■ كتبت: آية محمد عبد المقصود "يا مصر وانتى الحبيبة وانتى اغترابى وشقايا.. وانتى الجراح الرهيبة وانتى اللى عندك دوايا .. علمنى حبك عبارة سهلة وبسيطة وعفية.. شرط المحبة الجسارة .. شرع القلوب الوفية" ... مثلما عرف المصريون القدماء الموسيقى التى نقشت على جدران المعابد، عرف الجمهور منير بحبه و ولعه الشديد لمصر، فلم يغنى أغنية إلا وكانت ترجمتها وطن. لم تكن موهبته التى تفرد بها على مدار أكثر من 50 عام موهبة عادية فحسب، بل كانت موسيقاه وكلمات أغانيه وتلقائيته هى بوابة العبور لقلوب محبيه، ذلك الشاب الأسمر الذى جاء من الجنوب حاملا معه مشروعا فنيا كاملا، نسج من خلاله خليطا من الموسيقى النوبية والشرقية والغربية معا. لم يكتفى منير بنجاحاته غير المسبوقة التى حققها فى مجال الغناء آنذاك، بل اتجه للتمثيل كبوابة أخرى للكشف عن موهبته التمثيلية التى تتوازى مع الحضور الغنائى الكبير. وعلى مدار تاريخه الفنى شارك ب 3 أعمال مسرحية فقط، ولكنهم حققوا نجاحا كبيرا لا يقل عن نجاح ألبوماته الغنائية، وتنتمى هذه العروض إلى المسرح الغنائى، وهو يعد شكل من أشكال الفنون المسرحية يجمع بين عناصر الموسيقى والأغنية والاستعراضات الراقصة والحوارات المنطوقة. فى عام 1988 شارك منير فى قطاع مسرح الدولة بالعرض المسرحى "الملك هو الملك " من تأليف الكاتب السورى سعد الله ونوس ومن إخراج منير مراد، والتى عرضت للمرة الأولى فى الاسكندرية، وتعد هذه المسرحية هى أكثر أعمال الكاتب تكثيفا لآرائه السياسية، والتى تدور أحداثها عن قصة ملك ضجر بأبهة الحكم فيقرر أن يتنكر هو و وزيره بحثا عن ترفيه بين العامة، فيلتقي بتاجر قد أفلس يمضي وقته في شرب الخمر والهذيان ويحلم بأنه الملك، فيقرر الملك أن يلبسه ثيابه ويجعله ملكا ليوم حتى يضحك من هذا المشهد الغريب، ولكن الجميع يتصورون أن التاجر هو الملك بما في ذلك الملكة وحراس القصر، ويكتشف التاجر مؤامرة لقلب الحكم في ذلك اليوم، مما يرسخه أكثر فوق كرسيه، ويجد الملك نفسه ضحية لعبة ترفيهية. المسرحية من أشعار الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم الذى استطاع أن يضع لمسته على محمد منير بصورة لا تمحى أبدا، حيث أنه وضع منير فى شكل غنائى جديد يتسم بالعمق والوعى أكثر والأهم أنه يؤكد على المكان الذى وضع محمد منير نفسه فيه "المنتمى للشعب"، وما يميز كلمات "نجم" التى قدمها لمنير أنها تحمل دلالة ربما تكون مفهومة وتقريبا معروفة ومع ذلك تحتفظ برمزيتها، وعندما يلتقى ذلك مع "منير" المعروف ببساطته وانتمائه للبسطاء من الناس تكتمل القصة، خاصة أن دور محمد منير فى المسرحية هو الثائر المتمرد الرافض للطغاة والظالمين. وتعتبر المسرحية أول عرض يقدم للكتاب سعد الله ونوس فى مصر على نطاق واسع وحقق نجاحا نقديا وجماهيريا كبيرا وقتها، وأعيد عرضه مرة أخرى عام 2006. العرض يحمل داخله ذلك المزج العبقرى النادر بين الصبغة الشعبية والصبغة الفلسفية، بين التركيب الدرامى البنائى شديد التعقيد والبراعة، وبين الحبكة البسيطة السهلة. شارك فى العرض الفنان الكبير الراحل صلاح السعدنى، فايزة كمال، حسين الشربينى، لطفى لبيب، على حسنين. اكتسب منير لقب "الملك" بعد عرض المسرحية، خاصة بعد صدور ألبوم كاسيت يضم أغانى المسرحية وصدر 14 طبعة وانتشر عربيا بشكل كبير آنذاك، حيث قدم منير 12 أغنية فى المسرحية، هى "على عليوة، الله يا دايم، تيك تيك، حادى بادى، حالاقاتك، شروم بروم، طفى النور، طنوش، عطشان، موال الصبر، يامه مويل الهوى، يا مصر". لم تكن مسرحية "الملك هو الملك" التجربة الأولى لمنير، بل قدم فى نفس العام أيضا 1988 العرض المسرحى " ملك الشحاتين" من تأليف الشاعر الراحل نجيب سرور ومن إخراج عبد الله الشيخ.