بينما تلوح فى الأفق غيوم حرب إقليمية قد لا تبقى ولا تذر ما تبقى من استقرار فى الشرق الأوسط، لاح أفق من ضوء فى البيان المشترك لقادة مصر وقطروالولاياتالمتحدة للدعوة إلى استئناف المفاوضات حول وقف إطلاق النار فى قطاع غزة وتبادل إطلاق سراح المحتجزين، ما يزيد الآمال إنهاء الحرب المستمرة منذ أكثر من 10 أشهر، وينزع فتيل الحرب الإقليمية التى تخشى عواقبها كل الأطراف. الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيس الأمريكى جو بايدن وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد أكدوا أنه حان الوقت لوقف معاناة أهالى القطاع وأهالى الرهائن، مشددين على أنه لا يتبقى سوى وضع التفاصيل المتعلقة بتنفيذ المبادئ التى طرحها بايدن فى مايو الماضى، داعين إلى عدم إضاعة الوقت. وأبدى الزعماء الثلاثة عزمهم طرح مقترح نهائى لحل الأمور التى مازالت معلقة، ودعوا إلى استئناف المفاوضات بصورة عاجلة الأربعاء أو الخميس المقبلين لسد كل الثغرات المتبقية. اقرأ أيضًا | بين التهدئة والتصعيد سبق البيان الثلاثى تحركات دبلوماسية مكثفة من الوسطاء الثلاثة، فعلى مدار يومين أجرى وزير الخارجية بدر عبدالعاطى اتصالات هاتفية مع نظرائه فى الدول الكبرى والقوى الإقليمية، لإرسال رسالة تحذير واضحة من العواقب الوخيمة على المنطقة من الحرب الإقليمية، كما حذر وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن طرفى الصراع من أن التصعيد الإقليمى ليس فى مصلحة أحد، بالإضافة إلى اتصالات مكثفة أجراها رئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية القطرى الشيخ محمد بن عبدالرحمن مع مسئولى العديد من الدول الفاعلة للحث على ممارسة أقصى درجات الضغط لتجنيب المنطقة أتون حرب غير محسوبة العواقب. التحرك الثلاثى بدا أنه الفرصة الأخيرة للمنطقة لتجنب حرب بين إيران ووكلائها فى المنطقة من جهة وإسرائيل المدعومة أمريكيًا من جهة أخرى، اللذين وضعا أصابعهما على الزناد بعدما كثفت الولاياتالمتحدة حضورها العسكرى فى المنطقة، عبر نشر العديد من الأسلحة أبرزها مقاتلات F-22، وحاملة الطائرات ثيودور روزفلت، وفى المقابل، تسلمت القوات البحرية التابعة للحرس الثورى الإيرانى صواريخ كروز ومسيرات جديدة.. ورغبة فى تجنب السيناريو الأسوأ، لاقت المبادرة المصرية القطريةالأمريكية ترحيبًا دوليًا واسعًا، حيث انضم الاتحاد الأوروبى إلى دعوة الزعماء الثلاث، واعتبر مسئول العلاقات الخارجية فى الاتحاد جوزيب بوريل أى اتفاق بشأن الحرب فى غزة مفتاحًا لتهدئة التوتر الإقليمى، كما أيدت الإمارات الدعوة ودعت إلى تجنب أى تأخير فى التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب، فيما شدد الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون على أن إنهاء حرب غزة مهم لاستقرار المنطقة المهدد بالخطر، وقال وزير الخارجية الإيطالى أنطونيو تايانى إنه «ليس هناك وقت لنضيعه» للتوصل إلى اتفاق. لكن إيران، التى خدشت كرامتها باغتيال رئيس المكتب السياسى لحركة حماس فى عاصمتها، تبدو عازمة على الثأر، رغم الدعوات الدولية لضبط النفس والتحذيرات الأمريكية بشكل مباشر وعن طريق وسطاء من العواقب «المدمرة» لأى ضربة انتقامية كبيرة من الجانب الإيرانى. ولم تعلق طهران على البيان الثلاثى، وبعد ساعات من صدوره قال قائد «فيلق القدس» فى الحرس الثورى الإيرانى العميد إسماعيل قاآنى، فى رسالة إلى رئيس المكتب السياسى لحركة «حماس» يحيى السنوار، إن «من واجب إيران الانتقام» لاغتيال الرئيس السابق للحركة إسماعيل هنية، كما قال مندوب إيران لدى الأممالمتحدة، إن بلاده لها الحق فى «الدفاع المشروع» بعد اغتيال هنية على أراضيها وإن هذا لا علاقة له بمحادثات وقف إطلاق النار فى قطاع غزة، لكنه أيضًا لم يغلق الباب أمام التهدئة فى غزة مشيرًا إلى أنه يأمل أن يكون الرد الإيرانى «بطريقة لا تضر بوقف إطلاق النار المحتمل». على الجانب الآخر، واصلت إسرائيل سياساتها المزدوجة، فبينما سارعت حكومة بنيامين نتنياهو بقبول دعوة استئناف التفاوض، لم تمض سوى 24 ساعة وكانت الطائرات الإسرائيلية تقتل أكثر من 100 فلسطينى من المدنيين العزل فى مدرسة شرق مدينة غزة، وهو ما وصفته مصر فى بيان لوزارة الخارجية بأنه دليل على غياب الإرادة السياسية لدى تل أبيب لإنهاء الحرب، وسلوك متعمد لإسقاط أعداد هائلة من المدنيين العُزّل، كلما تكثفت جهود الوسطاء لمحاولة التوصل إلى صيغة لوقف لإطلاق النار فى القطاع. أعضاء الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفًا واصلوا الضغط لإفشال احتمالات إنهاء الحرب، وعلى رأسهم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش الذى وصف مقترح وقف إطلاق النار بأنه «فخ خطير» يسمح لحماس بإعادة تنظيم صفوفها، محذرًا نتنياهو من الوقوع فى هذا الفخ، كما قال إنه «اتفاق استسلام» يفرضه الوسطاء. وفى نفس الوقت الذى تتكثف فيه الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب على غزة، لا تتوقف الاستعدادات الإسرائيلية الأمريكية المشتركة للرد على أى هجوم إيرانى، فالتقارير الإعلامية الأمريكية تشير إلى تحضير لكل السيناريوهات سواء برد إيرانى أو من أحد وكلائها فى المنطقة، فى ظل تمسك تل أبيب بالرد المضاد فى حالة استهداف المدنيين الإسرائيليين، ما يجعل المنطقة تحبس أنفاسها أملاً فى قرارات متعقلة من طهران وتل أبيب تنهى حالة التصعيد.