طريق ستراندبيرج مفتوح؟ هاتاي سبور يعلن ضم فينسنت أبو بكر    كارت الخدمات المتكاملة 2024.. خطوات الاستعلام عن موعد الكشف الطبي بالرقم القومي    لمواجهة نقص المعلمين.. تفاصيل مُقترح بأداء خريجي الكليات النظرية الخدمة العسكرية بالمدارس    رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر يلتقي رئيس مجلس أمناء التحالف الوطنى بحضور نائبة وزيرة التضامن الاجتماعي    وزير الري: التصرفات الإثيوبية تتسبب في ارتباك كبير بمنظومة إدارة مياه النيل    رئيس شعبة البيض يرد على حماية المنافسة ويكشف موعد انخفاض الأسعار (فيديو)    غرامات قطارات السكك الحديدية 2024.. التدخين 100 جنيه    وفاة الخبير والإعلامي الرياضي السوداني عصام الدين الدرديري    جمهوريون ينتقدون كامالا هاريس بسبب أفغانستان.. وقادة عسكريون يدافعون عنها    أونروا: تقديم الخدمات الإغاثية لغزة من المهام الصعبة للمنظمة    منتخب السنغال يحقق أول فوز فى تصفيات أمم أفريقيا بهدف ضد بوروندى.. فيديو    العاهل الأردني يهنئ الرئيس الجزائري بمناسبة إعادة انتخابه لولاية رئاسية جديدة    النائب العام ورئيس مجلس القضاء الأعلى يجريان زيارة إلى رئيس هيئة قضايا الدولة    لمدة 4 مواسم.. سيدى نداى يجتاز الكشف الطبى ويوقع عقود انتقاله للزمالك    دوري القسم الثاني.. الفيوم يضم لاعب الترسانة    بين يوفنتوس وباريس.. صراع أوروبي للتعاقد مع محمد صلاح في الصيف المقبل    موعد مباراة السعودية ضد الصين في تصفيات كأس العالم 2026    الحبس 3 سنوات ل المتهمين بسرقة "أميرة الذهب"    انهيار عقار في الزيتون والحماية المدنية تبحث عن ضحايا أسفل الأنقاض    لينك نتيجة الثانوية العامة 2024 الدور الثاني الرسمي.. خطوات الاستعلام عنها فور إعلانها    مهرجان أيام القاهرة للمونودراما يعلن أعضاء لجنته العليا    إعلام فلسطينى: قوات الاحتلال تقتحم قرية سالم شرقى مدينة نابلس    تعرف على أعضاء اللجنة العليا لمهرجان أيام القاهرة الدولي للمونودراما    «ثقافة الإسماعيلية»: بدء مشاهدات نوادي المسرح واستمرار الأنشطة الصيفية    أمين الفتوى يحسم الجدل بشأن حكم الاحتفال بالمولد النبي -(فيديو)    هل يجوز سفر الخطيبة مع خطيبها؟.. عضو ب"العالمي للفتوى" تُجيب - (فيديو)    بمعايير عالمية.. جامعة المنصورة تفتتح جناح العمليات المطور بمركز الأورام    محمود توفيق يودع وزير الداخلية السعودي بمطار القاهرة    مصرع جزار بسبب مشاجرة مع فكهاني بالهرم    خالد داغر: توفير فرص متكافئة للموهوبين وذوى الهمم في مهرجان الموسيقى    كريستيانو رونالدو يقص الشريط نحو الهدف رقم 1000 في مسيرته الكروية    اعرفى السعرات الحرارية الموجودة في حلوى المولد بالجرام    تدريب وفعاليات.. وزير الثقافة ونقيب الصحفيين يبحثان سبل التعاون المشترك    عريس كفر الدوار: "أنا بياع على باب الله وعدم استطاعتي شراء بدلة شيء لا يعيبني"    جامعة بنها تستقبل وفدًا من خبراء منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية    صور- بيان من جهاز 6 أكتوبر بتفاصيل حملات إزالة الإشغالات ومخالفات البناء    واعظة بالأوقاف: توجه نصائح لكل زوجة" أخد الحق حرفة"    عاجل | مصر تبحث تنمية التعاون الصناعي مع العراق في صناعات قطاع الكهرباء والمنسوجات والجلود    مساعد رئيس هيئة الدواء يلتقي وفد الحكومة الصينية على هامش مؤتمر "فارماكونكس"    محافظة القاهرة تطلق حملة عينك أمانة للكشف على أمراض العيون مجانا    مارس الرذيلة مع 99 امرأة.. الحكم بإعدام طبيب روض الفرج    المشدد 5 سنوات لمتهمين و7 سنوات غيابيا لآخرين لشروعهم في سرقة ماشية من حظيرة بطوخ    «المشاط» تؤكد أهمية الاستفادة من تقارير وإصدارات معهد التخطيط القومي    منح دراسية وتخفيضات 20% على المصروفات.. كل ما تريد معرفته عن جامعة «باديا»    انتخابات أمريكا 2024| جورج بوش يستبعد دعم كلا المرشحين بالانتخابات    ديشامب يفاجئ مبابي بقرار ناري قبل مواجهة بلجيكا    انطلقت فعاليات اليوم الثانى والختامى gمنتدى الإعلام الرياضى    عاجل.. تأجيل محاكمة مضيف طيران و6 آخرين في تهريب دولارات للإخوان بالخارج    حيثيات إعدام عاطل قتل صديقه داخل مسكنه بسبب خلافات بينهما فى الجيزة    وزير خارجية التشيك: زيارة رئيس كوريا الجنوبية فصلا جديدا في العلاقات الثنائية    سجلت 3 مليارات دولار.. البنك المركزي يعلن ارتفاع تحويلات المصريين بالخارج    وزير الصحة: نعمل على خفض الوفيات بسبب الدرن بنسبة 90% في 2030    برج الدلو.. حظك اليوم الإثنين 9 سبتمبر: قلل التوتر    المشاط: اتفاقية «تمويلي» تُمثل تخارجا استراتيجيا للشركات الحكومية يتسق مع توجه الدولة    عالم: ليس كل أزهري مؤهل للفتوى.. واستحلال الحرام «كفر»    باحث أزهري: الله وعد المؤمنين بشفاعة الرسول يوم القيامة (فيديو)    وزارة الصحة: انطلاق برنامج تدريب المعلمين بمدارس التمريض على المناهج الجديدة    الجيش الروسي يتقدم شرق أوكرانيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كأنه كاتب مبتدئ ..يقوم بمحاولاته الأولى!
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 05 - 08 - 2024


عاطف محمد عبد المجيد
قلتُ له: إن جابرييل جارسيا ماركيز اتصل بى فى وسط الليل، معتذرًا لفرق التوقيت، ليطمئن على صحتك، فقال: من أين اتصل؟ ، قلت: من منزله فى لوس أنجليس، فهو يتنقل طوال السنة ما بين منزله فى كولومبيا، ومنزل ثانٍ له فى الولايات المتحدة، وثالث بالمكسيك.
هذا ما يقوله الكاتب محمد سلماوى فى سرديته التوثيقية «المحطة الأخيرة»، الصادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ضمن أعماله السردية الكاملة، وفيها يحكى الكاتب عن علاقته بنجيب محفوظ وعن مرضه الأخير الذى أدخله المستشفى، ومنها نعرف أن نجيب محفوظ ليس ممن يتذمرون من المرض على الإطلاق، بل يكفى أن يتبع المريض تعلميات الطبيب وأن يكون مطيعًا له، ولن يشعر بأى ضيق من المرض.
