يأتى برنامج الحكومة على قدر التحديات، فقد ألزمت الحكومة نفسها برئاسة الدكتور مصطفى مدبولى بالعديد من الملفات خاصة الاقتصادية والتى تعبر عن نبض الشارع إلى جانب ما يستوجب تنفيذه لضمان تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة. فقد تضمن برنامج الحكومة 4 أهداف استراتيجية لبناء اقتصاد تنافسى جاذب للاستثمارات، يتفرع من كل هدف رئيسى مجموعة من الاهداف الفرعية تتضمن مجموعة من البرامج التنفيذية وذلك يعطى انطباعًا ودلالةً على جدية الحكومة الجديدة فى تغيير شكل الاقتصاد المصرى عبر تطوير السياسات الاقتصادية والتشبيك والتناغم بين كافة أطراف الصلة للوصول إلى تحقيق المستهدفات المنشودة من خلال المجموعات الوزارية التى تَمَّ تشكيلها لضمان هذا الاتساق والتناغم فى تنفيذ تلك الأهداف، فإذا نظرنا إلى الهدف الاستراتيجى الأول الذى يهدف إلى ترسيخ دعائم النهوض الاقتصادى بتعظيم المقدرات الاقتصادية الوطنية. وهو مايعنى إعادة اكتشاف الموارد والقدرات المتاحة للدولة المصرية وتحقيق أقصى قيمة مضافة للاقتصاد الوطنى من خلال الاستغلال الأمثل لتلك الموارد، ويتطلب ذلك فى اعتقادى التركيز من جانب الحكومة على المُضى قدمًا فى تنفيذ المرحلة الثانية من برنامج الاصلاح الاقتصادى المتعلق بالاصلاحات الهيكلية فى زيادة مساهمة قطاعات الصناعة والزراعة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات. حيث إن المستهدفات التى جاءت ببرنامج الحكومة والتى تستهدف تحقيق 5% متوسط معدل النمو الاقتصادى خلال مدة البرنامج و103.4 مليار دولار حجم الصادرات المصرية و6.6% خفض نسبة عجز الموازنة العامة عام 2026/2027 و3.9 سنة متوسط عُمر الدين المستهدف عام 2026/2027 و55% نسبة الاكتفاء الذاتى للذرة عام 2026/2027 و53% نسبة الاكتفاء الذاتى من القمح و31.2% معدل النمو السنوى لإنتاج قطاع الصناعة بالاسعار الجارية خلال الفترة 2024/2026 و6.8% مساهمة قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فى الناتج المحلى الإجمالى 2026/ 2027 ولتحقيق تلك المستهدفات والتى أراها الركيزة الاساسية فى تحقيق باقى الأهداف الاستراتيجية فى برنامج الحكومة، حيث يتم ذلك عن طريق زيادة مستمرة ومستدامة فى الناتج المحلى الاجمالى، ولتحقيق تلك الاستدامة فى زيادة الناتج عبر عدة عوامل: اقرأ أيضا| باستثمارات 230 مليون دولار.. مدبولي يلتقي رئيس شركة «هاير مصر» أولًا: وضع استراتيجية وطنية للصناعة المصرية تتضمن الرؤية والأهداف ومؤشرات القياس وآليات المتابعة والتقييم والجهات المنوط بها تطبيق تلك الاستراتيجية مع الأخذ فى الاعتبار 152 فرصة للإحلال محل الواردات وطرحها على القطاع الخاص. وتلك الاستراتيجية ستكون لها عدة مكاسب فى زيادة مساهمة قطاع الصناعة فى الناتج المحلى الإجمالى الذى يساهم فى تحقيق المستهدف فى برنامج الحكومة وزيادة الإيرادات الضريبية بما يساهم فى تراجع عجز الموازنة إلى جانب تعميق التصنيع المحلى والذى ينعكس بالإيجاب على تراجع عجز الميزان التجارى وزيادة حجم الصادرات المصرية والوصول إلى مستهدف الحكومة فى برنامجها خلال الثلاث سنوات القادمة، بالإضافة إلى زيادة مساحة مشاركة القطاع الخاص مع الحكومة. ثانيًا: زيادة مساهمة قطاع الزراعة فى الناتج المحلى الإجمالى عبر توجه الدولة المصرية منذ سنوات فى زيادة حجم المساحة المزروعة خاصة فيما يتعلق بالسلع الاستراتيجية وزيادة نسب الاكتفاء الذاتى بما يخفف الضغط على الطلب على العملة الدولارية الضرورية لعمليات الاستيراد إلى جانب التأثير على معدل التضخم عبر التوافر والإتاحة فى الاسواق وهو ما يحقق الاستقرار فى الاسعار. ثالثًا: زيادة مساهمة قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فى الناتج المحلى الإجمالى، سيُساهم فى زيادة الإيرادات الضريبية والتى بدورها تساهم فى تراجع عجز الموازنة العامة للدولة إلى جانب المساهمة فى زيادة التدفقات الدولارية الناتجة عن خدمات الاتصالات والتعهيد. وبالتالى القطاعات الثلاثة هى القطاعات القائدة لعملية تحقيق النمو الاقتصادى وزيادة الناتج المحلى الإجمالى وزيادة الصادرات وزيادة نِسب الاكتفاء الذاتى وزيادة الإيرادات الضريبية وخفض عجز الموازنة العامة، طالما أن هناك زيادة فى حجم الايرادات العامة تقترب