حروب الجيل الجديد «سيبرانية»| خبراء: هجوم لبنان مجرد بداية

حرب المعلومات والإدراك تستند إلى تقنيات حديثة من بينها الهجمات السيبرانية والذكاء الاصطناعى؛ فكرة أساسية تقوم عليها حروب الجيل الخامس لا تشترط خلالها بالضرورة استخدام القوة العسكرية بما يمثل انخفاض فى درجة العنف العسكرى التقليدى لكن يصل مدى تدميرها إلى مستويات أعلى من خسائر الحروب العسكرية فى التلفيات أو الضحايا، وهو النهج الذى اعتمدته إسرائيل فى ضربتها لحزب الله عبر استهداف أجهزة النداء اللاسلكية «بيجر» بحوزة عناصرها التى تحولت من كونها وسيلة للاتصال فيما بينهم إلى قنبلة تقتل وتصيب بين أيدىهم راح ضحيتها 9 قتلى ونحو 3 آلاف مصاب.
وسيلة تواصل
قبل اختراع الهاتف المحمول؛ اعتمد الناس منذ خمسينيات القرن الماضى على أجهزة النداء الاسلكى فى التواصل فيما بينهم، وكانت الآلية تنحصر استدعاء صاحب الجهاز عبر صوت تنبيهى يصدر عن الجهاز. ومع انتشار استخدام الأجهزة بين عموم الناس تطورت الآلية إلى إضافة خاصية استقبال رسائل نصية قصيرة تعرضها شاشة الجهاز. وفى السبعينيات ازدهرت أجهزة «بيجر» فى المجالين الطبى والعسكرى ثم مجتمع الأعمال والاتصالات الشخصية الأمر الذى استدعى إضافة خاصية جديدة بإرسال النصوص بين المستخدمين إلى جانب استقبالها.
و«بيجر» هو جهاز تواصل لاسلكى شهد تطورات فى خصائص استخدامه عبر 8 نسخ مختلفة؛ الأولى يصدر عنها تنبيه صوتى فقط لدى استدعاء صاحبها، والأخيرة «ثنائية الاتجاه» تتضمن إرسال واستقبال الرسائل النصية مع مبادلة التأكيد على قراءتها بين المستخدمين.
ويحتوي كل جهاز على رمز بروتوكول الوصول إلى القناة (CAP) الخاص به وهو عنوان تعريف فريد، وعندما يسمع جهاز النداء الرمز الخاص به فإنه يتلقى الرسالة، ويختلف الصوت (صفيرًا، أو رنينًا، أو اهتزازًا) بحسب نسخة الجهاز.
ورغم ما شهده العالم من تطور تكنولوجى قوى منذ التسعينيات، إلا أن أجهزة النداء لاتزال مستخدمة من قبل بعض مقدمى خدمات الطوارئ وموظفى السلامة العامة؛ لأن تداخل إشارات شبكات التواصل الحديثة أو التى تعتمد على الأقمار الاصطناعية، يجعل أنظمة النداء التقليدية محل ثقة بشكل أكبر من الشبكات الخلوية الأرضية فى بعض الحالات التى تتضمن الكوارث الطبيعية، أو فترات الحروب لكونها أكثر فعالية ضد قدرات التجسس عالى التقنية الحالية.
اختراق للخوادم
زيادة الإشعارات الواردة عبر بث كود برمجى بعد اختراق الخوادم المشغلة للجهاز أدى لاستهلاك مفرط ومفاجئ لبطاريات الليثيوم داخله ما رفع من حرارتها مسببًا فى انفجارات متزامنة؛ هو الاحتمال الأكثر ترجيحًا وراء الهجوم السيبرانى الإسرائيلى الذى استهدف عناصر حزب الله. ورغم أن النسخة الحالية من أجهزة «بيجر» بين أيدى المئات من مقاتلى حزب الله هى الأحدث وفق صفقة منذ أشهر معدودة، إلا أنها باتت محاولة فاشلة للهروب من تكنولوجيا المراقبة المتطورة والهجمات السيبرانية الحديثة.
