جاءت الانتخابات الأوروبية بنتائج مثيرة ومفاجئة لم تكن متوقعة ، وسوف تؤدي إلى تغييرات حقيقية وملموسة في مجمل السياسات الأوروبية ، تجاه أمريكا ، و تجاه العالم أجمع . الانتخابات جاءت بنتائج غير متوقعة ، وعكس ما جرت عليه الأمور والحياة السياسية في دول الغرب الأوروبي على مدار ال 30 عاما الماضية ، ففى إنجلترا ، فاز حزب العمال اليسارى ، وعاد إلى السلطة بعد غياب استمر 14 عاما . وفى فرنسا حقق تحالف اليسار الفرنسي انتصارا مفاجئا فى الانتخابات التشريعية . وشهدت باقي البلدان الأوروبية صعودا لبعض قوى اليمين الوطني القومي المتطرف ، مما يشكل ملامح سياسية جديدة لأوروبا تجاه العالم أجمع . وبنظرة أولية للانتخابات الأوروبية ، نستطيع أن نستخلص منها عدة حقائق ، أنها شهدت رغبة جامحة نحو التغيير ، وعكست حالة المعارضة والرفض التي اتسع نطاقها في الدول الأوروبية مؤخرا . وعبرت بشكل أو بآخر ، عن رفض متصاعد لسيطرة قوى اليمين التقليدية المرتبطة بأمريكا على مقاليد الأمور . وجاءت هذه التغييرات انعكاسا لحدثين مهمين ، وقعا في العامين الأخيرين ، وهما الحرب الروسية الأوكرانية ، والحرب الإسرائيلية فى غزة بتداعياتها الهائلة على مختلف دول العالم ، وعلى رأسها بالتأكيد دول أوروبا ، خاصة وأن أوروبا وجدت نفسها ، تُستنزف وتدفع بالمال والجنود والعتاد في حروب ، جعلتها تعاني من خطر أو شبح الإفلاس . ومن هنا فإن أوروبا ، وجدت نفسها تقاتل وتحارب في حروب قد لا تكون لها فيها مصلحة مباشرة ، وإنما هي حرب مشاركة بالوكالة مع السيد المهيمن الأمريكي ، ومع تبعات وعضوية حلف الناتو الغربي . وبالتالي ، فإن كل هذه العوامل مجتمعة ، كانت سببا رئيسيا ودافعا قويا فى حركة التغيير في أوروبا ، حسب ظروف كل دولة على حدة ، فدولة اختارت طريق اليسار لأنه الأقوى في الشارع ، ودولة ثانية اختارت طريق التيار القومي المتطرف ، ودولة أخرى اختارت طريق الوسط ، ولكنها كلها ، تعبر وبأشكال مختلفة عن حالة الغضب والرفض والبحث عن طريق ينقذ القارة العجوز ، مما تُجر إليه من مجهول ينتظرها لو استمرت الأحوال على الجبهتين الأوكرانية والفلسطينية بهذا الشكل ، خاصة وأن هذه الحروب تحمل نذر إشعال حرب عالمية لا تُبقي ولا تذر ، وبالتالي ستكون أوروبا أول من تُدمر تدميرا شاملا في حالة إشعالها. ولا يجوز أن نتناول الإنتخابات الأوروبية بشكلها العام ، دون أن نركز بالدرجة الأولى ، على أهم دولتين وأكثرها التصاقا واقترابا من وطننا العربي ، وهما بريطانياوفرنسا. فبريطانيا صعد فيها حزب العمال لأول مرة بعد 14 عاما على حكم المحافظين التقليدي الذي خيم على البلاد طوال هذه المدة ، و لكن صعود حزب العمال البريطاني قد يأتي معه بإصلاحات حقيقية في الداخل البريطاني تعود على المواطنين هناك بالنفع والخير ، وقد تحسن من أوضاعهم وظروفهم ، وتعالج بعض مشكلاتهم ، ولكنها في المجمل لن تشكل أي عامل ايجابي فيما يخص قضية الصراع العربي الإسرائيلي الذي يجري ويدور على أرض فلسطين العربية. فالسياسة الخارجية البريطانية وخاصة فيما يخص الصراع العربي الإسرائيلى ، والتبعية الكاملة لأمريكا ، تكاد تكون متطابقة تماما بين الحزبين ( العمال والمحافظين) ، وبالتالي فلا ننتظر تغييرا إيجابيا ملموسا في الموقف البريطاني تجاه القضية الفلسطينية ، إلا ربما على مستوى التغيير اللفظي ، أو التغيير في بعض العبارات ، أو بعض الجمل . ولن يتغير الموقف أكثر من ذلك خطوة واحدة . أما صعود اليسار في فرنسا قد يسهم في تقليل انحياز ماكرون الأعمى لإسرائيل وانضمامه الكامل قلبا وقالبا إليها ، و قد يسهم أيضا في الحد من الأسلحة الفرنسية المتدفقة عليها ، ضمن مجمل الأسلحة الغربية ، البريطانية والأمريكية والألمانية والإيطالية وغيرها ، التي تنهمر على تل أبيب منذ بداية الحرب، اليسار الفرنسي يأخذ موقفا وسطا بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلي ، فهو لا ينحاز للفلسطينيين بشكل كامل ، ولا يعادي إسرائيل . هذه هي الحدود التي تحكم الموقف الفرنسي ، خاصة وأن فرنسا قد تُقاد في المرحلة المقبلة بنظرية لا غالب ولا مغلوب عن طريق اقتسام السلطة بين تحالف اليسار (الجبهة الشعبية الجديدة) وحزب "النهضة" برئاسة ماكرون . علينا أن نراقب الأوضاع عن كثب ونُقيمها ، ونكون مستعدين للتعامل مع أي حدث دولي أو عالمي أيا كان . [email protected]