وعن سبب اختيار نجيب محفوظ لمحمد سلماوى ليُجرى معه حوارًا أسبوعيًّا يُنشر فى الأهرام، يقول الكاتب: لقد سألته آنذاك عن سبب اختياره لي، فقال: لأنك مختلف عني، فأنا ابن ثورة 1919، وأنت تنتمى لجيل ثورة 1952. أنا كاتب روائي، وأنت كاتب مسرحي، أنا اشتهرت بالأسلوب الواقعى فى الأدب، وأنت تميل إلى مسرح العبث، لذلك فالحوار بيننا سيكون ثريًّا، أنا لا أريد شخصًا يتفق معى فى كل شيء، وكل ما أقوله له يرد عليه بآمين!
هنا يحكى سلماوى عن صباح الأحد الذى تعثر فيه الأستاذ فى غرفة نومه ووقع على الأرض، فأصيب بجرح غائر فى مؤخرة رأسه، وتم نقله إلى مستشفى الشرطة الملاصق لمنزله، حيث تم عمل بعض الغُرز الجراحية لخياطة الجرح، كما يذكر الكاتب أن الرئيس مبارك كان من أول المتصلين للاطمئنان على صحة الأستاذ، وكذلك رئيس الوزراء أحمد نظيف وقتها، وكذلك عدد من كبار الكتاب والمبدعين.
مهارة أدبية
سلماوى يقول هنا أيضًا إن أديبنا الكبير رغم ما كان يمثله من مهارة أدبية واقتدار، ورغم ما كنا ننبهر وينبهر العالم معنا بكل ما تخطه يده من أعمال، إلا أنه ظل حتى النهاية حريصًا على سماع رأى الناس فى ما يكتب وكأنه كاتب مبتدئ يقوم بمحاولاته الأولى، ويريد أن يطمئن إلى رأى الآخرين فى ما يقوم به!
كذلك يضيف سلماوي، قاصدًا أحلام فترة النقاهة، أنه من شدة تواضع نجيب محفوظ أنه حين بدأ يكتب هذه الأحلام، وكان أحد زائريه يسأله عما يكتب الآن، كان يقول، وهو يشير بيده: أكتب أشياء صغيرة هكذا فى حجم الكف! وكنت أقول له: إن بعض ما هو فى حجم الكف يقتل مائة وألف! فيضحك دون أن يعلق.
أيضًا يتذكر محمد سلماوى هنا ما قاله الكاتب الفرنسى الكبير روبير سوليه: أنت الحكّاء الأكبر الآن فى العالم، ولقد أثرت، ليس فقط على القراء، إنما أيضًا على الكُتاب، كما يتذكر الشاعر الأمريكى لابان كاريك هيل وهو يروى له كيف أن رواية «الطريق» التى كتبها محفوظ عام 1964 وترجمت إلى الإنجليزية عام 1987، أى قبل فوزه بجائزة نوبل، قد غيرت مجرى حياته، كما يذكر أن مدير النشر فى دار لو روشيه الفرنسية جاءه يقول إنه قرأ فى الأهرام إبدو الترجمة الفرنسية لأحلام فترة النقاهة، وإنه لم يقرأ لها مثيلًا من قبل، ويطلب منه حق إصدارها فى كتاب فى فرنسا، فى الوقت الذى لم تكن قد صدرت بعد فى كتاب باللغة العربية.
محمد سلماوى يحكى هنا فى محطته الأخيرة أن الأستاذ لم يكن مدمنًا على أى شيء، حتى القهوة التى كان يحب أن يبدأ بها يومه لم يكن يتناول منها إلا رشفة أو اثنتين، ثم يضع الطبق فوق الفنجان ولا يقربها ثانية. أو قل، يقول الكاتب، إنه كان مدمنًا على النظام، فإذا تعوّد على شيء سار عليه دون تعديل أو تبديل.
رجل عملاق
هنا أيضًا نعرف أن محفوظ الذى لم يكن له مكتب خاص به فى الأهرام، وبعد فوزه بنوبل أُعطى مكتب توفيق الحكيم، ظل يجلس فى هذا المكتب على الأريكة التى كان يجلس عليها حين كان يأتى لزيارة الحكيم، ولم يجلس على مكتب الحكيم ولا مرة واحدة طوال حياته! هو نفسه محفوظ الذى قرر أن يتبنى جميع أبناء وطنه عوضًا عن ابنه الذى فقده جنينًا، وكثيرًا ما كان يسعى فى مساعدة كثيرين إذا ما عرف أنهم بحاجة إليه.
