■ كتبت: دينا توفيق أثارت المناظرة الرئاسية الأمريكية الأولى التي جمعت الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن، وسلفه دونالد ترامب، عدة تكهنات، خاصة مع تفوق الأخير وتعثر الأول فى الكلام، حول ما يمكن أن يحدث لو فاز ترامب برئاسة الولاياتالمتحدة مرة أخرى.. مزيج من القلق والتوقعات بالسيناريوهات الأسوأ التى قد تعصف بالقوى العظمى، إذا عاد ترامب إلى البيت الأبيض. يمكن تصوُّر العديد من السيناريوهات النقدية والسلبية التى قد تحدث فى حال توليه الرئاسة، ما يستدعى التأمل العميق في تأثيراتها المحتملة فى الولاياتالمتحدة والعالم بأسره. في عام 2016، حقق ترامب فوزًا مفاجئًا فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ليصبح الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة؛ حينها تنبأت هذه الانتخابات بفترة استثنائية من الجدل والتحولات، حيث خلق ترامب توقعات وتوترات لم تشهدها البلاد من قبل، سواء داخليًا أو على الصعيد الدولى. وعندما تحلل الأحداث السياسية الأخيرة، يبدو أن المستقبل قد يكون أكثر تعقيدًا وضبابية مما كان عليه فى الماضى. ترامب، بطبيعته ونهجه السياسى المثير للجدل، يمكن أن يفجر أزمات جديدة ويعكر صفو العلاقات الدولية، فى حين أن بعض التقديرات قد تبدو مفرطة فى التشاؤم، إلا أن العديد من الخبراء يرون أن هناك أسبابًا للقلق من تداعيات فوزه على المشهد السياسى والاقتصادى الدولى والداخلى. وعلى صعيد العلاقات الخارجية، قد تتدهور العلاقات مع الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة وتتعقد النزاعات الدولية، فمن الممكن أن يتبنى ترامب سياسات خارجية عدوانية تجاه الدول الأخرى، ما يزيد من حدة التوترات الدولية ويؤدى إلى انعكاسات سلبية على الأمن العالمى بشكل عام. وتحت عنوان «كيف يمكن لعودته أن تزعزع استقرار المنطقة؟»، ناقشت مجلة «فورين أفيرز» عواقب عودة ترامب إلى البيت الأبيض وتأثيرها فى شركاء واشنطن الآسيويين. ووفقًا للمدير السابق للشئون الآسيوية في البيت الأبيض «فيكتور تشا»، لا يمكن اليوم أن تجرى محادثة سياسية فى العواصم الآسيوية دون الانخراط فى مناقشة حول عودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض؛ حتى أن اليابانيين صاغوا عبارة «موشى- تورا» («إذا كان ترامب») - وهى اختصار لعبارة «ماذا سيحدث إذا فاز ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية فى نوفمبر المقبل؟» تكثر التكهنات حول كيفية اختلاف ولاية ترامب الثانية عن ولاية «بايدن» الأولى، والتى ركزت خلالها واشنطن على تعميق شراكات التحالف وبناء تحالفات للتنافس مع الصين اقتصاديًا وتعزيز قوة الردع التايوانية. وبشأن الحرب الإسرائيلية الدائرة فى قطاع غزة، ينتظر رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، عودة ترامب إلى السلطة، حيث يعتقد نتنياهو أن ترامب سيدعم أيًا من طلبات إسرائيل، سواء كانت مشروعة أم لا، ويمكن للكيان الصهيونى أن يحصل على أفضل صفقة فى المساومة مع الولاياتالمتحدة. وقبل أربع سنوات، نقل ترامب السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس واعترف بضم إسرائيل للأراضى المحتلة والمستوطنات غير القانونية، مما يشير إلى أن ترامب يمكن أن يذهب أبعد من ذلك فى دعم إسرائيل دون قيد أو شرط؛ حيث كان ترامب أول رئيس أمريكى يقدم دعمًا شبه مطلق وغير مشروط لإسرائيل، فبعد نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، أيد السيطرة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان، التى استولى عليها الكيان الصهيونى من سوريا عام 1967. لقد فعل ذلك دون تنازلات من إسرائيل، بحسب ما ذكرته صحيفة «لوس أنجلوس» الأمريكية. ◄ اقرأ أيضًا | «بعد مواجهة باهتة لترامب».. بايدن يسعى لإحباط انقلاب الديمقراطيين عليه وكان ترامب يتمتع بشعبية كبيرة بين الإسرائيليين اليمينيين لدرجة أن نتنياهو استغل ذلك فى أثناء حملته لإعادة انتخابه. وقد أكسبه النهج الأحادى الجانب إشادة بعض المؤيدين لإسرائيل، لكن منتقديه يقولون إنه ضحى أيضًا بالنفوذ الأمريكى فى التفاوض على سلام أوسع فى المنطقة. ولم يعرب ترامب عن قلقه بشأن ضحايا الحرب الإسرائيلية التى خلفت أكثر من 37 ألف قتيل فلسطينى. وقد حثّ الكيان الصهيونى على «إنجاز المهمة» لتدمير حماس. وقال لصحيفة إسرائيلية يمينية فى أواخر مارس الماضى: «عليكم أن تنهوا حربكم، وعليكم إنجاز الأمر». واتهم ترامب بايدن بالتخلى عن إسرائيل عندما علقت الإدارة لفترة وجيزة شحن القنابل إلى إسرائيل، بينما هددت الأخيرة بالانتقال إلى مدينة رفح