تعصف داخل أروقة الاتحاد الإسباني لكرة القدم أزمة إدارية غير مسبوقة، إلاّ أنّ المنتخب الوطني يدنو من نهائيات كأس أوروبا هذا الصيف في ألمانيا بخطوات ثابتة وهو يشعر بأنه يطوي صفحة بعد عقد من خيبات الأمل. هيمن "لا روخا" على عالم الكرة المستديرة بين عامي 2008 و2012، فأحرز لقب كأس أوروبا مرّتين 2008 في النمسا وسويسرا و2012 في بولندا وأوكرانيا ومونديال جنوب إفريقيا 2010. وبعدها واجهت الكرة الإسبانية أزمة ثقة فغابت عن منصات التتويج خلال 11 عاماً، قبل أن تتصالح مجدّداً مع الانتصارات بفوز المنتخب بلقب مسابقة دوري الأمم الأوروبية العام الماضي. اعتقد البعض أن هذا التكريس سيُعيد الاطمئنان للكرة الإسبانية، إلاّ أنّ الأزمات عصفت بها ولكن هذه المرة خارج الملاعب، فبعد بضعة أشهر على التتويج الأوروبي استقال رئيس الإتحاد لويس روبياليس (46 عاماً) عقب فضيحة هزّت عرشه بسبب قبلته القسرية لنجمة منتخب السيدات جيني هيرموسو خلال حفل التتويج بمونديال 2023 في سيدني الأسترالية. لم تتوقف الأمور عند هذا الحدّ، إذ يتم حالياً التحقيق مع مسؤولي الاتحاد في فضيحة فساد مزعومة، في حين تخشى إسبانيا التي نالت مع المغرب والبرتغال شرف استضافة نهائيات مونديال 2030، من إمكانية سحب حقوق التنظيم منها عقاباً لها. وبخلاف ما رافق تتويج منتخب السيدات في أستراليا حين أضربت اللاعبات قبل فترة وجيزة من انطلاق النهائيات احتجاجاً على الأسلوب الصارم للمدرب خورخي فيلدا حينها، يهدف "لا روخا" إلى حجب الضجيج عنه في ألمانيا. تأهّل المنتخب الإسباني تحت قيادة لويس إنريكي إلى نهائيات مونديال قطر 2022، إلاّ أن مغامرته انتهت في ثمن النهائي بركلات الترجيح أمام المغرب. حينها، افتقر للنجوم، المهارة والسرعة في الهجوم، واللاعب صاحب القيمة المضافة لاختراق الدفاعات المنظّمة جيداً بتسديدة ساحرة. لكنه عاد ووجد بإشراف المدرب الجديد لويس دي لا فوينتي ضالته بلاعب برشلونة المراهق المغربي الأصل لامين يامال الذي فرض نفسه كأحد أفضل المواهب الصاعدة على الرغم من أنه يبلغ 16 عاماً فقط. سرق جمال الأضواء هذا الموسم وأصبح لاعباً أساسياً في النادي الكتالوني ومنتخب بلاده. تحديد حقبة تعوّل إسبانيا على يامال هذا الصيف، على الرغم من أن خبرته الدولية تقتصر على 6 مباريات فقط وهدفين بقميص المنتخب الوطني. وفي مارس الماضي تألق في التعادل الوديّ أمام البرازيل 3-3 على ملعب سانتياجو برنابيو خلال مباراة أقيمت تحت شعار "جلد واحد" للمساعدة في مكافحة العنصرية، مانحاً عشاق الكرة الإسبانية الأمل بالقدرة على رفع الكأس القارية. يمثّل لامين جيلاً جديداً من المواهب الصاعدة، أبرزهم زميله في برشلونة المدافع باو كوبارسي (17 عاماً) وجناح أتلتيك بيلباو نيكو وليامس (21). قال مدرّب برشلونة المقال من منصبه و"مايسترو" خط الوسط السابق تشافي هيرنانديز هذا العام "أعتقد أننا ننظر إلى لاعبَين يمكن أن يحدّدا حقبة في النادي، وحتى في كرة القدم العالمية". نال يامال إشادة مواطنه رودري الذي يدافع عن ألوان مانشستر سيتي بطل إنجلترا ويُعدّ القلب النابض في خط الوسط وصاحب شخصية قوية، إذ قال "لقد رأينا بالفعل ما هو قادر على فعله، لا يبدو أنه في هذا العمر عندما تشاهده على أرض الملعب". وفي حين أن قلّة من متابعي الكرة المستديرة يعتبرون أن دي لا فوينتي مدرّب على المستوى نفسه لسلفه إنريكي، إلا أن كثراً يوافقون على أنه أكثر واقعية ما يتناسب مع إسبانيا. لا يخشى المدرب الطلب من لاعبيه تمرير الكرات العرضية للمهاجم المخضرم خوسيلو (37 عاماً) كخطة بديلة أو الاعتماد على لاعبي أجنحة ينطلقون بسرعة خلال الهجمات المرتدة، حتى لو كان ذلك يعني أن المنتخب سيفقد الكرة بسهولة أكثر نتيجة لذلك. لم تعمد إسبانيا إلى تبديل "جلدها" بالكامل، فهي بفضل اعتمادها على فلسفة تمرير الكرة وعلى لاعبين يتمتعون بمواهب فنية، ستعكس صورة اعتادت عليها الجماهير عن طريق السيطرة على اللعب. ورغم عدم تصنيف إسبانيا ضمن خانة أبرز المنتخبات المرشحة لرفع الكأس القارية، ووقوعها في "مجموعة الموت" إلى جانب إيطاليا وكرواتيا وألبانيا، إلا أن النجوم الشباب يمكن أن يخالفوا التوقعات ويحملوا "لا روخا" إلى أدوار متقدمة.