوية ومعمل للآثار المصنوعة من الأحجار ومعمل للآثار الكبيرة، بالإضافة إلى مخازن الآثار كبيرة الحجم، كما أن ارتباط مركز الترميم بالمتحف من خلال أنفاق داخلية يسمح بنقل الآثار بسهولة والحفاظ عليها، فضلاً عن وجود فريق عمل متخصص تم تدريبه فى اليابان على أحدث التقنيات فى الترميم. متحف مراكب «خوفو» يعرض المتحف المصرى الكبير المركب الأولى والثانية للملك خوفو، حيث انتقلت مركب الملك خوفو الأولى بالفعل من مقرها السابق بمنطقة الأهرامات الأثرية إلى متحفها الخاص بجوار المتحف المصرى الكبير، بينما يجرى العمل على ترميم المركب الثانية تمهيداً لوضعها بجوار المركب الأولى. يوضح د. حسين أن سيناريو العرض المتحفى الأول لمشروع المتحف الكبير كان يضم مركب خوفو الأولى، ولكن هذا الأمر كان سيعطل افتتاح المتحف لمدة عامين، لذا تم اتخاذ القرار بجعله مشروعاً منفصلاً وإقامة متحف خاص بها خارج المبنى الرئيسى للمتحف الكبير، بينما تم العمل على استخراج وترميم مركب خوفو الثانية التى تم استكشافها داخل الحفرة الموجودة جنوب الهرم الأكبر على يد الفريق المصرى اليابانى من جامعة واسيدا اليابانية ثم نقل القطع إلى مخزن الآثار بالمتحف الكبير لتجميعها.