الفن التشكيلى مجموعة متنوعة من الإبداعات البصرية التى تعكس ثقافات وحضارات الشعوب، ولكل مبدع تجربة تحمل بصمته الخاصة التى تترجمها أعماله.. بعد مسيرة عطاء أكثر من نصف قرن من الإبداع فى عالم الفن التشكيلى والرسم الصحفى وإخراج ورسم أغلفة الكتب والمجلات ورسوم الأطفال، رحل عن عالمنا الفنان التشكيلى القدير حلمى التونى عن عمر ناهز 90 عامًا. عرفناه من خلال إبداعاته وبصماته على أغلفة كتب ومجلات دار الهلال، بخطوط رشيقة حديثة جمعت بين أكثر من مدرسة فنية، فهو لا ينتمى إلى مدرسة بعينها، لكنه كان يمزج فى كثير من الأحيان بين الرسم التجريدى والسريالى والتعبيرى، وكان يعتبر نفسه تلميذًا للفن الشعبى.. خطوطه وألوانه لا تخطئها العين وتستطيع أن تميزها بمجرد رؤيتها من على بعد. شغوف بالفن الشعبى الفنان من مواليد 30 إبريل عام 1934 محافظة بنى سويف، تخرج فى كلية الفنون الجميلة عام 1958، وهو عضو بنقابتى الصحفيين والفنانين التشكيليين. عمل مشرفًا على المجلات ورسام جرافيكى فى دار الهلال، ورسم للعديد من دور النشر فى مصر والوطن العربى، وتميز فى رسوم كتب ومجلات الأطفال حيث زينت أعماله مجلات كثيرة مثل «سمير» و»العربى الصغير». كان شغوفًا بالفن الشعبى والعادات المتوارثة فى الحضر والريف، محبًا لهويته المصرية، وظهر ذلك فى أعماله المستوحاة من أشكال ورموز هذا الفن وأساطيره، وقد تصدرت بنت البلد بجمالها ورشاقتها وزيها الشعبى الفريد العديد من لوحاته، بخلاف الرموز التى كان يتخذها تيمة أساسية فى معظم أعماله مثل: السمكة، والهدهد، والبيضة، والمصباح، وزهرة اللوتس، والحصان، والنخلة، والشمعة. حواء الملهمة بخلاف غوص التونى فى أعماق تراثنا الشعبى بمفرداته، فقد كانت حواء هى ملهمته الأولى فى مجمل أعماله، رسمها وصورها بطريقته الخاصة.. بداية من الملكة نفرتيتى جميلة الجميلات ووصولا إلى بنت البلد، وقد أقام معرضًا عام 2009 يحمل اسم «نفرتارى وأخوتها»، ليعبر عن حبه لتلك الملكة بأسلوبه من خلال عدة لوحات اقتربت كثيرًا من الأعمال الجدارية التى رُسمت على جدران المعابد، لكن بلمسات التونى.. حيث البساطة والمسطحات اللونية الصريحة، والخطوط الحادة، والوحدات الزخرفية، والوجوه ذات العيون الواسعة التى تختلط ابتساماتها بأشجانها، وكأنها شاردة محملة بالهموم، ورغم ذلك فإن أعمال التونى تشعرك بالبهجة فى كثير من الأحيان بسبب اللون والحركة.. جسد حلمى البنت المصرية مرتبطة بعاداتنا المتوارثة.. رسمها جالسة خلف المشربية تنتظر عودة الحبيب الغائب، جسدها بالبرقع واليشمك كما رآها فى البيئة الشعبية، رسمها وهى تستعد ليلة عرسها فى أكثر من موضع، رسمها تعزف الموسيقى، رسمها وهى تقف بجوار حصان بجناحين على أمل أن يطير بها فى عالمها التى تنشده. مصر يامه يا سفينة كتب التونى عبارات وجُمل مصاحبة لأعماله ترتبط بالمعنى وتذكرنا بتراثنا، وكأنها مكتوبة على الحوائط، كتبها من خياله أو اقتبسها من أبيات زجلية قديمة، أو من كلمات الأغانى.. فقد كان عاشقًا للأغانى ويصف نفسه بالمغنى. كان يرسل رسالة من خلال أعماله مغزاها أننى أرسم متأثرًا بالعصور القديمة الجميلة، عصور المشربية والبرقع والطربوش والحارة المصرية، ووجوه النسوة والفتايات الجميلات اللاتى كانت تترجلن بالملاءة اللف كأنها ملكة متوجة.. ومن الكلمات التى صاحبت لوحاته التى كانت تتصدرها حواء: «يا مصر يامه يا سفينة.. مهما كان البحر عاتى، يزعكوا ع الريح يواتى»، «بيت العز يا بيتنا»، «اسأل مرة عليا»، «يا بتاع الرمان رمانك دبلان»، «تلات سلامات يا وحشنى تلات أيام». اهتم التونى بالإحساس والملمس والخطوط السوداء وتوظيف عنصرى الظل والنور لإظهار وتأكيد المعنى، وكان يترك لأنامله ووجدانه حرية التعبير دون قيود أو حصار، لذا خرجت أعماله معبرة عن اختلاط الحلم بالواقع، أعمال عصرية مستلهمة من الفن والتراث الشعبى.. رحم الله حلمى التونى.