استكشاف دور الفتوى فى تشكيل شخصية الفرد وبناء إنسان عصرى لديه الوعى كان هدف الندوة، التى نظمتها دار الإفتاء تحت رئاسة د. نظير عياد مفتى الجمهورية مؤخرا بحضور نخبة من العلماء والمفكرين فى مختلف المجالات.. جاءت الندوة فى إطار جهود المؤسسات الدينية لتنفيذ المبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان»، وتضمنت حوارات علمية مستفيضة وحلقات نقاشية جمعت نخبة من العلماء والمفكرين. وعلى هامش الندوة استعرض المؤشر العالمى للفتوى ورقة بحثية بعنوان «تأثير الفتوى على جهود بناء الإنسان.. بين الدعم والتقويض» والتى تضمنت مناقشة قسمين: القسم الأول بيان دور الفتوى الرسمية، المتمثلة فى مؤسستى الإفتاء والأزهر، فى دعم بناء الإنسان والمجتمع، والقضاء على الظواهر المجتمعية السلبية. وتناول القسم الثانى التأثير الهدام للفتوى غير المنضبطة، من خلال تحليل عينة من الخطاب الإفتائى للجماعات الإرهابية، التى تستند إلى أفكار مشوهة وشاذة وفكر دينى متطرف. وأكد د. طارق أبو هشيمة مدير المؤشر العالمى للفتوى بدار الإفتاء أن فتاوى دار الإفتاء والأزهر الداعمة للاقتصادات الوطنية والقضاء على الفقر والجوع، جاءت بنسبة (30%)، وهى النسبة الأكبر بين فتاوى العيِّنة المنضبطة وجاءت الفتاوى الرسمية الداعمة لبناء الإنسان عقائديًا وفكريًا بنسبة (20.5%). وأوضح أن (32%) من عينة فتاوى الجماعات المتطرفة تتلاعب بأحكام الشرع لتبرير انتهاك الحياة وسفك الدماء وأن المرأة والطفل هما الحلقتان الأكثر ضعفًا فى الفكر الإرهابى الذى ينتهك حقوقهما فى الحياة والتملك. وأشار أبو هشيمة إلى أن فتاوى الأزهر والإفتاء ظهرت فيها جهود كبيرة لتحقيق الاجتهاد الفقهى فى التعامل مع القضايا المستجدة وحرصت على إعلاء مقاصد حفظ النفس وتطبيق قاعدة دفع الضرر، التى تقضى بعدم جواز الإضرار بالآخرين، وإذا وقع الضرر فيجب إزالته، وهو ما يُعرف بقاعدة: «لا ضرر ولا ضرار»، وكذا تأكيد مبادئ بناء الأسرة والارتقاء بها سواء فيما يتعلق بالأب والأم والأبناء فى مختلف المراحل العمرية، والحفاظ على قيم الأسرة وسلامة أعضائها، من خلال: التأكيد على حقوق المرأة، وحقوق الطفل، ودعم كبار السن. ومواجهة الظواهر الاجتماعية السلبية مثل التنمر والانتحار إلى جانب دعم الحفاظ على صحة وحياة الإنسان اقرأ أيضًا| بسبب «النسيان أو النوم».. حكم قضاء الصلاة الفائتة وفيما كانت تدعو فتاوى المؤسسات الرسمية للحفاظ على الإنسان كانت فتاوى الجماعات المتطرفة تبيح أنهاء حياة الإنسان وسفك دمائه، سواء كان الفرد من أتباع التنظيم، وهنا يكون من السهل التضحية بحياته بإقناعه زورًا بأن هذا من «الجهاد» و«الشهادة فى سبيل الله»، أو إذا كان الشخص مخالفًا للتنظيم، ففى هذه الحالة يجيز الفكر المتطرف انتهاك حياته باعتباره «كافرًا». كما أن الفكر المتطرف يقوم على تحقيق مكاسب وأهداف قصيرة الأمد تصب جميعها فى مصلحة التنظيم، وليس فى مصلحة التنمية الإنسانية المستدامة. فبناء الأوطان والقرى والمدن المتطورة ليس من أولويات التنظيمات الإرهابية، كما أن الفكر المتطرف لا يؤمن غالبًا بالمعاملات الاقتصادية الحديثة، ويظل معتمدًا على المعاملات المالية القديمة التى لا تتماشى مع تطورات العصر. كما بينت دراسة المؤشر توجه الفكر المتطرف نحو انتهاك حقوق المرأة، بل أشارت إلى غيابها بصورة كلية وتامة عن الفكر المتطرف؛ حيث بلغت نسبة فتاوى العينة غير المنضبطة المحبذة لانتهاك حقوق المرأة (10%)، لتثبت هذه الفتاوى أن الإنسان بالنسبة للفكر المتطرف أداة، والمرأة والطفل هما الحلقتان الأكثر ضعفًا، وبالتالى سهولة انتهاك حقوقهما، بداية من حقهما فى الحياة، وصولًا إلى حقهما فى التملك المالي، ومختلف الحقوق الأخرى. وأوصى المؤشر العالمى للفتوى بضرورة الاستمرار فى استشراف القضايا التى تخص الأسرة المصرية ككيان متكامل، بما فى ذلك المرأة والطفل والرجل، خاصة فى ظل مبادرة القيادة المصرية بإطلاق مبادرة «بداية جديدة لبناء الإنسان المصري» الهادفة إلى الارتقاء بجودة حياة المواطن والأسرة والمجتمع بشكل عام. مع منح مزيد من الاهتمام للظواهر الاجتماعية السلبية الدخيلة على المجتمع المصري، من خلال تكثيف جهود توعية الشباب بشأن طبيعة علاقاتهم الاجتماعية وما يجب أن تكون عليه، بالإضافة إلى تعزيز توعيتهم بشئون دينهم والتقرب إلى الله، ونبذ الأفكار السلبية التى تفسد حياتهم. كما اشتملت الندوة على ورشة مهمة أيضا حملت ناقشت «تأثير الفتوى على جهود بناء الإنسان.. بين الدعم والتقويض» وفيها أشار د. حسن الشافعى عضو هيئة كبار العلماء إلى أهمية دور الأزهر فى استقرار المجتمع وفى تكوين أفراده التكوين الذى يتماشى مع مقاصد الشريعة مؤكدا أن الأزهرى عمود المجتمع فهو المعلم والمفتى وهو الخطيب وهو بناء المجتمع وأن الفتوى هى بناء الإنسان والمجتمع ليس نظريًّا بل واقع عملى على مر التاريخ وشدد. يوسف عامر رئيس لجنة الشئون الدينية بمجلس الشيوخ أن الفتوى الصحيحة هى التى تساهم فى تحمل الأفراد والمجتمعات لمسئولياتهم وتوجيههم نحو عمارة الأرض فى كل زمان ومكان وأنه إذا كان الفهم خاطئًا، فإنه ينتج عنه فتاوى تؤدى إما إلى التطرف أو إلى الانحلال، حيث إن الإرهاب لا يُمارس بالسلاح فقط، بل قد يظهر فى أشكال أخرى، كالفكر المتطرف أو الانحلال الأخلاقي. وأشار إلى الحاجة للتفكير فى زيادة عدد سنوات الدراسة أو تأسيس معهد متخصص لتأهيل المفتى يمتد لعدة سنوات، على غرار كليات الطب والصيدلة التى تتطلب خمس سنوات من الدراسة. فالتحديات التى تواجهها الأجيال الحالية تختلف كثيرًا عن الأجيال السابقة، مما يجعلنا ندعو إلى مراجعة المناهج والتأكد من أنها تتناسب مع متطلبات العصر.`