يقاس نجاح الحكومة بقدرتها أولًا على تنفيذ برنامجها وتعهداتها وفق الأولويات التى طرحتها أمام مجلس النواب فى إطار برنامج زمنى حسب التكليفات الرئاسية، وثانيًا بمدى تفاعلها مع الشارع والرأى العام فيما يستجد من أحداث طارئة أو أزمات مفاجئة، ومخاطبة المواطنين «التواصل السياسى» على أن يكون لها السبق والمبادرة دون تأخير بما لا يترك فراغًا يمكن استغلاله أو تدخلات «ركوب الموجة» تستهدف المواطن بالتشكيك والحكومة بالتشويه. قد يبدو هذا الحديث من المسلمات التى لا تحتاج تأكيدًا ولكنى أظن أنها من الثوابت التى لا يمكن إغفالها ونحن نتحدث عن صفحة جديدة بدأتها بالفعل حكومة الدكتور مصطفى مدبولى منذ ساعات التكليف الأولى عقب حلف اليمين أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى، طموحات كبيرة وآمال عريضة، ستكون محل متابعة دؤوبة من مجلس النواب والشعب، ومحاسبة ومساءلة من القيادة السياسية. كانت الحكومة حريصة فى مشهد ظهورها الأول أن تكون مختلفة حديثًا وآداء، بخطاب سياسى عاقل وتوجهات واضحة لمعالم الطريق والمسارات القادمة، بدت الخبرات التراكمية واضحة فى بيان وتصريحات الدكتور مصطفى مدبولى، قراءة جيدة للتحديات، وبرامج للتعاطى معها، واختيار أولويات المرحلة وما تفرضها مستجدات الأحداث فى هذا الإقليم المضطرب، هى باختصار شديد [حكومة المواطن] التى ستتحدث إليه إعلاء لمفهوم المكاشفة والمصارحة باعتبارها أقصر الطرق لنيل ثقته ومشاركته فى صناعة القرار ليدرك حجم التحديات ويتفهم طبيعة الخيارات المطروحة وتداعياتها، فمع التطورات التى يشهدها المجتمع وطبيعة عصر التكنولوجيا، أصبحت الحكومة مطالبة بإدارة قراراتها وفّق المسؤولية الملقاة على عاتقها وأيضًا مع الأخذ فى الاعتبار ردود الأفعال المخلصة وليست المدفوعة سياسيًا، ومما أعلنه الدكتور مصطفى مدبولى بضرورة التواصل وبناء جسور ثقة قائمة على إعلام المواطن والحرص على لقاءات دورية مع الكتاب وكبار الصحفيين فى حوارات مفتوحة ستكون بمثابة الفريضة الحاضرة والتى تعكس تقدير الحكومة للسلطة الرابعة لتستعيد فاعليتها لتكون القناة الآمنة لتوصيل رسالتها لعموم المصريين، والصوت الرشيد للرأى العام بما يحقق مصداقيتها لمصلحة المواطن واستقرار الوطن. التواصل السياسى الفعّال والتسويق الصادق والاحترافى للأداء والسياسات والمشروعات، وما يتم تحقيقه وما يتطلبه ذلك من فواتير مستحقة، مفتاح نجاح الحكومة فى هذا الوقت الحرج، التواصل المباشر والصريح مع المواطنين، لشرح القرارات والاستماع لمشاكلهم واقتراحاتهم، وما تفعله منذ سنوات منظومة الشكاوى الحكومية التابعة لمجلس الوزراء فى هذا السياق من [متابعة ورصد وتواصل وحلول] يعد نموذجًا يستحق الإشادة والتقدير بلا شكّ بما يسهم فى تعزيز الثقة بين صانع القرار والمواطنين. تعمل الحكومة وفق فلسفة جديدة أعلنت عنها بوضوح من خلال مجموعات وزارية تتشابك الملفات فيما بينها، ومنظومة العمل