الشرق الأوسط الذى يريده نتانياهو سبقته أمريكا فى التخطيط لتحقيقه منذ السنوات الأخيرة فى القرن الماضى، وأعلنت ذلك علناً وأسمته الشرق الأوسط الكبير. لقد بدأنا.. وسنغيّر الشرق الأوسط! هكذا قال نتانياهو بعد اغتيال قائد فرقة الرضوان بحزب الله وأركان حربه والذى أعقبه هجوم جوى مكثف على لبنان فى مناطق شتى منه.. وهذا يعنى بوضوح أن نتانياهو لا يريد فقط تصفية القضية الفلسطينية التى بدأت بتدمير قطاع غزة والتوسع فى قتل أهلها والتوسع فى اقتحام أراضى الضفة الغربية ، إنما يريد ما هو أكبر وأوسع من ذلك وهو فرض الهيمنة الإسرائيلية على إقليم الشرق الأوسط كله.. أى أنه يريد شرق أوسط إسرائيليًا!. ولكى يحقق نتانياهو ذلك عليه أن يتخلص من القوى البارزة والفاعلة والمؤثرة وأيضاً الواعدة فى إقليم الشرق الأوسط حتى لا تزاحم إسرائيل فى بسط نفوذها على الإقليم.. وفى هذا الإطار يمكن فهم احتلال القوات الإسرائيلية لمحور صلاح الدين ومنطقة معبر رفح رغم أن ثمة اتفاقاً يمنعها من ذلك، ولذلك تتمسك مصر بانسحابها منه ومن منطقة معبر رفح لتعود لتشغيله بالتعاون مع الفلسطينيين، ورفضت هدنة تبقى القوات الإسرائيلية فى المحور والمعبر.. ويمكن أيضاً فهم تكثيف الهجوم الإسرائيلى على لبنان لإضعاف حزب الله المرتبط بإيران التى يسعى نتانياهو منذ سنوات لتوجيه ضربة تقوض مشروعها النووى وتوقف تمدد نفوذها الإقليمى والذى اتسع ليشمل سوريا والعراق ولبنان واليمن وعلى نتانياهو أيضاً أن يجعل إسرائيل وحدها هى التى تملك قوة الردع فى الإقليم لكى تتمكن من فرض إرادتها وبسط هيمنتها على هذا الشرق الأوسط الضعيف مهيض الجناح، بما يضمن له تصفية القضية الفلسطينية دون مواجهات تمنعه أو تعطله، ويمكنه من توسيع مساحة إسراءئيل على حساب الأراضى الفلسطينية فى غزة والضفة الغربية دون اعتراض يعتد به من أحد ودون مساءلة دولية بالطبع!. هذا هو الشرق الأوسط الذى تريده إسرائيل.. قواه البارزة فاقدة لتأثيرها وفاعليتها وقدراتها العسكرية والاقتصادية والسياسية، بينما هى تظفر وحدها بالقوة وتملك القدرة على الردع وتخيف الجميع فيه.. شرق أوسط خاضع خانع مستسلم يرضخ لإرادتها ويقبل بهيمنتها ويهابها ويعمل لها ألف حساب!. لكن الشرق الأوسط الذى يريده نتانياهو سبقته أمريكا فى التخطيط لتحقيقه منذ السنوات الأخيرة فى القرن الماضى، وأعلنت ذلك علناً وبوضوح وأسمته أحيانا الشرق الأوسط الكبير وأحيانا أخرى الشرق الأوسط الجديد.. وقد أخفق تخطيط أمريكا التى تحوز القوة الأولى فى العالم فى تحقيق هذا الشرق الأوسط الذى تريده، رغم أنها ظلت تعمل بدأب سنوات عديدة لصياغته وتشكيله فى العديد من الاتجاهات، كان أبرزها تغيير الأنظمة السياسية العربية فى المنطقة وتمكين الإخوان من حكمها.. ووقف المشروع النووى الإيرانى واحتواء تركيا.. وقد كانت الإطاحة بحكم الإخوان فى مصر هو أكبر إخفاق للتخطيط والمشروع الأمريكى لأنه منعهم من السيطرة على حكم عدد من البلاد العربية الأخرى، مثل تونس والجزائر والسودان وليبيا. وإذا كانت أمريكا التى تمثل القوة الأولى فى العالم قد أخفقت فى تشكيل الشرق الأوسط على هواها كما تريد وتبغى فهل تفلح إسرائيل التى تعتمد عليها فى كل شىء فى ذلك؟!.. ومع ذلك ولأن ما ينشده نتانياهو يحيى رغبة أمريكية راودت الأمريكان منذ سنوات وأخفقوا فى تحقيقها فإنهم يساندون نتانياهو فى كل ما يقوم به الآن من توسيع نطاق الحرب ضد لبنان، بعد أن سكتوا عليه وهو يجهض جهود التوصل إلى هدنة فى قطاع غزة. إذن الأمر ليس عدم قدرة أمريكا الآن على لجم نتانياهو ومنعه من التمادى فى عدوانه شمالاً وجنوباً، وإنما هو توافق رغبات أمريكية إسرائيلية فى شرق أوسط جديد.. ضعيف قابل للهيمنة.. أما أحاديث الأمريكان عن بذل قصارى الجهد للتوصل إلى هدنة فى غزة ومنع توسيع الحرب وتحولها إلى حرب إقليمية فهى مجرد أحاديث لتخديرنا نحن العرب ليتسنى لهم تنفيذ مخططاتهم القديمة فى منطقتنا.