قبل أيام، اتصل بى صديق لم أره منذ تخرجنا فى جامعة الإسكندرية قبل نحو ربع قرن. وأنا بطبعى تنتابنى سعادة غامرة كلما قابلت أو تكلمت مع أحد من أصدقائى القُدامى، ولاحظت أننى فى كل مرة نتهاتف فيها نستغرق فى الضحك بينما نتصفح ذكرياتنا البعيدة.. كم كانت الأيام جميلة ومبهجة وألوانها مشرقة. انتهت المكالمة ونحن نتفق كالعادة على ترتيب موعد نلتقى فيه قريبًا، موعد لا يأتى أبدًا.. أغلقت الخط، واكتشفت أننى لم أعد أضحك كثيرًا.. ربما أكتفى - أحيانًا - بتوزيع ابتسامات عابرة، من دون رغبة فى تحريك شفتيّ.. ظننتُ أن الخلل فى هاتين الشفتين، جريت نحو أقرب مرآة وأمعنت النظر، لم أرَ وجهى نهائيًا.. رأيت شيئًا آخر: شاشة كمبيوتر! لم تكن صدمتى كبيرة، فأنا منذ فترة طويلة، أشعر أننى أشبه آلة ما، واليوم حين تحريت الأمر بدقة، وجدت فى منتصف جهاز الكمبيوتر «ماوس»، وعلى الفور ظلّلتُ وجهى وضغطت «كليك يمين»، وأخذت «كوبي» من عينيّ، ثم لصقتهما فى زمن آخر (سنة 2000). أذكر هذا العام جيدًا، لأنه كان عام تخرجى فى الجامعة، كنت أقف على شاطئ جليم وسط أصدقائى لنلتقط صورة تذكارية يضحك فيها الجميع من القلب، وكانت تلك هى اللقطة الأخيرة التى اهتز فيها قلبى فرحًا وضحكًا، وبعدها ودّعتُ عروس البحر وانتقلت إلى القاهرة لأبدأ رحلة عمل شاق لم تنتهِ حتى اليوم.. رحلة أكابد فيها أنا وأبناء جيلى من الحالمين على أمل العودة ذات يوم للضحك، لكن الدنيا و«مشاغل الحياة» طوّحت بنا بعيدًا. انطفأ نور الغرفة وتبخرت المرآة، ولم يبقَ سوى ضوء خافت صادر عن جهاز الكمبيوتر النائم كجثة على حافة السرير!