سويًا وطرح القضايا فى حضور المعنيين يؤدى إلى قرارات سريعة ومدروسة وواقعية، وحسب هذا التوجه هناك جناحان لتنفيذ هذه الفلسفة: الأول هو التنمية البشرية بإشراف نائب رئيس الوزراء وزير الصحة الدكتور خالد عبدالغفار والثانى هو التنمية الصناعية بإشراف نائب رئيس الوزراء وزير النقل والصناعة الفريق كامل الوزير، وبحكم الموقع والصلاحيات سيكون الأداء مختلفًا والمردود إيجابيًا، فى النهاية، يظل السؤال الأهم: ماذا يتوقع المصريون من حكومتهم؟ ينتظر المواطنون تحقيق وعود التنمية وتحسين مستوى المعيشة، نجاح الحكومة فى الاختبار يعتمد على قدرتها فى الوفاء بوعودها وتطبيق برامجها بشكل فعال وواقعى. وفى ظل التحديات الاقتصادية ومتطلبات المواطن اليومية يظل الحفاظ على الأمن القومى هو العمود الفقرى لأى دولة تسعى لضمان الاستقرار والازدهار لمواطنيها. فى ظل التحديات المتزايدة التى تواجه العالم اليوم، من الضرورى أن يكون لدينا فهم عميق لأهمية الحفاظ على الأمن القومى بكافة أبعاده. الأمن القومى ليس مجرد مسؤولية الأجهزة الأمنية والعسكرية، بل هو مسؤولية مشتركة تشمل كل فرد فى المجتمع. يتطلب الأمر تكاتف الجميع، من الحكومة والمؤسسات إلى المواطنين، لضمان حماية البلاد من التهديدات الداخلية والخارجية. يساهم الأمن القومى فى توفير بيئة مستقرة وآمنة تُمكِّن من تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. التعليم والتوعية هما أساسان قويان لتعزيز الأمن القومى. من خلال توفير تعليم جيد وزرع القيم الوطنية فى نفوس الأجيال الصاعدة، نستطيع بناء مجتمع واعٍ بمسؤولياته ومستعد للتصدى للتحديات. الشباب المثقف والمدرك لأهمية الأمن القومى يكون أكثر استعداداً للمشاركة فى الحفاظ على سلامة بلده. التكنولوجيا تلعب دوراً محورياً فى الحفاظ على الأمن القومى. استخدام تقنيات المراقبة المتقدمة والذكاء الاصطناعى يمكن أن يساعد فى الكشف المبكر عن التهديدات ومنعها قبل أن تتفاقم. كما أن تعزيز الأمن السيبرانى أصبح ضرورياً لحماية البنية التحتية الحيوية والمعلومات الحساسة من الهجمات الإلكترونية. القضية الأخرى ذات الأولوية هى تجديد الخطاب الدينى الذى يعد ضرورة ملحة فى العصر الحديث فى زمن تشهد فيه المجتمعات تحولات جذرية فى كافة المجالات، يصبح من الضرورى أن يواكب الخطاب الدينى هذه التحولات ويعكس روح العصر. التجديد لا يعنى التخلى عن الثوابت الدينية، بل هو محاولة لإعادة تقديمها بأسلوب يتناسب مع مستجدات الحياة والتحديات المعاصرة. الخطاب الدينى التقليدى قد يكون غير قادر على التعامل مع قضايا الشباب والمجتمع الحديث، مما يجعله غير فعال فى تحقيق الاستقرار الاجتماعى والنفسى. إن تقديم تفسير عصرى يتماشى مع القيم الإنسانية ويعزز التسامح والتعايش السلمى أصبح مطلبًا حيويًا. هذا التجديد يجب أن يقوم على أساس الفهم العميق للنصوص الدينية، مع التركيز على جوهر الرسالة الدينية بدلاً من التمسك