وسط زخم جماهيرى صاخب، انطلقت الدورة التاسعة والأربعون لمهرجان تورونتو السينمائى الدولى (5-15 سبتمبر 2024)، وقد تأكد تميزها واختلافها كما وعد الرئيس التنفيذى للمهرجان كاميرون بيلى، برنامج العروض فى الأقسام المختلفة والحلقات النقاشية وحشد النجوم ودعم الدولة للمهرجان، كلها عوامل اجتمعت من أجل دورة استثنائية تعيد للمهرجان الأهم فى أمريكا الشمالية بريقه. مظاهرة فى الافتتاح منذ ساعات الصباح الأولى ليوم الافتتاح، الخميس 5 سبتمبر، كان زحام الناس بوسط مدينة تورونتو حول أو قرب مركز المهرجان غير عادى، البعض تجمع عند السجادة الحمراء فى انتظار النجوم التى أعلن عن وصولها، والبعض الآخر فضل منطقة المطاعم الفاخرة مقر لقاءات النجوم عادة، وفى كل الأحوال كان المشهد مبهجا، حتى جاء موعد حفل الافتتاح ليفاجأ الحضور بعدد قليل يهتفون ضد إدارة المهرجان أثناء كلمة رئيسه التنفيذى: «بنك رويال أوف كندا يمول الإبادة الجماعية»، ويرفعون لافتات تندد بالبنك الذى يرتبط مع المهرجان بعقود شراكة قوية، وهو غير دعمه لإسرائيل، يعد الممول الرئيسى لتطوير الوقود الأحفورى فى العالم (يتسبب الوقود الأحفورى عند حرقه لتوليد الطاقة فى انبعاث غازات ضارة بالبيئة والإنسان وهو أكبر مساهم فى تغيير المناخ)، وقد وَقّع عدد كبير من الفنانين بيانا يدين البنك وعلاقته مع المهرجان ويصفها بجرائم غسيل فنى تهدد الإنسان والكوكب. مفاجأة رئيس الوزراء وفى مفاجأة غير معتادة، يصعد إلى المسرح رئيس وزراء كندا جاستن ترودو ليحيى رئيس المهرجان على جهوده ويشيد بالمهرجان: «شكرا على جلب العالم إلى كندا، بسبب المهرجان أصبحت كندا وجهة رئيسية لصناعة الأفلام» لتضج القاعة بالتصفيق. يحرص رئيس الوزراء والدولة على دعم المهرجان (ثلث ميزانيته منح حكومية).. كما تدعم الدولة هناك صناعة السينما، وبفضل هذه السياسة حققت الصناعة طفرة كبيرة خلال السنوات الماضية، وتساهم الآن فى الناتج المحلى لكندا بما يتجاوز 13 مليار دولار بينما يساهم قطاع الشاشة إجمالا بأكثر من 23 مليار دولار فى الاقتصاد الكندى. سينما المقاومة فى اليوم الأول للمهرجان بدأت عروض الأفلام الفلسطينية، تصحبها تظاهرات داخل قاعات العرض، فى التاسعة والنصف صباح يوم الافتتاح، تم عرض الفيلم الوثائقى الرائع «No Other Land «لا أرض أخرى» إنتاج فلسطينى نرويجى، وهو أحد أهم الأفلام التى تناولت أزمة الحياة فى ظل الاحتلال الإسرائيلى.. الفيلم يوثق عمليات الطرد والإبادة المستمرة والتصفية الممنهجة فى قرية المخرج باسل عدرا بجنوب الضفة الغربية، وما يتبع ذلك من عنف وأهوال، ويتابع الفيلم علاقة الصداقة الغريبة بينه وبين يوفال إبراهام صحفى إسرائيلى يدعم المقاومة، الفيلم شارك فى إخراجه وإنتاجه باسل عدرا ويوفال إبراهام مع حمدان بلال وراشيل سزور.. وقد تعرض لهجوم لاذع وقت عرضه فى مهرجان برلين 2024 بسبب موضوعية الفيلم والمشاهد الموثقة التى تدين ممارسات الكيان.. لكنه فاز بجائزة لجنة التحكيم وجائزة الجمهور أيضا. عصرًا