أتمنى أن تصبح الثقافة هى المشروع القومى لمصر وأن يتم التخطيط لذلك على أيدى الخبراء سألنى صحفى بعد حلف اليمين من أعضاء الحكومة الجديدة، والذى جرى صبيحة الأربعاء الماضى: ما الذى تتوقعينه من وزير الثقافة الجديد باعتبارك كاتبة ومثقفة مصرية؟ قلت له: أريد وزيرًا يؤمن بأن الثقافة خبز يومى يحتاجه كل مواطن ليحيا كإنسان. أن يفكر فى استراتيجية شاملة تلبى الاحتياجات الأساسية للمواطن، تتمثل فى منتجات ثقافية مشبعة، غنية بالمعنى، ممتعة، جذابة، تنمى العقل، ترتقى بالفكر، تحفز قنوات الإبداع والابتكار فى كل جوانب حياته. أريد من وزير الثقافة أن يجعل من الحدائق الملحقة بالميادين العامة فى كل المدن والمحافظات المصرية ساحات للعروض الفنية غناء، فنون شعبية، مسرح، فنون تشكيلية، تلك التى نشاهدها بانبهار فى زياراتنا إلى أوروبا، ونحزن لأننا لا نملك هذا المشهد الحضارى الجميل المبهج فى شوارع وميادين مصر، بلد الحضارة، الفن، والفكر. أريد من وزير الثقافة أن يضع خطة سريعة لتدشين دار سينما على الأقل فى كل نجع وكل قرية، وألا تخلو مدينة فى كل محافظات مصر من فاعلية ثقافية أو أكثر شهريًا. أن تعود مسارح الدولة إلى عصرها الذهبى، ويعود مشروع «القراءة للجميع» إلى الزخم والقيمة والتفاعل الذى كان يحظى به فى بداية إطلاقه أيام الدكتور سمير سرحان رحمه الله. أن تنتشر مسابقات القراءة والكتابة فى ربوع مصر، وأن يتم تقديم الكتاب باعتبارهم نجومًا كما كنا فى السابق، وليس كمالة عدد كما هو كائن الآن. أن تشتبك استراتيجية الثقافة باستراتيجية التعليم، واستراتيجية الإعلام. فتعود حصة القراءة أساسية، ونشاهد على شاشات التليفزيون برامج على غرار نادى السينما وجولة الكاميرا وأوسكار، وفن الباليه. يتم تقديم تلك البرامج بأسلوب عصرى، وإنتاج متميز بالتعاون مع شركة المتحدة، ويتم ذلك وفقًا لخطة مدروسة لجذب الشباب إلى حلبة القراءة والثقافة والمعرفة. أن يفكر فى حملات إعلامية لرفع مستوى التذوق عند المواطن الذى تشتت انتباهه، تحت إلحاح السوشيال ميديا وشركات الدعاية التجارية. كذلك أن يتعاون مع الإعلام فى إعادة القيم المفقودة وأهمها احترام قيمة العمل والوقت. الاتقان فى العمل وحب التفرد والتميز، احترام القانون وعدم التحايل عليه والتفنن فى اختراقه، الحفاظ على المنشآت العامة كأنها خاصة، والحفاظ على النظام فى الشارع، بدلا من السيرك الذى نراه فى مشهد المركبات التى تسير فى شوارع القاهرة وتتداخل، وتخلق أزمات مرورية طاحنة فقط لأن مزاج سائقيها أن يسيروا عكس الاتجاه. القيم التى تزرعها الثقافة فى ضمير المواطن عبر مؤسسات الدولة المختلفة وأهمها وزارات التعليم، الإعلام، الثقافة، الشباب، الأوقاف هى الضمانة الوحيدة للحفاظ على المكتسبات والإنجازات التى تتحقق فى بلادنا، إحساس المواطن أن تلك المبانى، الطرق، المنشآت، المرافق هى جزء من ممتلكاته، وإنها وسائل تسهل حياته وتجعلها أفضل وأسهل، تلك الثقافة هى التى تبنى الأمم، وتخلق الولاء للعلم والوطن. من هذا المنطلق أتمنى أن تصبح الثقافة هى المشروع القومى لمصر وأن يتم التخطيط لذلك على أيدى خبراء، مهمومين بالثقافة، مؤمنون بها كجسر أساسى تعبر من خلاله الأمم من ظلام التخلف إلى أنوار التقدم والرقى. فالثقافة هى الحياة مكتملة، كيف يتعامل الإنسان مع نفسه أولًا باحترام وتقدير، كيف يطورها، وينمى مهاراتها، ويرتقى بها؟ كيف يتعامل مع الآخرين بصدق واحترام وقبول للاختلاف الذى لا يفسد للود قضية، كيف يعطى من نفسه وروحه للعمل الذى خلقه الله ليؤديه، كيف يعطى للآخرين بحب ويحقق السعادة بالرضا عن نفسه؟ هذا باختصار ما أتوقعه من وزير الثقافة الجديد د. أحمد هنو.