الحرفى بالنصوص. كما أن تجديد الخطاب الدينى يساهم فى مكافحة الفكر المتطرف والإرهاب، حيث يعمل على تقديم رؤية إسلامية معتدلة تدعو إلى الحوار والتفاهم. من خلال هذا التجديد، يمكن بناء جسور التواصل بين مختلف الثقافات والأديان، مما يعزز من السلم المجتمعى والتنمية المستدامة. وتكليف الدكتور أسامة الأزهرى بحقيبة الأوقاف يعكس رغبة من الدولة فى إدارة الملف بفقه مستنير ورؤية واقعية وضوابط شرعية بالتعاون مع مؤسسته الأزهر ودار الإفتاء المصرية العلماء وبالتنسيق مع المؤسسات التثقيفية والتعليمية والإعلامية ووزارة الشباب والرياضة. وفى الوقت نفسه، يجب أن نعمل على تعزيز الوحدة الوطنية. التماسك الاجتماعى والاقتصادى يسهم فى تعزيز الأمن القومى، حيث إن الشعور بالانتماء والوحدة يجعل المواطنين أكثر حرصاً على حماية بلدهم. توفير فرص العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية هما من الأدوات الفعالة لمكافحة التطرف والجريمة. فى النهاية، الحفاظ على الأمن القومى يتطلب جهدًا جماعيًا وتعاونًا مستمرًا بين جميع أفراد المجتمع. كل مواطن له دور فى حماية الوطن، وكل مساهمة تُعدّ لبنة فى بناء مستقبل آمن ومستقر. بالعمل معًا، يمكننا أن نضمن سلامة وطننا واستقراره للأجيال القادمة. نيل ثقة البرلمان والمواطنين يتطلب من الحكومة المصرية التزاماً بالشفافية، والواقعية فى التخطيط، والمشاركة الفعالة، والاستجابة السريعة للأزمات، والعدالة فى تطبيق القوانين، وتحقيق نتائج ملموسة. هذه العوامل مجتمعة تشكل الأساس الذى يمكن للحكومة من خلاله بناء الثقة المتبادلة مع النواب والمواطنين، مما يضمن لها الشرعية والاستقرار والدعم المستمر. وإذا كانت التكليفات الرئاسية للحكومة محددة وفلسفة العمل والمنهج والمسار واضحة، ومطالب المواطنين معلومة سلفًا، ماذا عن المواطن وواجبه ومسؤولياته تجاه الحكومة لتفى بوعودها وتنجح فى تجاوز التحديات؟ الثقة وعدم التربص والصبر، ربما لا يحتاج المسؤولون أكثر من هذا ليقوم بمهامه المكلف بها، إتاحة هذا المناخ يدفع المسؤول نحو العمل واتخاذ قرارات شجاعة دون تردد. أعتقد أن هذه الرؤية كفيلة أن تجعلنا جميعًا جبهة واحدة وإن تعددت وجهات النظر أو تباينت الآراء، بما يقطع السبل على من يستهدفون تماسك الجبهة الداخلية وتسميم المناخ العام، وإشاعة الإحباط واليأس، وفضلًا عن ذلك كله وقبله هذا هو حق الموطن فى جمهورية جديدة ترفع شعار [الإنسان أولًا] حلم نسعى إليه وطموح مستحق، وهذا الطموح نفسه هو بمثابة مسؤولية وتحد كبير، فنحن منذ سنوات على موعد مع ارتفاع سقف الطموحات المصرى، الجميع يطالب، ينتظر، يترقب، يطمح للأفضل وهذا حق، وأمر يدعو للتفاؤل، ولكن هذا الطموح وهذا الحلم يجب أن تكون له جذور، وليست مجرد أحلام طائرة فى الهواء، طموح بنّاء يستند إلى واقع و طبيعة الظروف المتاحة وإلا تحول الحلم إلى كابوس والطموح إلى ورطة. إلى كابوس والطموح إلى ورطة.