«أستشعر أن هذا الجهاز منزوع الدسم، ليس لعيب فى القائمين عليه، ولكن الحكومة لا تكاد تراه» واقعة تمثال الغزالة الذهبية ليست الأولى، وفى تقديرى أنها لن تكون الأخيرة، ما دمنا نتعامل مع الكثير من قضايانا بطريقة رد الفعل، ثم ننسى الأمر، لنستيقظ بعد فترة على مشكلة جديدة ربما تكون بنفس التفاصيل وربما بتفاصيل أكثر تعقيدًا لأننا لم نقدم الحل المناسب فى الوقت المناسب. فبعد أن قامت الدنيا على «الغزالة الذهبية» التى وضعت قُبالة الباب الرئيسى لحديقة الحيوان بالجيزة، لم يمض وقت طويل حتى هاجت الدنيا على وسائل التواصل على مجسم «براد شاى» كبير وضع فى أحد ميادين أسوان، والآن نسى الرأى العام كلا القضيتين. الذائقة العامة ورغم أن الناس ليست مطالبة بدراسة فن النحت، أو دراسة العمارة وفن توزيع الفراغات فى الميادين، إلا أنها بفطرتها تتذوق أشياء، وتنفر من أخرى، وإذا كان الجمال لا تخطئه عين، فإن القبح النشاز أيضًا يستوقف كل ذى بصر وبصيرة. لذلك قامت الدنيا على غزالة الحديقة البراقة اللامعة بلونها الذهبى لأنها فى غير محلها، ولأنها اعتداء صريح على تاريخ وتراث متمثل فى حديقة الحيوان فى الجيزة التى تعد ثانى حديقة على مستوى العالم من حيث تاريخ الإنشاء، فقد افتتحت للجمهور فى الأول من مارس عام 1891م، وإن كان تأسيسها الحقيقى يعود إلى 1869م، واكتسبت الحديقة أهميتها التراثية من أسباب كثيرة من بينها محتوياتها مثل جزيرة الشاى والكوبرى المعلق بداخلها وجبلاية القلعة، فهى تدخل فى عداد التراث والآثار، ناهيك عن بواباتها الأثرية التى لن ترى لها مثيلًا لها إلا فى القصورالملكية الأوروبية، كل هذا الجمال يدخل فى سجل التراث الذى يستوجب الحماية. بعض منا قد يعلم أن الحديقة مغلقة منذ فترة للتطوير، وحدث جدال سابق على جدوى عمل تليفريك يربط حديقة الحيوان بحديقة الأورمان التى تعد هى الأخرى حديقة تراثية تحتفظ بأندر النباتات على مستوى العالم. عامة الناس ومن قبلهم المتخصصون اعترضوا على تمثال «الغزالة الذهبية»، لأنهم رأوا فيه اعتداء صريحا على تراث لا نستطيع تعويضه، ففى تقديرى أن تطوير حال مهما كانت عظمته لن ينجح فى مجاراة الحدائق الجديدة التى تنشئها اليوم دول ذات فوائض ماليه كبيرة، ولكن تلك الدول لا تملك ميزتنا الفريدة: التراث والتاريخ، فنحن أمام كيان فريد يجب المحافظة عليه، ليس بتجديده، ولكن بتطويره برفع كفاءته، وإعادة تأهيله، ومعالجة مشكلاته الهندسية الملحة، دون الاقتراب أو الاعتداء على العناصر الأثرية للمكان سواء بالتعديل أو بالإضافة أو الحذف، أو التجديد بعناصر لا تتفق مع طبيعة وروح المكان، أو حتى محاولة «الشوشرة» على المبنى التراثى أو الأثرى، بإنشاء مبنى أو كيان يتطاول عليه فى البنيان أو بالبلدى «يسرق منه عين الزائر» مثلما حدث فى واقعة «الغزالة الذهبية»، التى قد تكون كعمل منفصل قائم بذاته، جميلة، ولكن وضعها هنا فى مكان عمره يتجاوز عدة قرون بدا وكأنه مسخ، أضر بالعمل وبالحديقة فى آن واحد. واقعة الغزالة ومن بعدها واقعة براد الشاى، وما قبلهما من وقائع كثيرة تكشف عن تدنٍ فى الذوق العام، وتراجع ذائقة الجمال، والشعور به والاستئناس إليه، فى مقابل اعتياد العين لمظاهر القبح المنتشر، ليس بالضرورة أن نقزم القبح فى انتشار القمامة فى الشوارع، ولكن الاعتداء على كل ما له قيمة ويدخل فى عداد التراث والآثار، هو قمة القبح. السائح لا يأتى إلى مصر ليرى أحدث مبانيها العصرية، على أهمية ذلك، ولكنه يقطع ملايين الأميال ويحجز فى أغلى الفنادق ويتكبد عناء السفر ليرى ويستمتع بتراث