اللافت أن يحيى السنوار ارتقى ممتشقا سلاحه وفى مواجهة العدو وليس مختبئا فى الأنفاق كما كان يدعى الاحتلال. ذهب كثيرون لاعتبار استشهاد يحيى السنوار رئيس المكتب السياسى لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) بمثابة إسدال الستار على مرحلة من المواجهة بين الاحتلال الإسرائيلى والمقاومة الفلسطينية، كما توقع البعض أن الأمور قد تصل بشكل أكبر لإضعاف حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وحتى تفككها، وأسقط آخرون نموذج ما حدث فى تنظيم القاعدة بعد اغتيال قياداته أسامة بن لادن وأيمن الظواهرى وما سيحدث لحركة حماس بعد استشهاد السنوار، ولم يأخذ هؤلاء بعين الاعتبار عدة حسابات بسيطة أهمها أن حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حركة شعبية فلسطينية يمتد خط مؤيديها من داخل فلسطين إلى خارجها ويقدرون بمئات الآلاف إن لم يكن بالملايين، وبالتالى اغتيال قيادييها لا ينهيها بل يجدد شبابها ويعيدها للمشهد بشكل أقوى، ولهم فى التاريخ عبرة لو أرادوا أن يعتبروا. قد يكون استشهاد يحيى السنوار بمثابة ضربة قوية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) خاصة أن يحيى السنوار استلم قيادة مكتبها السياسى العام قبل شهرين تقريبا بعد اغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة حماس إسماعيل هنية فى الحادى والثلاثين من شهر يوليو الماضى، إلا أن تجارب المواجهة الممتدة مع الاحتلال الإسرائيلى واغتيال قيادات عديدة من الثورة والمقاومة الفلسطينية لم تنهِ الثورة رغم أهمية الشخصيات التى اغتالها الاحتلال، إلا أن الثورة كانت تجدد نفسها بشكل سريع، لقد اغتال الاحتلال عام 1988م نائب رئيس حركة فتح ومسئول جناحها العسكرى خليل الوزير إلا أن الحركة استعادت قوتها وقادت الانتفاضة الشعبية الفلسطينية حينها، كما اغتال الاحتلال الشيخ أحمد ياسين مؤسس حركة حماس إلا أن الحركة قوىَ عودها وأصبحت أكثر قوة وعنفوانا، والأحداث عديدة وكثيرة فى حالتنا الفلسطينية والعربية والدولية. قد تكون صناعة الكراهية فى الأراضى الفلسطينية عاملا مهما يجعل توقف المعارك أمرا ليس بالهين، خاصة أن التقديرات الأولية تشير لوجود ما لا يقل عن عشرين ألف طفل يتيم فى غزة جزء منهم شهد استشهاد والديه وإخوته وجزء جمع اشلاءهم ولا يزال فى عقل هؤلاء تدور الرغبة فى الثأر والانتقام، وبالمنطق إذا لم يتم استيعاب هؤلاء الأطفال والفتية داخل دولة تحتضنهم وتعيد لهم الامل فى الحياة فسيكونون قنابل موقوتة، ومقاتلين أشرس من مقاتلى السابع من أكتوبر. جوزيف بايدن سارع بتهنئة نتنياهو على نجاح عملية اغتيال يحيى السنوار والتى حدثت بمحض الصدفة وسارع خلفه أقطاب البيت الأبيض، واعتبروا أن غياب يحيى السنوار -المتشدد كما وصفوه- سيسهل صفقة تبادل الأسرى وينهى الحرب على غزة التى غيَّر نتنياهو اسمها قبل أيام من حرب السيوف الحديدية إلى حرب يوم القيامة لإضفاء الوازع الدينى على هذه الحرب، ونسى هؤلاء أن المشكلة الأساسية فى نتنياهو وليست فى يحيى السنوار، بنيامين نتنياهو هو من أفشل الوصول لاتفاق تهدئة فى شهر نوفمبر وكذلك فى شهر يناير وأيضا فى شهر مايو عندما قدمت القاهرة مقترحا وافق عليه الامريكان والفلسطينيون وأفشله نتنياهو بحجة أن الاقتراح تم تعديله للتهرب من أى التزام وضمان استمرار الحرب وكان دائما يضع شروطا لإفشال أى مقترح أو يقدم على عمليات اغتيال لإشعال الجبهات والتهرب من أى ضغط مستغلا حالة الضعف التى يعيشها سكان البيت الأبيض، بعد هذه التجارب مع نتنياهو السؤال الأهم: هل يضمن هؤلاء إذا تمت صفقة الأسرى أن يوقف نتنياهو الحرب؟ فمن يدعون الديمقراطية يريدون أن يفرضوا على شعب أعزل يقتل كل يوم شكل من سيحكمه عندما يؤكدون أنه لا وجود لحماس فى اليوم التالى للحرب، رغم أن من حق الشعب الفلسطينى أن يختار من يمثله، وهم عاجزون عن كبح جماح نتنياهو واليمين الإسرائيلى معه الذى يرغب فى إفناء الشعب الفلسطينى بدلا من الاعتراف بحقوقه السياسية التى كفلها له المجتمع الدولى والمتمثلة فى حقه فى تقرير مصيره وقيام دولته المستقلة. اللافت أن يحيى السنوار ارتقى ممتشقا سلاحه وفى مواجهة العدو وليس مختبئا فى الأنفاق كما كان يدعى الاحتلال. الأمر المهم ليس من سيخلف يحيى السنوار فى قيادة المكتب السياسى لحماس بقدر من سيسيطر فى غزة على قرار صفقة تبادل الأسرى خاصة أن بعض التقارير تشير لقيادة شقيق يحيى السنوار محمد السنوار للجناح العسكرى لحركة حماس فى قطاع غزة وبالتالى قد يكون هو صاحب القرار فى أى صفقة قادمة. تفاؤل الولاياتالمتحدةالأمريكية وبعض زعماء الغرب لا يستند لقراءة الواقع بشكل دقيق ويعتمد على الخداع، فلن يكون ما بعد السنوار بالأمر الهين رغم المذبحة الكبرى التى يتعرض لها شعبنا الفلسطينى ومركزها الان شمال قطاع غزة حسب خطة الجنرالات الصهاينة والتى تنفذ أمام صمت دولى مريب. الشعب الفلسطينى لن يخضع بغياب قيادته وسيخرج من رمال غزة والضفة من يقاتل الاحتلال حتى نيل حقوقه ودحر الاحتلال عن أرضه وهذه حتمية للصراع.