تنهي الحياة الوظيفية بحلول ال 60، البعض يتوقف عن العمل، والبعض الآخر يراها بداية جديدة للبحث عن الإلهام والتفرغ للهواية وفعل ما يحب والإبداع فيه، أحد هؤلاء المبدعين محمد دياب الذي قضى ثلثي عمره في البحر سائق لنشات بحرية، تعلم فيها ما يدركه العجوز من البحر وفهم حكمة الحياة. يقول محمد دياب: إنه بدأ العمل على اللنشات البحرية مساعداً عام 1984، كان ابن 20 عامًا، أحب الحياة في البحر، وتعلم سريعاً حتى أصبح قائد لنش بحري، تنقل بين العائمات المختلفة من لنشات الخدمات البحرية وإمداد السفن ونقل البضائع الصغيرة، ولنشات التاكسي واللنشات واليخوت السياحية، قطع خلالها مسافات كبيرة من خليج السويس شمالاً إلى برنيس جنوباً، ومن الغردقة إلى شرم الشيخ والعودة إلى السويس. أحب دياب البحر وعرف العائمات البحرية بأشكالها المختلفة، كانت هي التكوين الأساسي للمشهد أمام عينيه طوال 40 عاماً ، حفظ أشكالها ويدرك أهمية كل قطعة فيها، ظلت في ذاكرته يحفظها، وحين تقاعد وترك البحر، عاد بصورتها إلى بيته، يجلس في شرفة منزله التي حولها إلى ورشة صغيرة، يحول تلك الصور في ذهنه إلى مجسماتٍ صغيرة، أشبه بماكيت كل قطعة تحاكي وظيفتها وكأنها مركب أو لنش حقيقي. يقول محمد دياب: إنه بدأ في صنع اللنشات وفُلك الصيد، بعد عدة محاولات نجح في صناعة أول مركب قبل عامين، مع حرصه على أن تكون طبق الأصل من المركب واللنش الحقيقي، يضع عليها الأنوار المستخدمة في إرشاد السفن والاستدلال على حركتها واتجاهها في المياه، لا سيما مصابيح السنجة والسقالة يمين ويسار السفينة، مع وضع شمعات رباط السفن والرفاص الذي يحرك السفينة، يمكنه صنع تفاصيل أكثر حسب ما يتطلب العمل. اقرأ أيضًا| تدشين 8 لنشات جديدة بقطاع محميات البحر الأحمر يُحكي أن أول قطعة في تلك المراكب واللنشات الصغيرة هي الهيراب، تكون بمثابة العصب أو العمود الفقرى لها، ثم يثبت عليها البدن يصنعها من ألواح خشبية لينة ثم يضع عليها أعمدة الشراع، إن كانت في شكل مركب صيد، أو الكابينة الأساسية عند تصنيع مجسم للنش، بعد ذلك تأخذ المركب شكلها أخيراً مع وضع خشب "الموجنا" وهو نفس الخشب المستخدم في تجليد المركب وكبائن القيادة من الداخل، يتميز بمقاومة المياه، ويمكن دهانه عدة مرات ليحافظ على لمعانه. يقول دياب: إن ما يميز القطع التي يصنعها هي قربها لشكل المراكب والعائمات الحقيقية، والسر وراء ذلك هو اتباع قاعدة أن الشكل يناسب الوظيفة، دون إضافة أي قطع لا قيمة لها إلا الديكور فقط، لذلك تكون القطع أشبه بالمراكب ولكن مجسمات مصغرة. يؤكد دياب البحار صاحب الخبرة، أنه لا يهدف إلى ربح مادي من هوايته التي احترفها وإنما يستمتع وهو يصنع تلك المجسمات، لذلك حين يطلب منه أحد صناعة مجسم لسفينة أو يخت لا يمكنه تقدير ثمنها، بل يطلب منه توفير الخامات المُستخدمة في التصنيع، دون أن يقدر قيمة مهارته، ثم بعد أسبوعين يقدم له قطعة راقية تضفي لمسة خاصة للمكان. ويتمني دياب أن يجد الدعم المعنوي من المجتمع المدني، وتوفير مكان ليعلم الصغار والشباب تلك المهارة، يقول: إنه حين ينقل خبرته لغيره ستزداد مهارته ويستفيد عندها يمكنه أن يحول ذلك المكان إلى ورشة للتعليم والصناعة وإنتاج تلك القطع التي يعاملها السياح في مصر على أنها تحف يشترونها بمبالغ كبيرة.