برشلونة ورافينيا يحققان 5 أرقام قياسية في كسر عقدة بايرن ميونخ الأوروبية    صندوق النقد الدولي: الاقتصاد العالمي يبتعد عن مجموعة السبع ويتجه نحو "بريكس"    حزب الله يستهدف شركة صناعات عسكرية فى ضواحى تل أبيب    الأونروا: عام من الحرب أعاد غزة إلى أوائل الخمسينيات من القرن العشرين    ملف يلا كورة.. حكام السوبر المصري.. مران الأهلي الأخير.. واعتذار الزمالك    ضحية السوبر.. الحضري يكشف مفاجأة عن مستقبل كهربا مع الأهلي    تصل إلى 50 ألف دولار.. تعرف على قيمة جوائز مسابقة الأفلام الطويلة ب«الجونة السينمائي»    أزهري: ليس في الإسلام حد لشارب الخمر    وفاة و49 إصابة خطيرة.. اتهام ماكدونالدز أمريكا بتفشي مرض في الوجبات    فلسطين.. قصف على محيط مستشفى كمال عدوان في مخيم جباليا شمال غزة    ناصر القصبي يغازل فتاة روبوت في ثاني حلقات "Arabs Got Talent" (صور وفيديو)    إيران: ليس لدينا أي دوافع للتدخل في الانتخابات الأمريكية    ارتدوا الملابس الخريفية.. تحذير عاجل من الأرصاد بشأن طقس الأيام المقبلة    زيلينسكي يشكر دول مجموعة السبع على المساعدات العسكرية الأخيرة    «اتصالات النواب» توضح حقيقة رفع أسعار خدمات الإنترنت    تسلا تسجل أرباحا مفاجئة خلال الربع الثالث    الذكرى ال57 للقوات البحرية| الفريق أشرف عطوة: نسعى دائما لتطوير منظومة التسليح العسكري    محمد عبدالله: دوافع الزمالك أكبر للفوز بالسوبر المصري    أكروباتية خرافية من هالاند.. سيتي يقسو على سبارتا براج بخماسية في دوري أبطال أوروبا    النصر الليبي يعلن مواجهة الزمالك في مهرجان اعتزال أسطورته    مدرب برشلونة يتغنى بهاتريك رافينيا أمام بايرن ميونخ ويوجه رسالة نارية ل ريال مدريد    حزب مستقبل وطن بالأقصر ينظم قافلة للكشف عن أمراض السكر بمنطقة الكرنك    حريق هائل يدمر شقة المطرب نادر أبو الليف بحدائق الأهرام    انقلاب مروع على طريق "القاهرة-الفيوم" يودي بحياة شخصين ويصيب 7 آخرين    «الأمن الاقتصادى»: ضبط 7787 قضية سرقة كهرباء ومخالفة شروط التعاقد خلال 24 ساعة    «شكرا أخي الرئيس».. كل الأجيال لن تنسى فضله    منها إجبارهم على شرب مياه ملوّثة .. انتهاكات جديدة بحق المعتقلين بسجن برج العرب    نشرة التوك شو| موعد المراجعة الرابعة لصندوق النقد الدولي.. وحقيقة رفع أسعار خدمات الإنترنت    الأزهر للفتوى يهدي طلاب جامعة عين شمس منحة لتلقي برنامج تأهيل المقبلين على الزواج (ًصور)    خمول وتعب في الصحة العامة.. توقعات برج الدلو اليوم الخميس 24 أكتوبر    محافظ الإسماعيلية ورئيس هيئة قناة السويس يشهدان احتفالية ذكرى انتصارات أكتوبر    قصة عجيبة.. سيدة تدعو على أولادها فماتوا.. والإفتاء تحذر الأمهات من ساعة الإجابة    ما هي بدائل الشبكة الذهب؟.. الإفتاء توضح للمقبلين على الزواج    أذكار النوم: راحة البال والطمأنينة الروحية قبل الاستغراق في النوم    قصف جوي أمريكي بريطاني يستهدف مواقع للحوثيين في مطار الحديدة    السكة الحديد تنظم ندوة توعية للعاملين عن مخاطر تعاطي المخدرات    برلماني: الحوادث في مصر 10 أضعاف المعدل العالمي    إطلاق المرحلة