«الأرقام الصادمة كانت كفيلة بإيقاظنا من الحلم الجميل، الذى أصبح كابوساً ثقيلاً... ولا مصرى يملك رفاهية العفو والنسيان»... الفوز يبقى النكهة المفضلة، لأنها ذات المذاق الأجمل فى أى رياضة. لاشرف المحاولة ، ولا التمثيل المشرف يعوضان الخسارة فى الملاعب، ولا يمكن أن تطالب المشجع المترقب لنصر فريق بلاده بأن يقنع بفكرة أخرى مهما كانت وجاهتها. وعندما يرتفع سقف الطموحات ، فإن النتائج المتواضعة تولد غضباً عارماً، وأى حديث يتم تغليفه بكلمات حمالة أوجه ، أو صبغته بمسحة رومانسية ، يفقد تأثيره مع صدمة الأرقام ، التى تحمل الحقائق عارية،تترجم ماحدث بدقة بالغة. مثل كل المصريين تعلقت ب«حبال الأمل» وبعثتنا الأوليميبة تتوجه لباريس كأكبر بعثة فى تاريخ مشاركتنا، لكن تبين لنا أن ما أحاط بنا من وعود، كان مجرد خيوط واهية، تحولت مع توالى النتائج الى شرنقة ل «الألم» والوجع، لا تستدعى إلا الشجن! الأرقام الصادمة كانت كفيلة بإيقاظنا من الحلم الجميل، الذى أصبح كابوساً ثقيلاً. مردود عكسى 164 لاعباً يمثلون 22 رياضة تم رصد أكثر من مليار جنيه لهم استعداداً للحدث الرياضى الذى لا يتكرر سوى كل 4 سنوات، لكن عدد اللاعبين لم يشفع، والميزانية التى تضاعفت قياساً على أولمبيادطوكيو حملت مردوداً عكسياً محبطاً! ربما حملت العبارة السابقة قفزاً على الزمن، إذا مددت خطاً بين المقدمة والنتيجة، غير ان الامر فى بدايته لم يكن على هذا النحو مطلقاً، ففى البدء قلت لنفسى «لعل وعسى» أن تكون الوعود المبشرة مستندة الى حقائق، تثمر نتائج ينتظرها كل مصرى على أحر من الجمر، لكن ما حدث أننا فى النهاية لم نجد سوى الجمر يلسعنا بقسوة، وليزداد وقع الصدمة على وقع تصريحات مستفزة ممن يجب أن يتوارو اللابد، تطالبنا بأن نصدق أن ما حدث يجب اعتباره إنجازاً أو علينا أن نسامح ونعفو، ونعذر ننسى! كيف؟ ولماذا؟ سؤالان لم يتطوع هؤلاء بالإفصاح عن اجابتهما السحرية! ديل السمكة! بأى معيار نثمن ما حدث إنجازاً؟ كيف لمن شعر بالألم والوجع أن يسامح ويعذر؟ أمام الأرقام المفزعة المهينة، لا مصرى يملك رفاهية العفو أو النسيان. من المسئول عن ال 6-صفر أمام المغرب؟ كيف نقبل اعتذار الواعدة «هناجودة» عن خروجها من الدور 64 فى تنس الطاولة؟ ثم حكاية لها العجب، للفارس بلا جواد، وكلاهما بلا بديل، إذ انسحب نائل نصار من المغامرة قبل ان تبدأ لاصابة حصانه المفاجئة، وضاعت اكثر من 20 مليون جنيه نفقات 10 مرافقين طاروا ليرعوا الحصان! اما الرقم 7 فتتعدد حكاياته ، بداية الملاكمة التى زاد وزنها 700 جرام فى سواد الليل، ومن لم تكشف حقيقة حملها فى السابع إلا فى باريس، وال 7 دقائق الفاصلة حين خسرنا أمام فرنسا فحُرمنا من المنافسة فى المباراة النهائية! كثرُ كان نصيبهم «ديل السمكة» ليس إلا، مثلما حدث مع المشاركين فى الجودو والتجديف، والجمباز! إنهم لم يهدروا الملايين فقط، وإنما الآمال الهائلة التى عقدها عليهم أكثر من مائة مليون! الذين رسموا الابتسامة ثلاثة من أبناء مصر، بالجهد والعرق والإصرار والعزيمة، كانوا بمثابة البلسم الذى يمسح الآلام التى سببتها الأرقام التى رشحت عن نتائج مفزعة، فى الالعاب الأخرى، ربما باستثناء للقدم واليد. مفخرة مصر أحمد الجندى الذى حقق رقماً أوليمبياً بل وعالمياً غير مسبوق فى الرباعى الحديث، حاز معه الذهبية بجدارة، ثم سارة سمير الرباعة الرائعة التى حازت الفضية، وكانت قريبة مما هو أكثر وأخيراً محمد السيد صاحب برونزية السلاح. ثلاثتهم قفزوا بمصر الى المركز ال50 صعوداً من المرتبة 75، فالمصريون يستحقون أن ترتسم على شفاههم ابتسامة ولو مبتسرة! التوقعات المتواضعة كانت تنتظر 7 