وفى نفس القاعة، رفعت أعلام فلسطين مرة أخرى، مع عرض الفيلم الفلسطينى الروائى «To a Land Unknown» «إلى أرض مجهولة» لمهدى فليفل الذى يرصد معاناة اللاجئين الفلسطينيين، الذين يفرون من نار الاحتلال لتتحول حياتهم لجحيم بشكل آخر. وفى السادسة مساء عرض الفيلم الإسرائيلى الروائى الوحيد «Bliss» وهو فيلم خبيث عن حياة زوجين تأثرت علاقتهما الخاصة بأعراض الشيخوخة، غير معاناتهما لرعاية الابن ذى الشخصية الغريبة والحفيد المريض، فى ظل معاناة الحياة فى الشمال حيث هجمات حزب الله الصاروخية!! يقول المخرج إنه أنجز الفيلم قبل الحرب بين إسرائيل وحماس، هكذا يرى المخرج حرب الإبادة التى دخلت شهرها الحادى عشر، وكان له حظ كبير من الهجوم والسخرية. صباح السبت عرض فيلم فلسطينى ثالث هو «Happy «holidays لقبطى إسكندر، وهو فيلم يتتبع عائلة فلسطينية من خلال أربعة خطوط وعلاقات مرتبكة، المذهل فى الفيلم غير علاقة حب بين فلسطينى وإسرائيلية، هو التركيز على معاناة المرأة وافتقادها الحرية، ويبدو أن المخرج الفلسطينى لم يلحظ أن شعبه يفتقد أبسط حقوق الإنسان وتسليط الضوء على القضايا النسوية الآن يعد نوعا من السخف فى وطن لا يملك حريته.. واليوم الاثنين تكتمل الصورة بأفلام «من المسافة صفر» إخراج 22 مخرجا من غزة بإشراف رشيد مشهراوي، تروي الأفلام قصصا للواقع المؤلم بالقطاع. «المتدرب» يقتحم المهرجان! لم يتلق فيلم «The «Apprentice للمخرج الإيرانى على عباسى دعوة رسمية للعرض فى مهرجان تورونتو، لكنه فرض وجوده على المهرجان حين نظم منتجوه عرضًا خاصًا مساء الخميس بمسرح TIFF Lightbox، اقتصر على بعض السينمائيين والصحفيين، الفيلم يكشف رحلة صعود الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب وعلاقته بالمحامى الفاسد روى كوهن، والتحولات التى طرأت على شخصيته وأفكاره المتطرفة، وقد شهد مهرجان «كان» السابع والسبعون عرضه العالمى الأول، وأثار ضجة، ولقى هجوما حادا من ترامب ومؤيديه، لعب بطولته سيباستيان ستان وجيريمي سترونج وماريا باكالوفا، وهو إنتاج كندى إيرلندى دنماركى، وتم تصويره فى تورونتو بدلا من نيويورك.. وقد أثار عرض الفيلم جدلا كبيرا حول انتخابات الرئاسة الأمريكية، تحول لنقاش عالى الصوت حول مأساة المواطن الأمريكي الذى وضعه الظرف التاريخيّ أمام خيارين كلاهما مرّ، بعد عرض الفيلم الوثائقى المهم «The Last Republican الجمهورى الأخير» لستيف بينك صباح السبت، وهو عن آدم كينزينجر عضو الكونجرس الأمريكي السابق عن الحزب الجمهورى، الذى يوصف بعدو ترامب، بعدما استقال احتجاجاً على موقف الحزب من ترامب بعد تمرد السادس من يناير 2021 واقتحام مبنى الكابيتول من مثيرى الشغب بتحريض من ترامب.. وفى الفيلم يقول كينزنجر بحسرة إنه تصور أن الحزب سيطرد ترامب ويلفظه إلى الأبد وبشكل نهائي، لكنه حظي بالدعم بدلا من إدانته والتنديد بموقفه المشين، وشبه الحزب الجمهوري برجل مخمور، فلم يعد محافظا، لم يعد ولاؤه للمبادئ وإنما لرجل ولاؤه الوحيد هو نفسه.