الأولى لمبادرة «تشجير المدارس»    مفاجأة بشأن موعد محاكمة ثلاثي الزمالك في الإمارات    الأكاديمية الطبية العسكرية تنظّم المؤتمر السنوى ل«الطب النفسي»    «جذع نخلة وماسورة مياه» وسيلة الوصول لمدارس 3 عزب بأسيوط    محافظ بورسعيد: نعمل سويًا مع الجامعة لرفع كفاءة الملاعب وتطويرها    مشاكل تتعلق بالثقة بالنفس.. توقعات برج الجدي اليوم 24 أكتوبر    حظك اليوم| برج القوس الخميس 24 أكتوبر.. «وقت للتحول الإيجابي»    حظك اليوم| برج العقرب الخميس 24 أكتوبر.. «تعامل مع الخلافات بسلوك هادئ»    «آركين».. «كل نهاية بداية جديدة»    عاجل - "أفضل خيار لشراء سيارة سيدان أوتوماتيك لعام 2024 بسعر 250 ألف"    بيان عاجل من هيئة السياحة حول تأشيرة الترانزيت للسعودية: ما الحقيقة؟    خبير اقتصادي: الهدف من مراجعة صندوق النقد تقليل وتيرة ارتفاع الأسعار    تهنئة بقدوم شهر جمادى الأولى 1446: فرصة للتوبة والدعاء والبركة    جامعة الأزهر تكشف حقيقة شكاوى الطلاب من الوجبات الغذائية    سعر الذهب اليوم الخميس في مصر يواصل الارتفاع.. عيار 21 يحطم الأرقام القياسية (تفاصيل)    «المصريين الأحرار»: لا يوجد نظام انتخابي مثالي.. والقوائم تتجنب جولات الإعادة    للمرة الثانية.. حزب الله يستهدف قوات الاحتلال في محيط «عيترون» بجنوب لبنان بقذائف المدفعية    حصاد 83 يوما .. حملة «100 يوم صحة» قدمت أكثر من 131 مليون خدمة طبية مجانية    وزير الصحة يبحث دعم خدمات الصحة الإنجابية مع إحدى الشركات الرائدة عالميا    لتغيبه عن العمل.. محافظ البحيرة تقرر إقالة مدير الوحدة الصحية بقرية ديبونو    محافظ المنيا: تقديم خدمات طبية ل 1168 مواطناً خلال قافلة بسمالوط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما الفرق بين الحكم والفتوي؟
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 05 - 09 - 2024

الحكم الشرعي والفتوى هما مصطلحان أساسيان في الفقه الإسلامي، لكن لكل منهما خصائصه واستخداماته، والفتوى عبارة عن إنزال وتطبيق الأحكام على الوقائع والأحوال والحوادث المتجددة ولهذا فإنها تختلف باختلاف الجهات الأربع: الزمان والمكان والأحوال والأشخاص.
في هذا التقرير، تستعرض بوابة أخبار اخبار اليوم الفرق بين الحكم والفتوي:
الحكم الشرعي
خلق الله تعالى الخلق لعبادته، والحكيمُ لا يكلف أحدًا بأداء شيء إلا إذا عرَّفه بهذا الشيء، وعلَّمه كيفية أدائه، فاقتضت حكمة الله -سبحانه وتعالى- أن يبعث الرسل إلى الناس كافة؛ ليبلغوهم ما أمرهم به ربهم من توحيده وعبادته، ويعلموهم كيفية العبادات، من هنا جاءت الأحكام الشرعية التي تبين مراد الله تعالى من خلقه على لسان أنبيائه ورسله.
إذًا فالحكم الشرعي باختصار هو: مراد الحق من الخلق.
ولو سار الإنسان على مراد ربه منه في كل حركة من حركاته في الحياة، فإنه ينال السعادة في الدنيا والآخرة. أما لو أهمل العبد في معرفة مراد ربه، فإنه يصير عبدًا لخبيثَين لا يطيعُهما إلا مِسكينٌ هالك، هما: الشيطان والهوى. من هنا ندرك أهمية معرفة العبد أحكام الله -سبحانه وتعالى-، والتي تتوقف عليها سعادته في الدنيا ونجاته في الآخرة.
