«إنما الأمم الأخلاق ما بقيت.. فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا».. أبيات شهيرة لأمير الشعراء أحمد شوقي، تؤكد أن التمسك بالأخلاق سبب بقاء واستقرار الدول وتقدمها وازدهارها، فالأمم تضعف إذا ما تراجعت فيها الأخلاق وتهاوت القيم والمبادئ الراسخة.
وفى الآونة الأخيرة شهدت مصر الكثير من مظاهر «الانفلات الأخلاقي».. فمن منا لم يسمع عن أب يقتل أولاده، وابن ينهى حياة والده أو والدته لتعاطى المخدرات.. أخ يفتك بشقيقه وزوجة تقتل زوجها بمعاونة عشيقها.. طلاب يعتدون على مدرسهم، ناهيك عن جرائم التحرش والاغتصاب التى باتت ضيفاً ثقيلا على حياتنا. ولا يكاد أحد فى مجتمعنا لا يشكو من ارتفاع معدلات السرقة والقتل والرشوة وعقوق الوالدين وانحدار لغة الخطاب ورواج الألفاظ البذيئة وانحرافات السلوك والذوق العام،وغيرها من المظاهر الأخرى التى أسقطت الأخلاق فى دوامة الفوضى الخلاقة.. ما أسباب هذه الحالة من التردى الخلقي؟ وكيف يمكن إنقاذ المجتمع من هذا الخطر؟ فهل ما نعانيه اليوم نتاج رواسب حقبة طويلة فجرتها ثورة أظهرت الوجه الأخلاقى المظلم للشارع المصري؟، أم هى انعكاس لغياب المؤسسات التعليمية والدينية والتربوية والتنشئة الأسرية السليمة والتأثير السيئ لوسائل الإعلام والسوشيال ميديا والسينما؟.. الأسباب والآثار المتربة على هذا الانفلات الأخلاقى على المدى القريب والبعيد، تحاول «الأخبار» فى هذا الملف الإجابة عليها. «كل حاجة اتغيرت بعد الثورة»، جملة قالها أحمد محمد (٣٨ عاما) موظف حكومي، ليؤكد على وجود حالة من عدم الاحترام فى الشارع بالآونة الأخيرة خاصة بعد ثورة يناير ٢٠١١.
وأضاف أن كل شئ تغير وتبدل فى المجتمع بعد الثورة حيث شعر الكثير بانهم فوق القانون وفى استطاعتهم فعل ما يشاءون، وعلى الرغم من عودة حالة الانضباط الأمني، إلا أن رواسب هذا الأمر مازالت متبقية، فتجد فى تعامل العديد من المراهقين والأطفال قلة احترام وعدم تقدير، كذلك التعامل مع لمن يكبرهم سنا الفئات المختلفة.
واستشهد أحمد بموقف حدث معه منذ بضعة أيام أثناء تلقيه العلاج فى أحد المستشفيات، حيث دخل معه أحد المراهقين فى مشادة كلامية كادت أن تتطور لولا تدخل البعض لتهدئة الأمور، بسبب طابور الانتظار على الرغم من أنه يعانى من إعاقة فى قدمه، إلا أنها لم تشفع له عند ذلك المراهق.
وأشار إلى أن سوء التربية عامل رئيسى فى هذه الأزمة.
وأكد على ضرورة الاهتمام بالتنشئة السليمة للأطفال حتى لا يخرج لنا جيل فاسد.
صلاح الخلوق
«هنبقى أحسن».. بصوت متفائل، قالها على جنيدى (٤٠ عاما) صاحب محل عصير.
وأشار إلى أن مصر دائما وأبدا تبقى محافظة على القيم والمبادئ والتعاليم الدينية، على الرغم من وجود بعض المظاهر المخالفة لأخلاق المصريين إلا أنها حالات شاذة لا تعبر عن أخلاق وقيم الجميع.
وأضاف أن مصر بلد مليء بالخيرات ويتمتع شعبها بالشهامة والمروءة، حتى إن كانت هناك ملاحظات على أخلاقيات البعض.
وشدد على أن الشخص المحترم يجبر الجميع على احترامه حتى لو كانوا سيئين، فالاحترام هو الطريق نحو النجاح مستشهدا بالنجم المصرى الخلوق محمد صلاح لاعب المنتخب الوطنى وليفربول الإنجليزى الذى يحقق النجاحات بسبب سلوكياته الطيبة وحب الناس له.
وطالب جنيدى الجميع بالتحلى بالأخلاق الحميدة المعروفة عن المصريين والتركيز فى العمل والبناء فقط.