وآثار مصر ممثلا فى نتاج حضارة يتجاوز عمرها ستة آلاف سنة، السائح الأمريكى مثلًا قد يبهره إذا قدر له أن يزور حديقة الحيوان بالجيزة أن عمرها قد يماثل عمر بلاده، وأن الكوبرى المعلق داخل حديقة الحيوان بناه الفرنسى جوستاف إيفل الذى شيد برج إيفل، وقد لا يصدق نفسه عندما يكتشف أن الكرسى الذى يجلس عليه فى مقهى الفيشاوى عمره يسبق اندلاع حرب التحرير فى بلاده، وقد يطير عقله وهو يتجول فى شارع المعز ويعرف أنه يعد أحد أقدم الشوارع فى العالم التى حافظت على نفسها نسقها وتخطيطها المعمارى لأكثر من ألف سنة بما فيه المبانى التى تقدر أعمارها بعشرات القرون، لذلك فالتعامل مع التراث له حساسيته، ويجب أن نحافظ عليه وننميه ونوظفه التوظيف الأمثل، وهناك فى مصر خبراء هذه مهنتهم وأكل عيشهم، وهناك عدة بيوت خبرة يمكن للحكومة الرجوع إليها، منها جهاز التنسيق الحضارى الذى يضم صفوة خبراء تستعين بهم دول العالم، ونحن أولى بهم، ولكنى أستشعر أن هذا الجهاز منزوع الدسم، ليس لعيب فى القائمين عليه، ولكن الحكومة فى أحيان كثيرة لا تكاد تراه، فى وقت يجب عليها أن تلجأ إليه ليكون طرفًا أساسيًا فى مثل تلك المشروعات من نوعية حديقة الحيوان. البيت الأبيض كنت أتمنى عودة ترامب إلى البيت الأبيض، ولكنى أكاد أكون على يقين أن كاملا هاريس ستفعلها، لتكون أول امرأة تجلس على كرسى البيت الأبيض، توقعاتى غير مبنية على نتائج استطلاعات الرأى أو على قراءة نتائج الولايات المتأرجحة، ولكنى أرى أن الناخب الأمريكى الذى أتى بأوباما ليكون أول رئيس أسود من أصول أفريقية بعد عقود من التفرقة العنصرية البغيضة، هو نفسه الناخب الذى سيأتى بكاملا لتكون أول امرأة، وفى هذا الإطارأتوقع أن يكون رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد القادم من الشواذ، مثلى الجنس. تمنياتى بفوز ترامب ليست حبًا فيه أو فى سياسته، فجميع رؤساء الولاياتالمتحدة منذ تأسيسها سواء، ولكن تفضيلى ربما يعود إلى أن ترامب أظهر الوجه القبيح الحقيقى لأمريكا، فهو لا يكف عن نشر فضائحه، وفضائح من سبقوه، هو لا يتجمل بل يجاهر برؤيته الدونية لنا كعرب ومسلمين والمنطقة لا تعدو أن تكون عنده بنكا لتمويل الخزانة الأمريكية، كما أنه لا يتجمل وهو يعلن انحيازه اللامحدود لحق إسرائيل فى الوجود، الرجل صريح صراحة فجة: يسبنا فى العلن كما يسبنا فى المكاتب المغلقة، بعكس غيره من الرؤساء الأمريكيين الذين تتناقض أقوالهم مع أفعالهم تجاه قضايا الشرق الأوسط. الموبايل والقطاع! استوقفنى خبر نجاح أطباء الجراحة فى جامعة المنوفية فى استخراج موبايل من معدة مريض بعد أن ابتلعه منذ أربعة شهور ولم يبلغ أحدًا إلا بعد أن أصبحت حياته على المحك! ونقله أهله الى الطوارئ وحياته على المحك، ولم يتحدث بما جرى إلا بعد ما فضحته الأشعة السينية، وقتها تذكر أهله أنهم كانوا يسمعون جرس التليفون ولا يعرفون من أين يأتى الصوت، فلم يدر بخلد أحدهم أنه يرن فى بطن أحدهم!.. ولكن كيف أقدم هذا الرجل على ابتلاع المحمول؟ وكيف فكر فى الأمر؟ وأنا مستغرق فى الأمر تذكرت إسرائيل الغاشمة التى ابتلعت قطاع غزة جهارًا نهارًا على مرأى ومسمع من العالم المتحضر على مدار العام تقريبًا، ولكنها تشكو من آلام ابتلاعه ومحاولة هضمه بمساعدة أمريكا، وبرعاية الغرب الذى يصدعنا ليل نهار بحقوق الشواذ، تشكو إسرائيل وتتألم لأن القطاع وأهله تحولوا إلى أشواك فى معدتها، العيب ليس فى الإسرائيليين، ولكن فى الغزاويين الذين أزعجوا إسرائيل ونغصوا عليها وأفسدوا عليها شهيتها وأبوا أن يكونوا لقمة سائغة.