أنواع الأحكام الشرعية
لما تأمل العلماء في الأحكام الشرعية ، وجدوها على ثلاثة أنواع، هي: الأحكام الشرعية العقائدية أو (العِلْمية)، ثم الوجدانية أو (الأخلاقية)، ثم الأحكام الشرعية العملية. وبيانها فيما يلي:
أولا- الأحكام الشرعية العقائدية
هي الأحكام الشرعية التي تتعلق بالاعتقادات القلبية التي يصدّق بها القلب على سبيل اليقين والقطع دون شك أو تردُّد. ولما تأمل العلماء في هذه الأحكام العقائدية وجدوها أيضا على ثلاثة أقسام: إما أن تتعلق بالإلهيات، وإما أن تتعلق بالنبوات، وإما أن تتعلق بالسمعيات.
فالإلهيات: ما يجب أن يعتقده المسلم فيما يتصل بذات الله تعالى وأسمائه وصفاته وأفعاله: من الواجبات والجائزات والمستحيلات، كوجوب اتصافه -سبحانه وتعالى- بكل كمال، واستحالة اتصافه -سبحانه وتعالى- بكل نقص، وجواز خلق زيد من الناس وعدم خلقه.
والنبوات: ما يجب أن يعتقده المسلم في حق الأنبياء -عليهم السلام- من الواجبات والجائزات والمستحيلات؛ كوجوب اتصافهم بالصدق والأمانة، واستحالة صدور الكذب والخيانة، وجواز أكلهم وشربهم، وغير ذلك مما لا يقدر البشر على الحياة بدونه.
والسمعيات: هي الأمور الغيبية التي لا يستطيع الإنسان أن يدركها إلا عن طريق الخبر الصادق من النبي المعصوم -صلى الله عليه وسلم-، كأخبار الجنة ونعيمها، والنار وجحيمها، ونعيم القبر وعذابه، وأخبار المحشر والمنشر والصراط والميزان، وغير ذلك من الأمور الغيبية التي يصدِّق بها المسلم بناء على الخبر الصادق.
وهذه الأحكام يتكلم عنها علماء العقيدة في كتب علم العقيده
ثانيًا- الأحكام الشرعية الوجدانية
الإنسان بدن وقلب، والقلب هو محل نظر الله تعالى، والله تعالى يحب إذا نظر إلى قلب عبده أن يرى فيه كل جميل صحيح، وألا يرى فيه أي فاسد قبيح، وقد جاء الشرع ببيان النوعين؛ فبين الأخلاق القلبية الصحيحة التي يُطلب من المسلم أن يتحلى بها، كمحبة الله تعالى ورسله والمؤمنين، والتوكل على الله تعالى، والرحمة بعباده، والتواضع... الخ، وأمر المسلم بالتحلي بها، وهذه هي الفضائل. كما بيَّن الشرعُ الأخلاق القلبية القبيحة التي يُنهَى المسلم عن التخلق بها، كالحسد، والكبر، وغير ذلك، وهذه هي الرذائل.
وكل خلق من أخلاق القلب له ثمرة من جنسه تظهر على العبد في تعامله مع غيره، فإن كان الخلق القلبي صحيحًا كانت ثمرته طيبة، وإن كان الخلق القلبي قبيحًا كانت ثمرته خبيثة، فالرحمة تدفع العبد إلى الإحسان ومراعاة مشاعر الناس عند التعامل، واستقرار الكبر في القلب يؤدي بالمتكبر إلى احتقار الآخرين، فيجعل صاحبه مبغوضًا من الناس. ولهذا قدم القرآن تزكية القلب على العلم حين قال: ﴿وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ﴾.
ولكل واحد من هذه الأخلاق أحكام شرعية يتكلم عنها علماء التصوف في كتب التصوف والأخلاق.
ثالثا- الأحكام الشرعية العملية
وهي الأحكام الشرعية لأفعال المكلفين التي تتعلق بكيفيات العبادات، كالصلاة والزكاة، والتي تتعلق بحركة الإنسان في الحياة -على اختلاف صورها النافعة والضارة- من: صناعة وتجارة ونكاح وطلاق وأداء لحقوق الآخرين أو عدوان عليها... إلخ، وما يتعلق بهذه الحركات النافعة والضارة من آثار وحقوق والتزامات. وعند الإطلاق فإن كلمة "الحكم الشرعي" تنصرف على الحكم العملي، دون القلبي أو الاعتقادي.
ولمعرفة الأحكام الشرعية العملية أسس الفقهاء علم الفقه، وفصّلوا فيه الحديث عن هذه الأحكام وما يتعلق بها من الأركان والشروط والأوصاف والقواعد والضوابط.
