حسن حافظ فى مواجهة أزمة شح المياه، وتوفيرا للاحتياجات المائية فى الزراعة، تبنت مصر تحت قيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، خطة عمل مكثفة للتوسع فى بناء محطات معالجة مياه الصرف من أجل استخدامها فى الزراعة، الأمر الذى نجح فى سد فجوة فى الاحتياجات المائية عبر توفير نحو 20 مليار متر مكعب من المياه المستخدمة فى الزراعة، خصوصا أن الدولة لجأت إلى سياسة بناء محطات معالجة ثلاثية عملاقة توفر المياه الصالحة للاستخدام فى زراعة المحاصيل المختلفة، وهى مشروعات وضعت اسم مصر على الخريطة العالمية كإحدى أكبر الدول فى إعادة استخدام مياه الصرف الزراعى بعد معالجتها. وضعت الحكومة مشروعات معالجة المياه نصب أعينها، فتحول الأمر إلى سباق محموم من أجل تحقيق إنجاز يصل إلى مرتبة الإعجاز فى هذا المجال الحيوى والاستراتيجية، فى إطار خطة تنمية الموارد المائية لمصر، فى ظل ثبات مصادر مواردنا المائية بالتوازى مع الزيادة السكانية الضخمة وما يستتبعه ذلك من زيادة مستمرة فى حجم الطلب على استهلاك المياه، ولأن مصر دولة زراعية بالأساس كان اللجوء إلى معالجة المياه أحد الأوراق الرئيسية فى ملف الإدارة الرشيدة للمياه، ومن هنا كان التوسع فى السنوات الأخيرة فى بناء محطات المعالجة. فى جميع المحافظات محطات المعالجة باتت منتشرة فى كل مكان تقريبا فى مصر، فلا تكاد محافظة تخلو من أكثر من محطة معالجة لمياه الصرف الصحي، وتركز الحكومة حاليا على بناء محطات معالجة ثلاثية، لا محطات المعالجة الثنائية، فالأخيرة تنتج مياهًا غير صالحة للاستخدام الزراعي، ولا يتم استخدام المياه المعالجة فيها إلا فى رى الأشجار الخشبية وأشجار الزينة، أما محطات المعالجة الثلاثية فتنتج مياهًا صالحة لرى المحاصيل الزراعية، ومن هنا كان توجه الحكومة إلى تحويل بعض محطات المعالجة الثنائية إلى محطات ثلاثية كما جرى فى محطة تزمنت ببنى سويف العام الماضي، بحسب ما يقول الدكتور عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة، فى حديثه لآخر ساعة. ويشرح شراقى، أهمية المحطات ثلاثية المعالجة، قائلا إنها تتضمن مرحلة أولى تسمى اما قبل المعالجةب، والتى تستخدم فيها المصافى العملاقة بإزالة العوالق كبيرة الحجم والأصغر حجما، ثم تبدأ المرحلة الثانية وهى المعروفة باسم االمعالجةب، والتى يتم فيها أعمال الترسيب الأولي، والتى يتم فيها إضافة مواد مساعدة لأعمال ضبط الأس الهيدروجيني، وترسيب المواد الصلبة العالقة فى الخزانات، مع العمل على تنقية المياه باستخدام مرشحات ثلاثية للوصول إلى معايير الرى الزراعي، أما المرحلة الثالثة فهى اما بعد المعالجةب، والتى تتضمن عملية تعقيم المياه، عبر حقن الأوزون أو الكلور، إذ يقضى الأوزون على جميع الطفيليات والبكتيريا وكل المواد العضوية الضارة، كما يساعد الكلور فى عمليات التطهير، بعدها تكون المياه صالحة تماما وبشكل آمن للاستخدام الزراعى. أرض الواقع ما يقوله شراقى له أدلة على أرض الواقع فهناك ثلاثة مشاريع جبارة فى ملف معالجة مياه الصرف الصحى تركز على المعالجة الثلاثية، وتم إنجازها فى السنوات القليلة الماضية، ورغم أنها لم تكن الوحيدة، إلا أنها كانت التعبير الأوضح عن التقدم المتحقق فى مجال معالجة مياه الصرف، ونقصد هنا محطات المحمسة وبحر البقر ومحطة الدلتا الجديدة بالحمام، ففى كل محطة من هذه المحطات نجد قصص نجاح وصلت إلى العالمية، وحفرت اسمها فى سجل المشروعات القومية الأساسية فى المرحلة الحالية، فهناك توجه حكومى على أعلى مستوى لتعظيم الاستفادة من إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي، عبر ثلاثة مشروعات أساسية توفر 4.8 مليار متر مكعب سنويا، وهى محطة بحر البقر بطاقة 5.6 مليون متر مكعب يوميا، ومحطة المحمسة بطاقة مليون متر مكعب يوميا، ثم نأتى إلى المحطة الأكبر والمتوقع دخولها فى الخدمة قريبا، وهى محطة الحمام بطاقة 7.5 مليون متر مكعب يوميا. بداية القصة كانت مع محطة المحمسة بسرابيوم شرق قناة السويس التى افتتحت العام 2020، التى كانت باكورة مشروعات كبرى فى مجال معالجة مياه الصرف الزراعي، ويتم نقل مياه الصرف إلى محطة المحمسة عبر مسار يمتد بطول 14.5 كيلو متر، وصولا إلى سحارة سرابيوم أسفل قناتى السويس القديمة والجديدة، وصولا إلى محطة المعالجة الواقعة شرق القناة، حيث تخضع مياه الصرف إلى معالجة ثلاثية بطاقة مليون