بجنوب غزة. لقد رفض ترامب تطلعات الدولة الفلسطينية، على الرغم من أنه فى بعض الأحيان لم يتجاهلها تمامًا. لقد أغلق السفارة الفلسطينية الفعلية فى واشنطن ورفض عمومًا مقابلة القادة الفلسطينيين كرئيس آنذاك. لذلك، من المتوقع أن يحافظ نتنياهو على مستوى معين من العمليات العسكرية فى جميع الجبهات تقريبًا حتى يتمكن فى النهاية من جر حالة التوتر الحالية إلى الرئاسة الأمريكية المقبلة، الأمر الذى سيجعل المنطقة أكثر اضطرابًا. وإذا انتخب ترامب حقًا، فقد يتخذ نتنياهو إجراءات أكثر جرأة وجنونا، وهو ما من شأنه أن يدفع المنطقة نحو سيناريو أسوأ بكثير. وقد يواجه الفلسطينيون كارثة إنسانية أكثر خطورة، وقد تشهد بلدان أخرى فى المنطقة، بما فى ذلك لبنانوسوريا والعراق، مواقف أكثر خطورة. وفيما يتعلق بالحرب الروسية - الأوكرانية، هاجم ترامب سياسة بايدن بشأن الحرب، خاصة المساعدات العسكرية الأمريكية للأوكرانيين. وقال إنه إذا تم انتخابه فإنه سيعمل مع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين والرئيس الأوكرانى فولوديمير زيلينسكى لإنهاء الحرب خلال الفترة الانتقالية قبل توليه منصبه، وفقًا لموقع «أكسيوس» الأمريكى. داخليًا، من الممكن أن يتسارع التضخم من جديد إذا فاز الرئيس السابق ترامب بالبيت الأبيض وفاز الجمهوريون بالسيطرة على الكونجرس، وفقًا لتقرير حديث صادر عن وكالة «موديز أناليتيكس». قد يواجه الاقتصاد الأمريكى تحديات جديدة بفعل سياسات اقتصادية متطرفة وتجارب اقتصادية غير مجربة. يمكن أن تؤدى تلك السياسات إلى تقويض الاستقرار الاقتصادى وزيادة الديون العامة، مما يؤدى إلى تراجع الثقة فى السوق المالية العالمية. أن سياسات ترامب من شأنها أن تؤدى إلى الركود بحلول منتصف عام 2025، مع ارتفاع معدلات البطالة والتضخم من 3% إلى 3٫6%. واستندت وكالة موديز فى توقعاتها إلى خطة ترامب طويلة الأمد لفرض رسوم جمركية بنسبة 10% على جميع الواردات و60% على البضائع القادمة من الصين. كما أن لترامب نهجًا مثيرًا للجدل فى القضايا الاجتماعية وحقوق الإنسان، مما قد يؤدى إلى انقسامات أعمق داخل المجتمع الأمريكى وزيادة التوترات الداخلية. قد تشهد البلاد مظاهرات واحتجاجات عارمة ضد سياساته، مما يضعف الوحدة الوطنية ويعرض الاستقرار الداخلى للخطر. وسيظل السؤال الرئيسى هو كيف ستتعامل الولاياتالمتحدة والعالم مع إمكانية تولى ترامب للرئاسة مرة أخرى؟ هل ستكون الإدارة القادمة تعزز الاستقرار والرخاء أم ستفتح أبوابًا للفوضى والتباعد العالمى؟ وبالإضافة إلى علامات الاستفهام تلك، ووفقًا لمجلة «Washington Examiner» الأمريكية، من المقرر أن يصدر الحكم على ترامب فى 11 يوليو المقبل، وهو ما سيضع عدة سيناريوهات لم تحدث من قبل. هل يمكن لترامب أن يصبح رئيسًا بإدانة جنائية فى سجله قبل الانتخابات؟ وماذا لو فاز أثناء خدمته فى السجن؟ هل يستطيع العفو عن نفسه بعد دخول البيت الأبيض؟ إذا تم انتخاب ترامب، فيمكن أن يؤدى اليمين الدستورية ويتصرف كرئيس حتى لو كان فى السجن، وستكون الطريقة الوحيدة هى عزله من منصبه. وبالتالى، فى حين يأمل العديد من الديمقراطيين أن تؤدى إدانة ترامب فى نيويورك إلى الإضرار به سياسيًا وتقوض فرص انتخابه، فإن نتيجة المحاكمة من وجهة نظر قانونية لن تؤثر على قدرته على الخدمة إذا فاز. إذا جاء ترامب رئيسًا للولايات المتحدة، فسيكون لذلك تأثيرات عميقة على السياسة الداخلية والخارجية للبلاد، مما يتطلب من الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولى مواجهة تحديات جديدة ومتغيرات غير مسبوقة فى العلاقات الدولية والاقتصاد العالمى. وفيما أثار أداء بايدن المتقطع في المناظرة تساؤلات جديدة من الديمقراطيين القلقين حول ما إذا كان سيترك السباق الرئاسي، ووضعت شبكة CNN فرضية بأن تكون نائب الرئيس كامالا هاريس من أبرز المنافسين على بطاقة الاقتراع في مثل هذا السيناريو. ولكن سيكون هناك مرشحون محتملون آخرون قالوا في السابق إن بإمكانهم إدارة حملة أكثر فعالية ضد ترامب. ودعت صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية بايدن للانسحاب من السباق، لكن منشورات مؤثرة أخرى بما في ذلك «وول ستريت جورنال»، و«فاينانشال تايمز»، و«أتلانتيك» نشرت مقالات رأي لكبار كتابها تدعو بايدن إلى التنحي. وبهذا فإن وصول أي من بايدن مرشح الحزب الديمقراطي وصعود رمز حزبه «الحمار» داخل البيت الأبيض، أو ترامب وعودته مرة أخرى ووضع فيل الجمهوريين داخل المكتب البيضاوي، سيكون له تداعياته الكارثية على العالم بأسره سياسياً واقتصادياً وليس الولاياتالمتحدة واحدها.