هذا، والاتصال قوي بين الأقسام الثلاثة للحكم الشرعي؛ لأن شخصية الإنسان تتشكل من الأقسام الثلاثة، والفصل بينها إنما هو في التعليم والدراسة لتسهيل المعرفة بأنواع الأحكام الشرعية. فما من كتاب من كتب الفقه إلا وهو يتطرق للحديث عن بعض أمور العقائد وبعض الفضائل والرذائل، لكنه يتكلم عنها استطرادًا، تاركًا التفصيل لكتب العقيدة والتصوف. وكلها وبمجموعها يتحقق منها مقصد الشارع الأسمى من الخلق والحياة؛ وهو: التوحيد، والعبادة، والعمران.
علاقة الحكم الشرعي بالفتوى
هذا، والفتوى تستهدف أساسًا بيان القسم الثالث من أقسام الحكم الشرعي، وهي الأحكام الشرعية العملية ، غير أن هذا لا يمنع المفتي من أن يتطرق لبيان بعض الأحكام الشرعية العقدية، أو بعض الأحكام الشرعية الوجدانية، إذا ما دعته الحاجة إلى ذلك.
ولهذا نرى في كثير من كتب الفتاوى أن مصنف الكتاب يبتدئ بفتاوى العقيدة قبل فتاوى الفقه، وربما تطرق في بعض الفتاوى إلى بيان بعض الأحكام المتعلقة بالأخلاق والتصوف، ومن أمثلة ذلك: ما نراه في كتاب: "فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك"، للشيخ عليش من أئمة المالكية المتأخرين.
الفتوي
الإفتاء هو الإخبار بحكم شرعي في واقعة معينة عن دليل لمن سأل عنه، فالمفتي قائم في الأمة مقام النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء كما يدل عليه الحديث الشريف، قال الإمام النووي: «اعلم أن الإفتاء عظيم الخطر، كبير الموقع، كثير الفضل؛ لأن المفتي وارث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وقائم بفرض الكفاية، لكنه معرض للخطأ، ولهذا قالوا: المفتي موقع عن الله تعالى».
والفتوى عبارة عن إنزال وتطبيق الأحكام على الوقائع والأحوال والحوادث المتجددة ولهذا فإنها تختلف باختلاف الجهات الأربع: الزمان والمكان والأحوال والأشخاص.
وصناعة الفتوى تمر بمراحل أربع، وهي: مرحلة التصوير وفيها يتم تصوير المسألة أو الواقعة، ومرحلة التكييف وفيها يتم إلحاق الصورة أو الواقعة محل النظر بما يناسبها من أبواب الفقه ومسائله، ومرحلة بيان الحكم المأخوذ من الأدلة الشرعية، ثم مرحلة الإفتاء أو تنزيل الحكم على الواقع.
وإذا كان الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسب من أدلتها التفصيلية فإن الفتوى بمثابة ربط للحوادث والوقائع المتجددة بالفقه المجرد؛ ولذا اهتم الفقهاء بتدوين الفتاوى أو النوازل أو الواقعات وكلها تسميات للحوادث المتجددة التي يفتي فيها فقيه معين أو فقهاء مذهب أو مكان معين، وكانت هذه الفتاوى تشتمل على استنباط الأحكام ممن هم أهل لذلك من مجتهدي المذاهب، أو من أهل التخريج، وأصحاب الوجوه، أو تشتمل على ترجيح قول على آخر ممن هم أهل للترجيح، فكانت تجمع إلى الاجتهاد فى التطبيق اجتهادا أو تخريجا أو ترجيحا، وإن اقتصر الأمر في فتاوى المتأخرين على تطبيق الأحكام في الحوادث، إلا أنها لم تخل في الواقع من الأخذ بما تقتضيه أقوال الفقهاء وما تدل عليه عبارات المؤلفات المعتبرة.