ميداليات لمصر، والتنبؤات المتفائلة كانت تلامس ال 11 « ميدالية» لكن الواقع حملنا إلى ما هو أقل من نصف ما كنا نحسبه متواضعاً! أظن، وهنا الظن ليس إثماً أن بناء التوقعات والتنبؤات أصبح علماً ، يتجاوز مفهوم التخمين وربما كان الذين تفاءلوا بأكثر مما يحتمل الواقع، وتبنوا دعوة للتفاؤل على غير أساس! وهنا مربط الفرس لكنه ليس كذلك الذى خذلنا فى باريس. أعنى أننا بحاجة إلى وقفة نمارس فيها النقد والنقد الذاتي، ثم المحاسبة الحاسمة الحازمة دون أى مجاملة أو غض طرف، وإلا فإن الاخطاء سوف تتكرر . لاوقت للتبرير لاوقت للتبرير، ولا داعى لحماية المخطئ، ومن غير المقبول تأجيل المراجعة الشاملة ليس فقط بالنسبة لنتائج الأوليمبياد، ولكن لكل ما حدث خلال سنوات الإعداد والاستعداد، وهل كانت حقاً مستثمرة على النحو الأمثل أم شابتها المظهرية والشكلية، والبيروقراطية، والنمطية،و.... وكل ماشأنه أن يقودنا إلى النتائج الكارثية التى وقعنا فى حفرتها السحيقة!! غير أن ثمة سؤالاً ضرورياً يجب طرحه ، والإجابة عنه دون مواربة، أو تغليفه بالسوليفان: هل من اخطأوا يملكون شجاعة ممارسة النقد الذاتى؟ المرجح طبقاً للسوابق والشواهد، أن الإجابة سلبية ، من ثم فمن الصعب أن تطالب أحداً بما لا يقدر عليه، أو من هو غير مهيأ له. ما البديل؟ عاجلاً، لابد أن يكون هناك تحقيقات شفافة مع الاتحادات الرياضية، ثم معالجة سريعة لأسباب الإخفاق، كيفياً ونوعياً، وليس شكلياً ومرحلياً فحسب. تالياً، لابد من مطالبة واسعة باستقالة كل متسبب فيما حدث،فى ضوء ماسوف تسفر عنه التحقيقات، وإن كان المرء يتمنى أن يرى مبادرات شجاعة من مجالس إدارات، أو على الأقل بعض أعضائها بالاستقالة الخطوة الأهم ، إعادة النظر فى الفلسفة والمفاهيم الحاكمة للرياضة المصرية، وما يترتب على ذلك من تشييد بنية تشريعية وتنظيمية، مبرأة من العيوب والسلبيات التى صاحبت الأداء الرياضى عقوداً طويلة، وسوف تظل عقبة هائلة تقف فى طريق أى عملية تطوير علمى وحقيقي، تكفل لها الوصول للعالمية حقاً. لاتهدروا الوقت من الآن، وحتى إنجاز تلك المهام، لابد وهذا يتجاوز الاجتهاد الشخصى، وأحسبه جديراً بتبنى قطاعات عريضة داخل المؤسسات المعنية ، والإعلام المسئول، والرأى العام الواعي، من الآن فصاعداً، ولحين إعلان نتائج التحقيقات وإفساح المسرح لوجوه جديدة قادرة على الإنجاز الفعلي، يجب التحرك بسرعة تتناسب مع حجم المهمة، دون تسرع قد يفتح الباب لإعادة إنتاج أنماط، تشبه تلك التى تتحرك على المسرح ،أو تحرك الأحداث من وراء ستار. أطرح هذه الرؤية، وعينى ومعها عيون ملايين المصريين، على أوليمبياد أمريكا 2028 فليس لدينا ترف إهدار الوقت أو الجهد، وإلا فإن الزمن سوف يداهمنا، ويدفعنا باتجاه مأزق خطير ثم هناك مهمة أخرى لا تقل فى أهميتها، ولا فى تصويب العيون نحوها، وهى جاهزيتنا للتنافس على فوز مصر باستضافة أوليمبياد 2036، فقد آن لأفريقيا، ونحن فقط من يمثلها مع منافسين من القارات الأخرى، أن تشهد مصر هذا الحدث الذى طال الاشتياق لاحتضانه. وإذا حظيت مصر بهذا الشرف، وتلك الثقة، فمن غير المقبول ألا يسطع نجوم الرياضة فى مختلف الألعاب بسماء أوليمبياد 2036. بالتوازى مع الاستعداد الرياضى ، والإعداد التنظيمى فإن تجهيز المشاركين باسم مصر وعلى أرضها بإذن الله مهمة وطنية جديرة باهتمام استثنائي، وأظن أن 8 سنوات تضمن حداً معقولاً لإطلاق قاعدة . تقوم على أسسها نهضة رياضية، كفيلة بنقل مصر رياضياً الى المكانة التى تستحقها أحلم ، وأتمنى أن نقتسم هذا الحلم سوياً، لنصنع من الآلام آمالاً ، ومن قلب الأشجان إنجازاً يدفع فى قلوبنا الفرحة المستحقة منذ زمن بعيد.