تزامنًا مع تشكيل الحكومة الإسرائيلية الحالية فى 20 ديسمبر 2022، انفتحت المنطقة على مخاطر إقليمية غير مسبوقة، فرضها اليمين المتطرف بقيادة بنيامين نتانياهو على عديد الملفات، بداية من إشعال الأوضاع فى الأراضى الفلسطينية المحتلة، ومرورًا بتسخين خطوط تماس الطوق الإسرائيلى، ثم استفزاز ما يُعرف ب«الساحات المتصلة»، لاسيما الحوثيين فى اليمن، و«حزب الله» فى الجنوباللبناني، والمليشيات الموالية لإيران فى سورياوالعراق. وإذا كان عدوان إسرائيل على قطاع غزة هو العنوان الأبرز فى قتامة الوضع الإقليمى، والمحرِّض الرئيس على تنامى نذر حرب شاملة، خاصة فى ظل عمل تل أبيب على تهجير سكان القطاع إلى سيناء، فالواقع يشى بضلوع إسرائيلى مبكِّر فى إرباك واقع المنطقة، الذى عبرت جبهاتها عن رفض ممارسات اليمين المتطرف، وتجاوزاته فى ملفات بالغة الحساسية من بينها: توسيع رقعة الاستيطان، وتهويد الأرض المحتلة، والمساس بقدسية المسجد الأقصى. وفى ظل صمت نتانياهو المكبَّل من البداية باتفاقات ائتلافية، اتسعت صلاحيات أعضاء حكومته، وفرضت قرارات أحادية، أشعلت الداخل والخارج الإسرائيلى وفيما رفع تكتل «الصهيونية الدينية» قرونه بسن تشريعات التغوُّل على السلطة القضائية، وتحصين المتشددين دينيًا (الحريديم) من الخدمة الإلزامية فى جيش الاحتلال، ما أفضى إلى تآكل جبهة إسرائيل الداخلية، وتسيير تظاهرات يومية أمام مقر رئاسة الوزراء الإسرائيلى وضعت قرارات اليمين غير المسئولة المنطقة على فوَّهة بركان، حين رفعت وتيرة التحرش عسكريًا بجبهات المنطقة، لاسيما سوريا، ولبنان، واليمن، وإيران، وصعَّدت معدل الاغتيالات بين صفوف «محور المقاومة»، وانتهكت بداعى الدفاع عن النفس سيادة دول المنطقة. اقرأ أيضا| نتنياهو وجالانت.. خلافات تهدد استقرار الحكومة الإسرائيلية ولا يقف التذمُّر من ممارسات حكومة نتانياهو عند الجبهات الإقليمية، وإنما امتد أيضًا للبيت الأبيض، الذى حذر من إشعال حرب فى منطقة الشرق الأوسط إثر تجاوزات تل أبيب، واعتزامها فتح جبهة جديدة فى الجنوباللبنانى. ونقلت صحيفة «هاآرتس» مباحثات بهذا الخصوص مع وزير الدفاع الإسرائيلى يوآف جالنت خلال زيارته الأخيرة لواشنطن، مشيرة إلى أن «الأمريكيين حذروا الوزير من خطورة اندلاع حرب شاملة مع «حزب الله»، وانضمام إيران إليها، إذا واصلت إسرائيل مناوشاتها العسكرية فى جنوبلبنان». وجاء التحذير الأمريكى بعد تلقى مسئولين كبار فى واشنطن عرضًا إسرائيليًا، يؤكد اعتزام تل أبيب تنفيذ مناورة برية بداعى إبعاد عناصر «حزب الله» عدة كيلومترات عن السياج الحدودى، لكن تقديرات الCIA أكدت أن «فرص تنفيذ مثل هذه العملية دون تطور صراع واسع النطاق منخفضة للغاية». ورغم جهود التهدئة التى تبذلها الإدارة الأمريكية عبر موفدها عاموس هوخنشتاين، تصر حكومة نتانياهو على جر إسرائيل إلى مواجهة شاملة، حذرت كوادر تل أبيب من تبعاتها، فبحسب البروفيسور عومير دوسترى، وهو باحث فى «معهد القدس للاستراتيجية والأمن»، تفضى الحرب الشاملة مع «حزب الله» إلى عواقب وخيمة، تحول دون تحصين جبهة إسرائيل الداخلية. وأكد فى سياق لقاء مع صحيفة «معاريف» العبرية: «يمتلك «حزب الله» أكثر من 150 ألف صاروخ بعيدة المدى، فضلًا عن مئات الصواريخ بالغة الدقة فى إصابة الهدف، ومخزون كبير من الصواريخ المضادة للدبابات، وأساطيل من المسيَّرات، وقدرات جيدة مضادة للطائرات». وإلى جانب تقديرات أمريكية لا تستبعد انضمام إيران إلى حرب شاملة بين إسرائيل و«حزب الله»، أشار تقرير نشرته قناة «أخبار 12» الإسرائيلية إلى أنه فى ظل التصعيد الإسرائيلى المتزايد فى الشمال، تطرح مليشيات موالية لإيران فى العراق على الطاولة إمكانية الانضمام إلى القتال فى لبنان بجانب «حزب الله» حال نشوب حرب شاملة مع إسرائيل. ونقلت القناة العبرية ما وصفته بتسريبات موثقة، تؤكد معلوماتها «اجتماع ضابط كبير من الحرس الثورى الإيرانى فى بغداد مؤخرًا مع كبار مسئولى «الإطار التنسيقى» (معسكر الفصائل الشيعية الموالية لإيران)، وممثلين عن المليشيات ذاتها، وناقش الاجتماع «أفكارًا» يمكن من خلالها دعم «حزب الله» حال اندلاع حرب شاملة مع إسرائيل». واحتدم الصدام بين حكومة تل أبيب والإدارة الأمريكية حين أعلن نتانياهو أن «تأخير وصول شحنات الأسلحة الأمريكية إلى إسرائيل، يزيد فرص اشتعال حرب شاملة مع «حزب الله». وفيما اعتبرته واشنطن ابتزازًا غير مقبول، رد رئيس قيادة أركان الجيش الأمريكى، الجنرال تشارلز براون، بأن بلاده لن يمكنها الدفاع عن إسرائيل حال اندلاع حرب شاملة مع «حزب الله».