ورغم أن هذه الجرائم لا تمثل ظاهرة بالنسبة لعددها مقارنة بتعداد السكان مصر .. لكنها مصدر قلق لتناقضها مع قيم وتقاليد المجتمع المصري زوج مدمن يقتل أبناءه الأربعة فى القليوبية ويرسل صور جثثهم لزوجته كيداً لها.. وزوج آخر يقتل زوجته وابنه ويدفنهما بحوش منزله فى الإسماعيلية.. وشاب يقطع الطريق على ولد صغير لا يعرفه ، ويتعدى عليه بسنجة ويبتر أصابع يده .. وغيرها الكثير من الجرائم الصادمة التى تُفزعنا يومياً. ماذا حدث لنا؟ جرائم مرعبة ، وجنازات حارة ، والأسباب واهية ، تافهة. أين مركز البحوث الجنائية والاجتماعية، لم نسمع تحليلاته ونتائجه، لم نسمع تحذيراته وتوصياته فيما يحدث حولنا من جرائم شاذة ، تحمل انحرافاتٍ سلوكية وأخلاقية ، جعلت ذبح البشر مثل ذبح الدجاجة، وجعلت الأبناء يهونون على آبائهم ، والآباء على أبنائهم، والحبيب على حبيبه، بل وجعلت النفس تهون على صاحبها بالانتحار. لماذا لا نهتم بعلم الجريمة وسلوكياته ، لماذا لا توجد لدينا وحدات لتحليل السلوك مثل: وحدة تحليل السلوك بمكتب التحقيقات الفيدرالى التابع لوزارة العدل الأمريكية ، وهى وحدة تضم أكبر خبراء النفس البشرية ، ومهمتهم الغوص فى الدوافع النفسية خلف القتل، ودراسة الأنماط السلوكية والجوانب النفسية للضحايا والمجرمين، بهدف الحد من جرائم العنف الخطيرة.. ورغم أن هذه الجرائم لا تمثل ظاهرة بالنسبة لعددها مقارنة بتعداد السكان مصر .. لكنها مصدر قلق لتناقضها مع قيم وتقاليد المجتمع المصري.. ولهذا دائماً ما ألجأ بأسئلتى الحائرة لأستاذ الطب النفسى الدكتور يسرى عبد المحسن ، وأستفيد كثيراً بتحليلاته، التى تكشف لى كثيراً من خبايا النفس البشرية، وأسرار شذودها وانحرافها الأخلاقى. ود. يسرى رغم أزمته الصحية الطارئة ، لا يتوقف عن القراءة المستمرة والمتابعة الدائمة، و لم يبخل علىّ بتعليقاته ورؤيته وتوصياته العلمية المهمة. يقول د. يسرى: المشكلة الحقيقية هى اختفاء الحب الحقيقى المبنى على المودة والرحمة من البيوت، وهى الدعائم الأساسية لأسئلتى الحائرة التى حددها الله لبناء البيت والأسرة. فماذا تنتظرين من أبناء تربوا فى بيت تسوده الكراهية بين الأب والأم ، وتتعرض فيه الأم والأبناء للإهانة والضرب والطرد ، فالمودة والرحمة تنشأ داخل الإنسان منذ طفولته ، فإذا افتقدها فى هذه المرحلة المبكرة ، يشعر بالخوف والقهر وعدم الأمان ، ويتعرض لبطش الآخرين فى المدرسة والشارع ، ولا يجد ظهراً يحميه أو يوجهه، فتبدأ سلوكياته تدريجياً تتحول الى العنف ، حتى يستطيع حماية نفسه ويتبنى فكرة «أخذ الحق بالدراع» ، فيتحول فى النهاية إلى بلطجى ومجرم. ويواصل د. يسرى عبد المحسن: لدينا بالفعل مركز كبير للبحوث الجنائية والاجتماعية ، ولكن دراساته للأسف تدخل الأدراج ، و لا تتم الاستفادة بها كما ينبغى، وهى أيضاً للأسف تعتمد على الجانب النظرى أكثر من العملى . ولكننا الآن ووسط كل هذه الظروف التى يعيشها مجتمعنا ، أصبحنا أحوج ما نكون لوجود مراكز أو وحدات لتحليل السلوك مثل: وحدة تحليل السلوك بمكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى ، وحدات تقترب فى عملها من الجانب العملى ، أكثر من النظرى ، ويقترب خبراؤها من المجرمين من خلال لقاءات حية تغوص أكثر فى أعماقهم وتكشف عن دوافعهم الحقيقية وأسبابها، والهدف فى النهاية هو اتخاذ قرارات وتوصياتٍ للحد من تكرار هذه الجرائم. ملحوظة أخيرة أراد د. يسرى تأكيدها ، وهى أن الأحوال الاقتصادية، ليست الشماعة الحقيقية للجريمة والعنف ، فالجرائم الشاذة لم تفرق بين الأغنياء والفقراء، والخطر يبدأ من مرحلة الطفولة، لأن كثيراً من الأهل فى غمرة انشغالهم ، يكتفون بتعليم أبنائهم وحرصهم على تفوقهم الدراسى ، وينسون بناء تفكير وثقافة وأخلاق ووجدان أبنائهم، فالأهم من بناء طالب متفوق ، هو بناء إنسان سوي، وشغل وقته باهتمامات رياضية ودينية وثقافية . الخطر دائماً يأتى من داخل بيوتنا، فاحذروه.