تطورات مهمة تشهدها الساحة الدولية تعيدنا من جديد إلى أجواء الحرب الباردة بين الشرق والغرب، حيث تمتد رقعة المواجهات على اتساع جغرافية العالم لتصل إلى كل القارات ووصلت أوجها بعد الحرب الأوكرانية مع روسيا مع جهد منظم عبر تحركات واسعة من واشنطن لحصار الخطر الصينى ويكفى أن نتوقف عند بعض مشاهد الصورة والمواجهات التى لم تصل إلى بعدها العسكرى، فنحن أمام تهديدات جادة من الرئيس الروسى بوتين بالرد على إقدام حلف الناتو بنشر صواريخ طويلة المدى فى ألمانيا وإلى نفس المستوى تسير السياسة الأمريكية تجاه الصين يضاف إلى ذلك التطورات على صعيد الكوريتين. هذه محاولة للاقتراب من هذا الملف الشائك. ربما لا تطول الحرب الكلامية بين روسيا والغرب وتنتقل إلى معارك على الأرض لن تستوعبها الخريطة الأوكرانية وحدها لتطول نيرانها مساحة مترامية الأطراف من الكوكب وإن كانت المواجهات ستتركز على بلاد القيصر فلاديمير بوتين والقارة العجوز والولاياتالمتحدة باعتبارها رأس الحربة فى مثلث الناتو إن أرادت واشنطن الاحتفاظ بمكانة حارس العالم. منذ انهيار الاتحاد السوفياتى عام 1991، ظلت نار الحرب الباردة تحت رماد المهادنة حتى مع اندلاع الحرب الأوكرانية فى فبراير 2022، لم يلق المعسكران القديمان بثقلهما العسكرى والاقتصادى والتجارى فى المواجهات، لكن ثمة من يهز قطع دومينو منذرًا بإلقائها على طاولة الحرب الباردة الجديدة. إذًا ما الذى حدث لكل ذلك؟.. قبل أيام قليلة، هدد الرئيس الروسى فلاديمير بوتين باستئناف إنتاج أسلحة نووية متوسطة المدى إذا عمدت الولاياتالمتحدة إلى نشر صواريخ فى ألمانيا أو فى أى مكان فى أوروبا مع الأخذ فى الاعتبار السلوكيات الأمريكية وأقمارها الصناعية فى أوروبا ومناطق أخرى من العالم. فى تصريح ردت عليه الحكومة الألمانية بتحذير موسكو من أنها لن ترضخ للترهيب. المتحدث باسم الخارجية الألمانية سيباستيان فيشر، قال أيضًا: «لنكن واضحين، لن ترهبنا تصريحات كهذه، هذا النوع من الصواريخ المحظور بموجب معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى، جرى تطويره ونشره منذ وقت طويل، وبالتالى فإن روسيا انتهكت المعاهدة، وما نخطط له الآن هو الرد على هذا الوضع». اقرأأ يضا| زيلينسكي: ننتظر استلام حزم دفاعية جديدة من حلفائنا وكان استخدام هذا النوع من الأسلحة التى يتراوح مداها بين 500 و5500 كيلومتر محظورًا بموجب معاهدة الحد من الأسلحة النووية المتوسطة المدى بين واشنطنوموسكو، والموقعة خلال حقبة الحرب الباردة، لكن انسحبت العاصمتان منها فى عام 2019، واتهمت كل منهما الأخرى بعدم الامتثال لها. شرارة الغضب الروسى أشعلها إعلان البيت الأبيض مطلع يوليو الماضى عن قرار أمريكى بنشر أسلحة جديدة فى ألمانيا بصورة مؤقتة اعتبارًا من عام 2026 تسمح بتنفيذ ضربات أبعد من الأنظمة الأمريكية المنشورة حاليًا فى أوروبا. المخاوف الأوروبية ترجمتها تقارير نشرتها صحف ألمانية تحدثت عن إعداد وزارة الدفاع فى برلين سيناريو محتملا يحاكى هجومًا روسيًا على الجناح الشرقى لحلف شمال الأطلسى (الناتو) فى عام 2025. ونقلت وثيقة سرية للجيش الألمانى خطة عملياتية واسعة فى حال الحرب على الجهة الشرقية للحلف، مشيرة بوضوح إلى أن روسيا ستكون العدو الرئيسى فى هذا الصراع العسكرى المحتمل. وعلى رغم وصول الدول الأعضاء فى (الناتو) حاليًا إلى 32 دولة، إضافة إلى اعتماد الحلف شركاء يتمثلون فى دول أربعة بمنطقة المحيطين الهندى والهادئ، وهى أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية ونيوزيلندا. فى المقابل تمكنت روسيا من حشد الدعم من الصين وكوريا الشمالية وإيران. ومن هنا يخشى الغرب أن يمتد تصعيد الصراع إلى أوروبا، خصوصًا مع امتلاك كل من حلف شمال الأطلسى وروسيا أسلحة نووية. ومع خلافات أمريكية أوروبية غير سرية يزيدها حدة عدم التزام كثير من دول القارة العجوز بالتمويل الدفاعى المنتظر، وبقاء فرص عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ما يعنى تراجع دعم واشنطن لكييف، فإنه سيتعين على أوروبا أن تستعد على الأقل لبعض التخفيضات الأمريكية فى حلف شمال الأطلسي، حيث أصبحت منطقة المحيطين الهندى والهادئ أولوية أمريكية متزايدة وتقييد السياسة الداخلية مشاركة الولاياتالمتحدة. لا شك أن الولاياتالمتحدة تواجه تحديات كبيرة فى هذه الحرب الباردة ذات الجبهتين، بل وتواجه أزمة قيادة فى الداخل ومشكلة فى التصور بعد انسحابها المتسرع من أفغانستان وتزايد الشكوك حول دورها كضامن للأمن العالمي. وعلى هذا النحو، لا تستطيع أمريكا أن تطبق نفس الدليل الذى استخدمته ضد الاتحاد السوفياتى واعتبار الفوز فى هذه الحرب الباردة الجديدة أمرًا مفروغًا منه. وأخيرًا هل العالم قادر على تحمل فاتورة حرب باردة جديدة وسط خريطة لا تخلو فيها قارات العالم من بؤر صراعات؟