وقد عد المصنفون في أنواع العلوم علم الفتاوى ضمن فروع علم الفقه ، وعرفه في أبجد العلوم نقلا عن مدينة العلوم بأنه: «علم تروى فيه الأحكام الصادرة عن الفقهاء في الواقعات الجزئية ليسهل الأمر على القاصرين من بعدهم»، ولما لكتب الفتاوى من أهمية فقد اعتبرها فقهاء الأحناف من كتب نقل المذهب وإن جعلوها في الطبقة الثالثة، فقد قسمت مسائل الحنفية إلى ثلاث طبقات: الأولى مسائل الأصول أو ظاهر الرواية، والثانية: مسائل النوادر، والثالثة: الفتاوى والواقعات. قال في رد المحتار: «وهي: مسائل استنبطها المجتهدون المتأخرون، لما سئلوا عنها ولم يجدوا فيها رواية... إلخ».
وقد ألف الفقهاء في مختلف المذاهب، والأمصار والأعصار، كتب الفتاوى ما بين كبير وصغير ومتوسط، ورتبوها غالبا على أبواب الفقه، وكثر التصنيف في ذلك حتى قال في أبجد العلوم نقلا عن مدينة العلوم أيضا: «والكتب المصنفة في هذا العلم أكثر من أن تحصى فلا مطمع لاستقصاء ما فيها وأشهر من أن تخفى فلا حاجة إلى التعرض لها. انتهى».
الإفتاءُ بين اللغة والشرع
أ- معاني الإفتاء ومشتقاته في اللغة
- الإفتاء لغةً: مصدر بمعنى: الإبانة عن الأمر، ورفع الإشكال عنه. يقال: أَفْتَى الرجلُ في المسأَلة واسْتفتيته فيها فأَفتاني إفتاءً. ويقال: أفتيت فلانًا رؤيا رآها: إذا عبرتها له([1])، ومنه قوله تعالى حاكيًا: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ﴾([2]).
- والفتوى: ما أفتى به الفقيه، والجمع: الفتاوَى والفتاوِي، يقال: أفتيته فتوى وفُتيا، إذا أجبته عن مسألته. والفتوى بفتح الفاء اتفاقًا، وأجاز بعض أهل اللغة فيها (الفُتوى) بضم الفاء. والفتح لغةُ أهل المدينة، وهو الجاري على القياس.
- والفُتيا: تبيين المشكل من الأحكام. وهي اسم مصدر من الإفتاء.
- والتفاتي: التخاصم. وتفاتَوا إلى فلان: تحاكموا إليه، وارتفعوا إليه في الفتيا.
- والاستفتاء: طلب الجواب عن الأمر المشكل، يقال: استفتيته فأفتاني، أي: سألته أن يفتيَني (المصباح المنير مادة: ف ت ي)، ومنه قوله تعالى : ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾([3]). وقد يكون الاستفتاء بمعنى: مجرد السؤال، ومنه قوله تعالى: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا﴾([4])، قال المفسرون : أي: اسألهم([5]).
- والمفتي في اللغة: اسم فاعل أفتى، فهو المجيب عن سؤال المستفتي.
- والمستفتي: اسم فاعل استفتى، فهو السائل الذي يسأل المفتي عما أشكل عليه.
وأصلُ مادة الإفتاء ومشتقاته من (الفَتَى): وهو الشاب الحدث الذي شَبَّ وقَوِي، فكأَن المفتيَ يُقَوّي ما أشكل؛ ببيانه للمستفتي.
ب – الإفتاء ومشتقاته في القرآن الكريم
ورد ذكر الفتوى ومشتقاتها في القرآن الكريم في تسع آيات كريمات، كلها تحمل معنى السؤال عمَّا أشكل من سائر الأمور الدينية والدنيوية، وهذه الآيات هي:
اثنتان في سورة النساء بمعنى: الاستفتاء في أمور الدين، هما: قوله تعالى: ﴿وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ﴾([7])، وقوله تعالى: ﴿يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ﴾([8]).
وثلاث في سورة يوسف بمعنى: تفسير الرؤيا، هن: قوله تعالى: ﴿قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ﴾([9])، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ﴾([10])، وقوله تعالى: ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ﴾([11]).
وواحدة في سورة الكهف بمعنى (مطلق) السؤال، وهي قوله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾ ([12]) وهي هنا في حالة النهي بمعنى: لا تسأل. وفي ذلك يقول الإمام البيضاوي:﴿وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾: (أي): ولا تسأل أحدًا منهم عن قصتهم سؤال مسترشد، فإن فيما أوحي إليك لمندوحة عن غيره، مع أنه لا علم لهم بها، ولا سؤال متعنت تريد تفضيح المسؤول عنه وتزييف ما عنده، فإنه مُخِلٌّ بمكارم الأخلاق"([13]).