، وهي كوميديا غنائية مقتبسة عن أوبرا "القروش الثلاثة" لبرشت و"الشحاذ" لجون جاي، تدور أحداث المسرحية عن أن البطل يعمل في عدة أعمال شاقة وفي النهاية لا يخرج منها بفائدة مع الغش ومضايقته في العمل، فيشاهد المتسولين وما يحققونه من مبالغ كبيرة فيفكر في هذا العمل ويجمع عدة أشخاص ليكونوا معه ويكون زعيم الشحاتين. شارك فى البطولة كل من سعيد صالح، لطفى لبيب، صابرين، سعاد نصر ، سعيد طرابيك. وقدم منير خلالها عدد من الأغانى أشهرها "ابن ماريكا" والتى أصبحت من أشهر أغانية بعد ذلك. وبعد انقطاع دام 7 سنوات عن المسرح عاد منير مرة أخرى فى عام 1995 بالعرض المسرحى "مساء الخير يا مصر" الذى عرض على المسرح العائم، من تأليف الكاتب الراحل محسن مصيلحى وإخراج ناصر عبد المنعم وشاركه البطولة سوسن بدر، أحمد صيام ، محمد عوض. وروى المخرج الكبير عصام السيد مدير المسرح آنذاك فى حديث له من قبل عن هذا العرض تحديدا، حيث أن مصر فى ذلك الوقت كانت تعانى من هجمات إرهابية بشكل مستمر وكان هناك اتجاه لتحويل المسرح إلى مركز ثقافي وليس مجرد دار عرض يشاهده الجمهور فقط، وتحول المكان لمركز ثقافى له إشعاع خاص، فتم تجديد المسرح وكان هناك ما يسمى بمشروع الجريدة الحية، بمعنى أن يقدم عرض صغير قبل العرض السواريه، عمل نقدى قصير "كباريه سياسي" كان بمثابة نشرة أخبار المسرح الكوميدي، وحينها كان يذاع برنامج "صباح الخير يا مصر" فسمى العرض "مساء الخير يا مصر" باعتباره سيعرض عكس ما يراه المواطن نهارا.. العمل كان يحمل نقدا لاذعا للدولة وتهدد العرض بالتوقف، قدم لثلاثة أشهر ونجح للغاية ويرجع جزء من هذا النجاح لوجود محمد منير مطربا بالعرض. ◄ اقرأ أيضا | وزيرة الثقافة تكشف تفاصيل ظهور محمد منير مصابًا بحفل «ليالي سعودية مصرية» يقول المخرج المسرحى حسام الدين صلاح عن تجربة محمد منير المسرحية : تجربة محمد منير على خشبة المسرح هى تجربة رائعة واستثنائية وخاصة جدا بكل المقاييس، فعلى الرغم من تقديمه لثلاث عروض فقط، إلا أن تأثيرها ونجاحها كان كبيرا من حيث الجماهيرية، فبداية منير المسرحية كانت بالعرض المسرحى "الملك هو الملك" التى عرضت على خشبة مسرح السلام وحققت نجاحا جماهيريا ونقديا بشكل كبير، وكان هذا العمل حدث فنى ضخم آنذاك، حيث كان إضافة فنية للعرض، وفى هذا العرض تحديدا "الملك هو الملك" انتصر منير على خجله حيث إنه شخصية خجولة إلى أبعد مدى، بالإضافة إلى أنه قدم من خلال هذا العرض عدد كبير من الأغانى التى تتسم بالشجن والتى لاقت نجاحا كبيرا آنذاك، حتى أن أغانى المسرحية كانت تتردد فى شوارع وسط البلد، وماتزال تعيش هذه الأغانى فى وجدان محبى وعاشقى منير إلى الآن، فمنير يعتبر إضافة للمسرح وأحدث حالة من الزخم، وهو يعتبر أيضا ظاهرة فنية موسيقية لم ولن تتكرر مرة أخرى من وجهة نظرى، منير يعتبر أول من أدخل لون غنائى جديد على الموسيقى المصرية بشكل عام، جاء من جنوب مصر بثقافة غنائية مختلفة، أدخل إيقاعات جديدة على الموسيقى، مزج بين التراث الشعبى فى الجنوب وبين المزيكا الغربية، فإذا تأملنا تجربة محمد منير التمثيلية على المسرح نرى أنه كان حالة استثناسية استطاع أن يحقق المعادلة الصعبة فى التمثيل والغناء، وأخيرا نستطيع أن نقول أن السبب الرئيسي فى نجاح هذه العروض هو وجود منير بها، فكانت الجماهير تتهافت عليه منذ دخوله من باب المسرح إلى أن يغلق الستار. ويقول المخرج المسرحى محمد الخولى : مسرحية "الملك هو الملك" هى السبب الرئيسى فى إطلاق الجماهير لقب الملك على الفنان الكبير محمد منير، فنجاح المسرحية كان نجاح مدوى وكانت هناك ظاهرة لم تحدث فى تاريخ المسرح المصرى وقتها، وهى رفع المسرح لافتة كامل العدد من أول يوم عرض حتى آخر يوم، وكان هذا بسبب وجود محمد منير داخل العرض، بالإضافة إلى وجود نجوم كبار مشاركين فى البطولة، ولكن لا يمكن أن ننكر أن جماهيرية منير التى مازالت وحتى الآن لا يضاهيها أى جماهيرية نجم آخر، فمسرحية "الملك هى الملك" على وجه التحديد كانت ظاهرة مسرحية، حتى عندما تولى الفنان اشرف زكى رئاسة البيت الفنى للمسرح أول شئ فكر فيه هو إعادة العرض مرة أخرى كى يستطيع أن يعيد الجمهور إلى المسرح، وأعتبر أن هذا العرض هو "فاتحة خير" على محمد منير، وتاريخ نجوميته ظهر بعد أو ربما بالتوازى مع مسرحية "الملك هو الملك" تحديدا لأنه قدم عرضين أيضا، هما "ملك الشحاتين" و"مساء الخير يا مصر" ولكن لم يحققا نفس النجاح الجماهيرى الذى رأيناه فى "الملك هو الملك". وأكد الخولى أن العرض إذا أعيد مرة أخرى سيحقق نفس النجاح الذى حققه من قبل وربما أكثر لأن " الزمن تغير " وأصبح هناك وعى مسرحى لدى الجمهور، واصبح للمسرح جمهور خاص به خاصة فى الفترة الأخيرة.