وتعليقًا على رد فعل نجيب محفوظ على بروفة المجموعة القصصية التى أهداها إليه فقرأها ودوّن ملاحظاته عليها قائلًا له: سمحت لنفسى أن أكتب لك بعض الاقتراحات على هذا النص، لكنى كتبتها بقلم الرصاص، فإذا لم تعجبك فبإمكانك أن تمحوها بالأستيكة.. المخلص نجيب محفوظ، يقول سلماوي: من ذا الذى يجرؤ على محو شيء كتبته يد نجيب محفوظ؟ لقد نفذت كل ملاحظاته كما كتبها، وأنا فى عجب من أمر هذا الرجل العملاق الذى لم يكن ليتردد فى أن ينحنى ليمد يد العون إلى شاب صغير ما زال فى بداية حياته الأدبية!
حين وصل نجيب محفوظ إلى سن التسعين، سأله محمد سلماوي: بماذا تشعر فى هذه السن؟، فأجاب: أشعر أننى فى محطة سيدى جابر، فحين كنت أسافر إلى الإسكندرية كل سنة كنت أنزل دائمًا فى المحطة الأخيرة المسماة محطة مصر، لكن حين كان القطار يتوقف قبلها فى محطة سيدى جابر كنت أدرك أنه لم يبقَ لى إلا محطة واحدة لأغادر القطار، وأنه لم يعد لديّ وقت إلا لألملم أشيائى وأستعد للنزول.
وبعد وصول نجيب محفوظ إلى محطته الأخيرة يكتب محمد سلماوى فيقول هكذا كان وسيكون نجيب محفوظ، وما علينا إلا أن ننظر للرواية العربية كما كانت قبله وكما أصبحت بعده لندرك حجم التطور غير المسبوق الذى صنعه للرواية العربية دون فخر ولا تفاخر، فهذا العملاق الذى قيدت له الأقدار كل أسباب الفخر والتفاخر كان أكثر خلق الله تواضعًا، ذاكرًا أول تعليق له حين فاز بجائزة نوبل: كان أساتذتى أحق بها مني، وفى الوقت الذى اعتدنا أن نقيس قيمة عظمائنا بمقدار مجاراتهم للغرب، قائلين إن فلانًا عظيم لأنه يكتب الرواية مثل تولستوى أو ديكنز أو فلوبير، فقد استطاع نجيب محفوظ أن يصنع للرواية العربية شخصية خاصة بين الروايات العالمية، حتى أن الباحث والناقد الأمريكى الكبير روجر ألن يقول إن محفوظًا نجح فى إيجاد ما يمكن أن يُطلق عليه «الرواية العربية» كتقليد أدبى قائم بذاته أسوة بالرواية الروسية أو الفرنسية أو الإنجليزية التى لكل منها خصائصها.
فى الأخير كم أتمنى أن يقرأ هذا الكتاب كثيرون، خاصة هؤلاء الكتاب الذين لا يرون على الساحة الأدبية سواهم، ظانين أنفسهم أنهم أتوا بما لن ولم يأتِ به الأوائل، ناظرين إلى أعمال سواهم وكأنها تفاهة تتحدث عن نفسها..لكل هؤلاء أقول لهم اقرأوا أعمال نجيب محفوظ، واقرأوا سيرته لتعرفوا أن أهم ما يمكن أن يمتاز به كاتب على وجه الأرض هو التواضع، لا الكِبْر المزيف، ولا تنسوا أن « النفخة الكدابة» سكين أول ما تقتل ستقتل صاحبها الذى يرى نفسه مُنزهًا عن كل عيب كما لو كان إلهًا للجميع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.