وآية في سورة النمل بمعنى طلب النصح والمشورة، وهي قول الله تعالى على لسان بلقيس: ﴿قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي﴾([14]).
والآيتان الأُخريان في سورة الصافات بمعنى: السؤال المتعنت المطلوب من خلاله تفضيح المسؤول عنه وتزييف ما عنده؛ لأن الأمر هنا يتصل بموقف التحدي الذي وقفه الكفار من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وهما: قوله تعالى: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا﴾([15])، وقوله تعالى: ﴿فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ﴾([16]).
ج – الإفتاء ومشتقاته في الحديث الشريف
أما في الحديث الشريف فقد وردت كلمة "الفتوى" ومشتقاتها أكثر من ثمانِمئة مرة، نذكر منها:
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((الإثْمُ ما حَاكَ في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتَوك))([18]). أي: وإن جعلوا لك فيه رخصة وأجازوه.
وقال - صلى الله عليه وسلم-: ((من أُفْتِى بفُتيا غير ثَبْتٍ؛ فإنما إثمه على مَنْ أفتاه)). وفي رواية: ((على الذي أفتاه))، وفي رواية أخرى: ((من أُفتي بفتيا بغير علم كان إثم ذلك على الذي أفتاه))([19]). وهي هنا أيضًا بمعنى الرخصة أو الإجازة، فمن رخص لشخص أن يأتي عملا ما وهو غير متثبت من صحة الرخصة، فإن ارتكب المستفتي ذنبًا بموجب هذه الفتوى؛ فإن إثمه على المفتي.
ومن الأحاديث أيضًا ما روي من أن ((أربعة تَفَاتَوا إليه عليه السلام))، أي: تحاكموا إليه، وطلبوا منه الفتوى([20]).
ومنها أيضا قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء وملائكة الأرض)) ذكره ابن الجوزي في تعظيم الفتوى([21]).
ومنها قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من صدور الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، فإذا لم يبقَ عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا))([22]).
د - الإفتاء ومشتقاته في الاصطلاح
- تتقارب المعاني الاصطلاحية للإفتاء ومشتقاته مع المعاني اللغوية المتقدمة.
- فالإفتاء في الاصطلاح: الإخبار عن حكم شرعي، لا على وجه الإلزام. "مواهب الجليل (1/32)".
- وفائدة القيد الأخير (لا على وجه الإلزام) تمييز الإفتاء عن القضاء؛ لأن أظهر الفروق بينهما: أن فتوى المفتي غير ملزمة للمستفتي، بخلاف قضاء القاضي فهو ملزم للمحكوم عليه، وسيأتي المزيد من وجوه الافتراق بين الإفتاء والقضاء في الموضع المعد لذلك.
- والفتوى في الاصطلاح عرفها ميارة بأنها: الإخبار بالحكم الشرعي من غير إلزام. "الإتقان والإحكام 1/ 8" وهو نفس تعريف الإفتاء السابق مع تغيير يسير في بعض الألفاظ.
- وعرفها البهوتي بأنها: تبيين الحكم الشرعي لمن سأل عنه. "شرح منتهى الإرادات"، وهو قريب من التعريف السابق، غير أنه أهمل القيد الأخير. ولعله أهمله لأنه لا حاجة إليه؛ لأن القضاء لم يدخل في جنس الإفتاء أصلا حتى يحتاج إلى إخراجه بهذا القيد؛ لأن جنس الإفتاء هو الإخبار بالحكم أو التبيين، والقضاء إنشاء للحكم وليس إخبارًا به. "مواهب الجليل 1/32".
- فالخلاصة: أن معنى الفتوى والفتيا في الاصطلاح: إخبار المفتي بالحكم الشرعي للواقعة المسؤول عنها. وهو لا يختلف عن معنى الإفتاء.
ومن تعريف الإفتاء والفتوى نعلم أن:
-المفتي هو المخبر بالحكم الشرعي للواقعة المسؤول عنها. وفي المعجم الوجيز: "المُفْتِي: فقيهٌ تُعَيِّنه الدولةُ ليُجيبَ عمَّا يُشكل من المسائل الشرعية. والجمع: مُفْتُونَ. ودار الإفتاء، ودار الفتوى: مكان المفتي"([23]).
- والمستفتي هو: السائل عن الحكم الشرعي للواقعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.