متر مكعب يوميا، لذا لم يكن غريبا أن يحصد هذا المشروع العملاق والذى كان الأكبر فى العالم فى عام افتتاحه، على جائزة مشروع العام 2020، من قبل مجلة اEngineering News- Recordب الأمريكية المتخصصة، باعتباره مشروع العام الإنشائي، متفوقا بذلك على 30 مشروعا من 21 دولة. أكبر محطة نأتى إلى أكبر محطة معالجة مياه فى مصر والواقعة فى مصرف بحر البقر، والتى افتتحها الرئيس عبدالفتاح السيسى فى سبتمبر 2021، وتقع تحديدا على بعد 10 كيلو مترات جنوب أنفاق بورسعيد مع سيناء، وشمال مدينة القنطرة شرق، وتعد من أهم مشروعات برنامج تنمية شبه جزيرة سيناء وتعظيم مواردها الطبيعية، حيث تساهم فى استصلاح 459 ألف فدان من خلال إعادة تدوير وتشغيل مياه الصرف الزراعى والصناعى والصرف الصحي، والتى سيتم تحويلها من الضفة الغربية إلى الضفة الشرقية أسفل قناة السويس، وبعد المعالجة سيتم تصريفها فى قناة الشيخ جابر. وتبلغ الطاقة القصوى التصميمية لمحطة معالجة مياه مصرف بحر البقر إلى حد 5.6 مليون متر مكعب يوميا، إذ تضم المحطة أربع وحدات لمعالجة المياه، حيث تقدر الطاقة الاستيعابية لكل وحدة معالجة ب 1.4 مليون متر مكعب يوميا، وتشغل المحطة مساحة 155 فدانا بإجمالى 650 ألف متر مربع، وموقع المحطة فى الجانب الشرقى لقناة السويس، يتم نقل المياه من محطة السلام بالضفة الغربية إلى الضفة الشرقية حيث محطة بحر البقر عبر سحارتين أسفل قناة السويس، وحفرت محطة بحر البقر اسمها باعتبارها أكبر محطة معالجة صرف فى العالم، لكن لقب الأكبر يبدو أنه سينزع من محطة بحر البقر قريبا، إذ من المتوقع افتتاح محطة معالجة مياه الصرف الزراعى بمنطقة الحمام بالساحل الشمالى قريبا، لتصبح الأكبر من نوعها فى العالم، بطاقة إجمالية 7.5 مليون متر مكعب يوميا، لتتفوق بذلك على محطة بحر البقر وأى محطة معالجة أخرى فى العالم، وستشكل المحطة العملاقة حجر الأساس فى مشروع الدلتا الجديدة بمستهدف استصلاح 1.5 مليون فدان، فى إطار استراتيجية الدولة لتوسيع الرقعة الزراعية على مستوى الجمهورية، إذ تعد خطوة كبرى فى مجال تحقيق أهداف التنمية المستدامة ودعم الأمن الغذائى فى مصر. وسبق أن كشف الدكتور هانى سويلم، وزير الموارد المائية والري، فى أبريل الماضي، خلال اجتماع االلجنة الدائمة العليا للسياسات بالوزارةب، عن آخر ما وصل له مشروع محطة الحمام، إذ أشار إلى أن نسبة التنفيذ الحالية وصلت إلى 70 بالمئة، وأن المشروع يتكون من 12 محطة رفع ومسار ناقل بطول 174 كيلو مترا، عبارة عن مسار مكشوف بطول 92 كيلو مترا، ومسار مواسير بطول 22 كيلو مترا، بالإضافة لإعادة تأهيل مجار مائية قائمة بطول 60 كيلو مترا، كما تضم المحسمة 12 محطة رفع، و124 محطة رفع أساسية، و23 محطة رفع احتياطية و103 عمل صناعي. تعظيم الاستفادة وشجع الدكتور عباس شراقي، هذا التوجه الذى تمضى فيه الدولة لتعظيم الاستفادة من مياه الصرف الزراعي، قائلا: االاعتماد على مياه الصرف لم يعد رفاهية فى دولة مثل مصر تعانى من الشح المائي، وكل المبالغ المنفقة فى هذا الإطار سنجنى ثمارها بشكل فورى عبر زيادة الرقعة الزراعية، فما نستطيع قوله إن الدولة حققت إنجازا كبيرا فى هذا المجال، من خلال مشروعات مثل محطات المحمسة وبحر البقر والحمام، لأن التوسع فى عمليات معالجة مياه الصرف حل مشكلة كبيرة فى توفير المياه الصالحة للزراعة، فنحن نستخدم 21 مليار متر مكعب سنويا كمياه معالجة لسد الفجوة بين احتياجات مصر المائية ومواردها المائية، بل إننا نطالب بالمزيد من العمل وإنشاء المزيد من محطات المعالجة باعتبارها استثمارا ممتازا فى ظل محدودية موارد مصر المائيةب. انجاز كبير من جهته، قال الدكتور ضياء الدين القوصي، مستشار وزير الموارد المائية والرى الأسبق، إن مصر نجحت فى خلال سنوات قليلة فى تحقيق إنجاز فى ملف معالجة مياه الصرف وتعظيم حجم الاستفادة منها فى الرى الزراعي، لافتا إلى أن المشروعات المنفذة ومن ضمنها محطات بحر البقر والمحمسة فضلا عن محطة الحمام المفترض افتتاحها قريبا، جعلت مصر من الدول الرائدة فى مجال معالجة مياه الصرف إذ لا توجد دولة تعالج هذا القدر من المياه يوميا، وتابع: امصر الآن تضع قدمها بثبات كإحدى الدول الرائدة على مستوى العالم فى مجال ترشيد استهلاك المياه وإعادة الاستخدام الآمن لمياه الصرفب. اقرأ أيضا : الصحة: تغير المناخ يؤدي إلى تفاقم أزمة شح المياه عالميًا