مع شن إسرائيل حربها على قطاع غزة قبل نحو 10 أشهر لم يكن الضحايا فقط من المدنيين الفلسطينيين أو البنية التحتية للقطاع، وإنما أصابت قذائف الاحتلال الاقتصاد العالمى برمته، بعدما أدت التداعيات الإقليمية للحرب إلى الإضرار بحركة الملاحة فى البحر الأحمر وقناة السويس التى تعد شرياناً مهماً لمرور 12% من حركة التجارة العالمية بما يمثل 30% من إجمالى حركة الحاويات العالمية. بلغت هجمات جماعة الحوثى اليمنية على السفن المارة فى البحر الأحمر أكثر من 130 هجوماً بين نوفمبر 2023 ومطلع أبريل الماضي، ما أجبر الكثير من الشركات على تجنب مسار المرور الأقصر بين أوروبا والشرق الأقصى، والتوجه إلى الدوران حول القارة الإفريقية عبر مسار رأس الرجاء الصالح، وهو ما تبعه تأخير الشحنات وزيادة التكاليف، فبسبب المخاطر الأمنية المتزايدة ارتفعت تكلفة التأمين على السفن والبضائع المارة عبر ذلك المسار الذى ينتشر فيه القراصنة خاصة فى سواحل القرن الإفريقي، وهذا الارتفاع فى التكاليف انعكس على أسعار السلع العالمية. كذلك، أدت التوترات فى البحر الأحمر إلى زيادة أسعار النفط بنسبة وصلت إلى 7% منذ بداية العام الجاري، كما تؤثر تلك التوترات على سلاسل التوريد العالمية، حيث إن أى تعطيل فى حركة التجارة عبر البحر الأحمر يمكن أن يؤدى إلى تأثيرات سلبية على سلاسل التوريد العالمية، مما يسبب تأخيرات فى وصول السلع إلى الأسواق ويؤثر على التصنيع والإنتاج فى مختلف أنحاء العالم. اقرأ أيضا| دخان «لاءات» نتانياهو يخيم على رؤية «اليوم التالى» لغزة وعلى صعيد قناة السويس أهم ممر مائى تجارى فى العالم، فقد كشف الفريق أسامة ربيع، رئيس هيئة قناة السويس، فى مارس الماضي، عن انخفاض عدد السفن العابرة للقناة بنسبة 40% فى أول شهرين من العام الجاري، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي؛ وذلك نتيجة الأحداث الجارية فى البحر الأحمر . وأضاف أن حمولات السفن انخفضت بنسبة 55%، فى حين انخفضت عائدات الدولار بنسبة 50%. التداعيات الاقتصادية للتوتر فى البحر الأحمر تعد ملمحاً لما ألم بإقليم الشرق الأوسط من تراجع اقتصادى نتيجة الأزمات السياسية، حيث أدت تلك الأزمات إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية وعزوف المستثمرين الأجانب عن الدخول فى الأسواق المتأزمة، فضلاً عن تدمير البنية التحتية مثل الطرق، والجسور، ومحطات الكهرباء، مما يزيد من تكاليف إعادة البناء والتنمية، وزيادة معدلات البطالة والفقر. على سبيل المثال، ليبيا التى عرفت بأنها دولة نفطية ثرية أدى عدم الاستقرار السياسى بها إلى تداعيات اقتصادية واسعة وعميقة، فقبل الأزمة كانت ليبيا تنتج حوالى 1.6 مليون برميل يومياً، فيما انخفض الإنتاج إلى أقل من 200 ألف برميل يومياً فى بعض الأحيان، ما أدى إلى تراجع كبير فى الإيرادات النفطية التى تشكل العمود الفقرى للاقتصاد الليبي، كما شهدت البنية التحتية دماراً واسعاً يستلزم ضخ استثمارات ضخمة. وحسب البنك الدولى فقد شهد الاقتصاد الليبى انكماشاً كبيراً، فعلى سبيل المثال، فى عام 2014، انكمش الناتج المحلى الإجمالى بنسبة تقارب 24%، وفى سنوات أخرى، كانت معدلات النمو سلبية أو ضعيفة. بالنظر إلى إعادة الإعمار نجد أن التقديرات الأولية لإصلاح ما تضرر كبيرة للغاية وتفوق قدرة دول ومؤسسات المنطقة، إذ تصل تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة إلى 50 مليار دولار، وفق مدير المكتب الإقليمى للدول العربية لبرنامج الأممالمتحدة الإنمائى عبدالله الدردري، فى ظل وجود مليونى فلسطينى بلا مأوى وينتظرون إقامة منازل ومستشفيات ومدارس وغيرها. وحسب المسئول الأممى فإن برنامج التعافى المبكر الذى يلى انتهاء الحرب يتكلف مليارى دولار. وبذلك فإن نزيف الخسائر الاقتصادية لا يتوقف طالما استمرت النزاعات والحروب فى الشرق الأوسط، ما يجعل وقف تلك الحروب مرحلة أولى لمهمة صعبة هى إعادة الإعمار وتعويض الشعوب عما فقدته من ثروات خلال سنوات الأزمات.