هجوم متكرر
يقول د. محمد محسن رمضان مستشار الأمن السيبرانى ومكافحة الجرائم الإلكترونية إن الهجوم سيتكرر لا محالة، مؤكدًا أن الاستهداف القادم سيتم بشكل أكبر. وأوضح أنه كلما تطورت التكنولوجيا ازداد معها مستويات الخطر، مشيرًا إلى أن مفهوم الأمن تجاوز فكرة هدم وتدمير الأنظمة إلى مخاطر البنية التحتية وشبكات الاتصال السلكية واللاسلكية. وأكد رمضان أن الهجوم الإسرائيلى يعد أكبر هجوم نوعى تشهده الساحة فى المجال السيبرانى خاصة لاستعانة الاحتلال بشركة NSO Group الإسرائيلية الشهيرة فى مجال التجسس، مشيرًا إلى سبق تحريك شركة Apple دعوى قضائية ضد الشركة بعد أعمال القرصنة على أجهزتها المحمولة.
ويرجح مستشار الأمن السيبرانى قيام إسرائيل بزراعة "رقاقات إلكترونية" داخل أجهزة «بيجر» قبل وصولها إلى عناصر حزب الله، وفى الوقت المناسب للهجوم نفذ الاحتلال اختراقًا للخوادم المشغلة لها، ما أدى إلى ارتفاع درجات حرارتها بشكل أكبر من طاقة البطارية ما تسبب فى انفجارها. وأضاف أن "الرقاقات الإلكترونية" تجاوزت التواصل المشفر بين الأجهزة، لكونها مزروعة داخلها دون الحاجة إلى بذل جهود إضافية فى اختراقها فى إشارة إلى ضرورة معرفة توقيت ومكان زراعة تلك الرقائق قبل أن تصل إلى حزب الله.
زراعة متفجر
من جهته، يوضح د. زياد عبدالتواب خبير أمن ونظم المعلومات ورئيس مركز المعلومات بمجلس الوزراء الأسبق أنه تم زراعة "متفجر" داخل أجهزة «بيجر» قبل وصولها لعناصر حزب الله، مشيرًا إلى أن تلك العملية لا تستغرق أكثر من 30 ثانية ما يسهل التحكم فيها وتفجيرها عن بعد بتنشيط التفجير عبر إرسال رقم معين لكل الأجهزة فى نفس التوقيت، وهو الاحتمال الأول وراء الهجوم.
وأضاف أن الاحتمال الثانى هو إرسال تردد معين بكثافة عالية على كل الأجهزة ما أدى إلى سخونة عالية بالبطارية تسبب فى انفجارها بشكل متزامن. وأشار رئيس مركز المعلومات بمجلس الوزراء الأسبق إلى أن الخطورة فى التفجير هو موضع الإصابة، موضحًا أن الإصابات تتركز بين مناطق ثلاثة هى: الوجه، واليدين، وأغلبها فى منطقة البطن لكون المستخدم غالبًا ما يضع الجهاز فى الجهة أعلى البنطال من الأمام إذا لم يكن يستخدمه بين يديه أو فى موضع قرب الوجه ليقرأ رسالة سبق لجهازه استقبالها.
:: 8 مراحل لتطور جهاز «بيجر» ::
1- أجهزة التنبيه الصوتي فقط (Beepers):
يزن 200 جرام ويستقبل إشارة تصل مداها 40 كيلومترًا من أقرب برج إرسال.
2- أجهزة النداء الصوتي/ التنبيهى:
تتيح هذه الأجهزة للمستخدمين الاستماع إلى رسالة صوتية مسجلة عند تلقي التنبيه.
3- أجهزة الرقمية:
تحتوى على شاشة عرض تعرض أرقامًا هاتفية أو معلومات رقمية أخرى تصل عادةً إلى 10 أرقام.
4- أجهزة نصية (Alphanumeric):
تتميز بشاشة عرض أكثر تطورًا يمكنها عرض النصوص والرموز وتُستقبل الرسائل النصية عبر البريد الإلكترونى.
5- أجهزة الرد (Response Pagers):
مزودة بمرسلات مدمجة تتيح للمستخدم تأكيد استلام الرسائل والرد عليها باستخدام قائمة من الردود الجاهزة.
6- أجهزة اتصال ثنائية الاتجاه:
تحتوي على لوحة مفاتيح تتيح إرسال واستقبال الرسائل النصية والرد على الرسائل برسائل مخصصة.
7- أجهزة مودم أحادية الاتجاه:
مزودة بمستقبلات نداء مدمجة يمكنها اتخاذ إجراءات تلقائية بناءً على الرسائل والبيانات المستلمة.
8- أجهزة مودم ثنائية الاتجاه:
تتميز بقدرتها على تأكيد استلام الرسائل وإرسال بيانات ورسائل جديدة.