دور الأسرة
«مفيش أسرة تربي»، هكذا عبر محمد نور (٣٠ عاما) عن استيائه من حالة التدهور الأخلاقى فى المجتمع، وأكد أن غياب دور الأسرة فى تربية الأبناء عامل مهم فى انحراف سلوكهم ما يترتب عليه انتشار حالات التحرش والجرائم المختلفة وعدم الالتزام بالنظام والقوانين وغيرها من مظاهر الانحراف، فتجد فى الأسرة انشغال الأب فى توفير لقمة العيش فى ظل الظروف الصعبة التى يمر بها وزيادة احتياجات أسرته فيغيب عن البيت فى أغلب الأوقات فلا يجد الأبناء من يحاسبهم.
وكشف أن حالة تدنى الأخلاق هى تبعيات مشكلة اجتماعية منذ ٣٠ عاما زرع فيها مظاهر الفساد وغياب العدالة الاجتماعية.
وشدد على أننا فى حاجة إلى إعادة هيكلة المؤسسات التعليمية والصحية والثقافية وكل ما يمس مصلحة المواطن، فهناك خلل واضح فى المنظومة التعليمية ما ترتب عليه ظهور جيل متمرد على القيم والعادات والتقاليد المصرية.
خير زمان
«زمان كان فيه خير»، أكدها عبدالنبى هاشم (٥٠ عاما) صاحب محل مواد غذائية، واضعا مقارنة بين الوقت الحاضر والماضي، قائلا: «إنه مع مرور الزمن تقل الأخلاقيات والتمسك بالعادات والتقاليد ففى الماضى كانت تسود حالة من الحب والمودة بين الناس بعيدا عن الصراعات والمشاكل، ومع ذلك تظل المناطق الريفية والصعيد محتفظة إلى حد ما بهذه القيم والأخلاقيات.
وأكد أن السلوكيات السيئة التى يقوم بها بعض شباب هذا الجيل لا تتوافق مع الأخلاق المصرية الأصيلة التى تميز المصريين عن غيرهم، فمصر هى بلد الأمن والأمان تجد فيها دائما معنى الأصالة والإخلاص، واختتم عبدالنبى حديثه بصوت متفائل: «البلد دى لسه فيها الطيبة والشهامة رغم كل المشاكل»
القيم الدينية ويؤكد مصطفى عزت (٦٥ عاما) موظف على المعاش، وجود تدهور فى القيم الأخلاقية ومن مظاهرها عدم احترام المراهقين والشباب لكبار السن وهى نتائج سوء التربية والابتعاد عن القيم الدينية. وشدد على أن الأسرة لابد أن تهتم بتربية أولادها مهما كانت صعوبة الظروف، فهم أول من سيتأذون من انحراف أبنائهم.
سموم السينما والدراما
«الأفلام والمسلسلات»، قالها محمد سيد (٥٢ عاما) عامل فى إحدى الشركات الخاصة. وشدد على تأثير الأفلام والمسلسلات الدرامية التى تحتوى على انحلال أخلاقى ومواد بذيئة على أخلاق وسلوكيات الأطفال والشباب سواء الأولاد أو البنات. وطالب بضرورة وجود رقابة مشددة على مثل هذه الأعمال الفنية لأنها أشبه بالسموم التى تدخل منازل المصريين، وأضاف أن وجود الإنترنت يتسبب أيضا فى تدمير سلوكيات وقيم المجتمع.
ثقافة «التوك توك»
تؤكد د.سامية خضر أستاذ علم الاجتماع بكلية تربية جامعة عين شمس، أنه يجب الاعتراف بوجود انفلات أخلاقى فى المجتمع وهو من القضايا الهامة التى يجب معالجتها، ويتضمن هذا التدهور الأخلاقى العديد من الصور والأشكال منها بالتأكيد انهيار الذوق العام. وشددت على ان ظهور الانفلات الأخلاقى جاء بسبب عدة محاور، أولها الأسرة حيث ينشغل الأب والأم بالعمل ويهملان فى تربية أبنائهما مما يترتب عليه نتائج عكسية، والمحور الثانى الذى يمثل خطورة كبيرة ايضا هو السوشيال ميديا وما تحويها من لغة مبتذلة ومواد هابطة، بالإضافة إلى الأعمال السينمائية والدرامية التى غاب عنها الإحترام على عكس الماضي، وأصبحت تشجع على الانحراف تحت شعار نقل الواقع، فالمجتمع ٦٠ ٪منه شباب يتأثرون بما يشاهدونه دون وجود القدوة والمثل الأعلي.
وكشفت أن التدهور الأخلاقي له نتائج وخيمة على مستقبل الوطن تتمثل فى انتشار الكذب والخداع وعدم الانتماء الوطنى كما أنه يتسبب فى عرقلة مسيرة التنمية والبناء، وغيرها من السلبيات.