في قلب الإسكندرية، التي تجمع بين عبق التاريخ وروح الحياة الشعبية، استمرت المدينة الساحلية في الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف على طريقتها المميزة، وهي الطريقة التي تحمل في طياتها رمزاً للفرح والمحبة، فمع حلول هذه المناسبة، تحولت شوارع الإسكندرية إلى مهرجان مفتوح يعكس التراث الأصيل للمدينة، حيث امتزجت روح المودة والكرم بالعادات الشعبية التي تعود لعقود طويلة. اقرأ أيضا| ورش فنية ضمن احتفالات مركز طنطا الثقافي بالمولد النبوي من أبرز مظاهر الاحتفال بالمولد النبوي في الإسكندرية هو تقديم "شربات الموز" المثلج، تلك العادة الفريدة أصبحت أيقونة لاحتفالات المدينة، حيث يحمل الشباب والفتيات، الأطفال والنساء، أكواباً مملوءة بالشربات البارد، ويقدمونها بابتسامة عريضة لكل من يمر في الشوارع، سواء كان المارّة مشاة أو سائقي سيارات، لا يمكن لأي شخص أن يفلت من جملة تتردد في كل زاوية "صلِّ على رسول الله" التي ترافق تقديم كوب من شربات الموز، في لفتة مليئة بالود والتآخي. هذا التقليد أصبح جزءاً لا يتجزأ من الهوية السكندرية، حيث يربط الأهالي الشربات بالمناسبات السعيدة والاحتفالات، وقد أصبح رمزاً للكرم والسخاء الذي يتميز به أهل المدينة، والذي يظهر جلياً في جميع المناسبات الاجتماعية والدينية. قامت "الأخبار" برصد أجواء الاحتفالات في أحد أهم الأحياء الشعبية في الإسكندرية، بمنطقة بحري، في قلب هذه المنطقة الحيوية، تبرز الجهود الجماعية للأهالي الذين يتكاتفون لتجهيز هذه الاحتفالات بكل حب، سامح دريم، أحد سكان المنطقة وأحد منفذي المبادرة، أكد أن هذه الاحتفالات ليست وليدة اللحظة، بل هي نتيجة جهد مشترك يبدأ قبل أيام من المولد النبوي الشريف. وأوضح سامح أن التحضيرات تبدأ بجمع التبرعات من أهالي منطقة باب 10 بميناء الإسكندرية، بهدف شراء المكونات الأساسية لشربات الموز، وهي زجاجات الشربات، فاكهة الموز والثلج، يتم تجهيز الشربات وتوزيعه على أهالي المنطقة والمارّة، ليصبح الاحتفال بالمولد النبوي مناسبة تجمع الناس بمختلف أعمارهم وطبقاتهم في أجواء تعكس روح المحبة والتآخي. من جانبه، تحدث دريم ، أحد سكان المنطقة، عن أهمية هذا التقليد الشعبي وضرورة الحفاظ عليه، أشار إلى أن الاحتفالات بالمولد النبوي تعكس هوية الإسكندرية وتبرز كرم أهلها، وأضاف أن مشاركة الأطفال في هذه الاحتفالات تسهم في نقل هذه العادات للأجيال القادمة، ما يعزز من استمراريتها على مر السنين. ويرى محمد فاروق أحد المشاركين في المبادرة أن هذه الاحتفالات لا تقتصر فقط على توزيع الشربات والمشاركة في الفرح، بل تساهم أيضاً في تعزيز الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع، فالاحتفال بالمولد النبوي في الإسكندرية ليس مجرد طقس ديني، بل هو مناسبة لإبراز قيم التآخي والمحبة، وتوطيد العلاقات بين أفراد المجتمع. كما أكد "فاروق" على أن هذه العادات تلعب دوراً مهماً في ترسيخ الهوية السكندرية وتعد جزءاً من التراث الشعبي الذي يميز المدينة عن باقي المدن المصرية، وأعرب عن أمله في أن تستمر هذه الاحتفالات لسنوات طويلة، وأن تنتقل هذه العادات عبر الأجيال، مؤكداً أن التكاتف المجتمعي هو ما يجعل من هذه المناسبة تجربة مميزة يعيشها الجميع بكل حب وسعادة. ليس فقط الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف ما يجعل هذه المناسبة مميزة في الإسكندرية، بل الأثر الاجتماعي الذي تتركه على الناس، فالأجواء الاحتفالية تخلق شعوراً بالانتماء والمشاركة بين سكان المدينة، الجميع يشعر بأنه جزء من شيء أكبر، حيث تسهم هذه الاحتفالات في تذكير الناس بأهمية التكاتف والوقوف معاً في الفرح. كما أن توزيع الشربات بشكل مجاني يعكس صورة من صور التكافل الاجتماعي، حيث يسهم الجميع في إدخال البهجة إلى قلوب الآخرين، سواء كانوا من سكان المدينة أو من زوارها، وفي هذه الأوقات، تصبح الإسكندرية نموذجاً للمدينة التي تعزز روح التضامن والمحبة بين سكانها، وتفتح أبوابها للجميع ليكونوا جزءاً من هذه التجربة الفريدة. في نهاية المطاف، فإن احتفالات الإسكندرية بذكرى المولد النبوي الشريف تعد أكثر من مجرد مناسبة دينية، إنها لوحة من التراث الشعبي، تجسد روح المدينة وتعكس قيم أهلها، شربات الموز المثلج، الذي يوزع في كل زاوية، أصبح رمزاً لهذه الاحتفالات وعلامة مميزة تعبر عن الفرحة والكرم.