من حجم المصروفات العامة، بالتأكيد سيتراجع حجم العجز بالموازانة وبالتالى انخفاض نسبة الحاجة إلى تمويل هذا العجز، إما بالاقتراض محليًا أو خارجيًا، وهو ما يساعد فى تحقيق مستهدف الانضباط المالى ببرنامج الحكومة. بالطبع هناك جوانب أخرى مهمة ومكملة لاتساق عملية بناء اقتصاد قوى تنافسى جاذب للاستثمارات تتعلق بالتحسين والتطوير فى بيئة الأعمال والاستثمار وكيفية عرض الفرص الاستثمارية والترويج الناجح لتلك الفرص الاستثمارية بالإجراءات والتيسيرات والقرارات الصادرة عن المجلس الاعلى للاستثمار الذى صدر عنه 22 قرارًا لتحفيز بيئة الاستثمار وجذب المزيد من الاستثمار الخاص المحلى والأجنبى فى القطاعات التى تريد الدولة المصرية زيادة مساهمتها وتطويرها وتنميتها خاصة فى ظل التوجه نحو قطاع الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر. إن عملية التقدم الاقتصادى تراكم تنموى لكافة قطاعات الدولة، وهذا التراكم التنموى يأتى من الاستغلال الأمثل للموارد وتوظيفها بالشكل الأمثل لتحقيق القيمة المضافة التى من خلالها تستطيع الحكومة أن يكون لديها القدرة والملاءة المالية على زيادة الانفاق على مخصصات التعليم والصحة والبرامج الاجتماعية أو بمعنى آخر تحقيق مستهدفات بناء الانسان المصرى والذى يُعد أحد تكليفات السيد رئيس الجمهورية للحكومة الجديدة. النقطة الأبرز التى ستُساعد على تحقيق مستهدفات برنامج الحكومة عملية الهيكل الجديد فى شكل الوزارات خاصة المعنية بالاقتصاد، حيث إن دمج وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية مع وزارة التعاون الدولى أرى أنه سيكون له العديد من الفوائد. حيث ستكون هناك سياسة مُوحدة فيما يتعلق بالاتساق فيما تتطلبه الاستثمارات الحكومية من تمويلات مُيسرة منخفظة التكلفة أو منح من شركات التنمية فى إقامة المشروعات القومية خاصة فيما يتعلق بمشروع حياة كريمة أو مشروعات البنية التحتية أو المشروعات الصناعية والانتاجية بشكل عام، وبالتالى دمج تلك الوزارتين سيتيح توفير التمويلات اللازمة لإنجاز تلك المشروعات. حيث إن وزارة التخطيط هى المسئولة عن الباب السادس بالموازنة العامة للدولة المُتعلق بالاستثمارات المالية والتى يُصرف منها على مشروعات الحكومة المصرية، ومن جانب آخر وزارة التخطيط هى المسئولة عن حسابات الناتج المحلى الإجمالى، وبالتالى تقدير معدل النمو الاقتصادى، وبالتالى التعاون الدولى مع التخطيط سيجعل الصورة أكثر وضوحًا وأكثر دقةً فيما تحتاجه الحكومة المصرية من تمويلات استثمارية لزيادة حجم الناتج المحلى الإجمالى، وبالتالى تحقيق معدل النمو الاقتصاد المستهدف والذى من خلاله يتم توفير فرص عمل مباشرة وغير مباشرة بما يساهم فى تراجع معدل البطالة وبالتالى انعكاس ذلك على معدل الفقر. وبالتالى أعتقد أن تلك الخطوة بدمج وزارتى التخطيط مع التعاون الدولى خطوة على طريق الإصلاح الهيكلى لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، وبالتالى أعتقد أن هذا الدمج بشكله الحالى سيقدم الكثير فيما يتعلق بالارتقاء بالسياسات التخطيطية الاقتصادية فى وضع سياسات موحدة ذات أهداف محددة لتحقيق متطلبات المرحلة القادمة فيما يتعلق بزيادة مساهمة قطاعات الصناعة والزراعة وتكنولوجيا المعلومات وفق المرحلة الثانية للإصلاحات الهيكلية. ولكن يجب أن تعى الحكومة الجديدة أهمية التنسيق بين السياسة المالية والسياسة النقدية لتلافى أى آثار سلبية نتيجة لقرارات السياسة النقدية والتى من شأنها التأثير على مدفوعات الديون بالموازنة العامة للدولة، وبالتالى نحتاج إلى تفعيل دور المجلس التنسيقى بين السياسة المالية والنقدية لدراسة كافة المتغيرات الاقتصادية إقليميًا ودوليًا وسُبل المواجهة والتحوط ضد تداعياتها فى المستقبل ولضمان الاستقرار الاقتصادى. حتى نصل إلى تحقيق مفهوم النمو الاحتوائى الذى تعمل الحكومة الجديدة من أجله والذى يهدف إلى توزيع عوائد التنمية على كافة شرائح المجتمع مع الأخذ فى الاعتبار التوزيع الجغرافى للمحافظات، وبالتالى أرى أن برنامج الحكومة به إرادة حقيقية على تنفيذ ما جاء به من مستهدفات والانطلاق نحو فكر الاستدامة وأعنى بذلك الاستدامة الاقتصادية عبر استخدام الآليات والاساليب التى تتسم بالمرونة وفقًا للمتغيرات الإقليمية والعالمية.