«كان الحوار غنيًا بامتياز. استمتعت بالأسئلة العميقة، والحوار الذكى. التقيت مواقف ومشاهد من حياتى غالية، وقريبة جدًا من قلبى وعقلى» يبحث الكثيرون منا عن السعادة، وسط تحديات عديدة أصبحت تحاصرنا، السباق الرهيب لمجاراة التغيير الذى يشهده العالم، التحولات المذهلة التى تجعلنا نشعر أن نهاية العالم قد اقتربت، الصراعات الدموية المحمومة التى تدور رحاها بين بنى البشر فى كوكبنا. وسط كل هذا اللهاث يبحث الإنسان عن السكينة، يحلم بالهدوء النفسى والأمان. يلجأ البعض إلى الطبيب أو المعالج النفسى بحثا عن هذا السلام الداخلى المفقود، ويلجأ البعض إلى الأدوية ومضادات الاكتئاب، لكن القلة تذهب إلى اختيار مختلف، يجدون فيه أنفسهم، ويعثرون معه على السعادة الحقيقية. هؤلاء قليلون على مستوى العالم كله، وليس على مستوى دولنا العربية فحسب، أشخاص استطاعوا أن يخرجوا من دائرتهم الشخصية المحدودة، إلى دائرة أكبر وأرحب هى دائرة الإنسانية. حركتهم قضية ما تخص غيرهم من البشر، نظروا حولهم، ولم ينظروا داخلهم فحسب، التقطوا الألم الكامن فى قلوب الضعفاء، الذين لا صوت لهم ولا سند، فكروا وبحثوا وسعوا، مدوا أياديهم وقلوبهم إلى هؤلاء ليخرجوهم من منطقة الظلام إلى نقطة ضوء فى نهاية النفق. يقول مارتن لوثر كينج جونيور: «إن العمل الإنسانى ليس سوى عبور من المساعدة إلى الأمل». وهذا ما فعلته الضيفتان العزيزتان اللتان أسعدنى وجودى معهما فى تلك الليلة من ليالى الفن والفكر والثقافة بمعرض أبو ظبى الدولى للكتاب، على أرض دولة الإمارات العربية الشقيقة، الرائدة فى كل مناحى التقدم و الازدهار. الدكتورة تالا خليل.. صيدلانية عراقية من مدينة البصرة، صاحبة مبادرة دعم أصحاب الهمم من الأطفال والمصابين بمرض السرطان، ومتلازمة داون والصم والبكم. ومؤسسة «أكاديمية المحاربين». دكتورة تالا خليل فازت هذا العام بجائزة ولقب «صانعة الأمل» فى الوطن العربى وكرمها سمو الشيخ محمد بن راشد فى حفل كبير أقيم فى مدينة دبى فى فبراير الماضى. الدكتورة عائشة البوسميط، إعلامية، شاعرة، كاتبة، اختارتها منظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة لتكون سفيراً بحرياً للنوايا الحسنة، صاحبة مشوار حافل بالنجاحات فى أكثر من مجال، أما رسالتها الإنسانية فهى فى رأيى الأهم، والأروع فى مشوار حياتها المضيء بالإنجازات والعطاء. إنها صاحبة الكتاب الأول فى العالم العربى عن قضية «الاحتضان» تحت عنوان «أمومة اختيارية» وتحكى فيه قصتها، وتجربتها الشخصية المؤثرة، المحركة للعقول والقلوب معا تجاه قضية الاحتضان. دعانى معرض أبو ظبى الدولى للكتاب لأقوم بدور المحاورة فى تلك الندوة المميزة، وعنوانها «ما لا ينقذه المجتمع تنقذه الإنسانية». قلت لتالا الخليل: كنت طالبة صغيرة عندما جذبتك فكرة العطاء وتخصيص جزء كبير من وقتك لتقضيه مع أطفال صغار يصارعون الموت تأثرًا بمرض السرطان اللعين. ما اللحظة التى قررت فيها ذلك؟ كيف حدثت الومضة التى أضاءت قلبك، وقادتك إلى هذا الطريق؟. جاءت إجابتها جميلة، مؤثرة. قالت: مسألة الحياة والموت لا نملك بشأنها شيئًا، الله يكتب لحظة الميلاد، ولحظة الموت. لكن ما بينهما يجب أن يعيشه الإنسان بكل كيانه وجوارحه حتى الرمق الأخير. هؤلاء الأطفال الذين أصيبوا بمرض صعب وثقيل، كان لابد أن يجدوا البهجة فى أعماق الحزن والوجع، وهذا ما وجدت نفسى مدفوعة للقيام به، أن أملأ أوقاتهم بالبهجة والسعادة رغم المرض، والألم، فالأمل فى عقيدتى يهزم الألم، وهذا ما رأيته وعايشته مع عشرات الأطفال الذين شفى بعضهم تمامًا عندما زرعنا الأمل والبهجة داخله، والبعض تحسنت حالته جدًا، و البعض الذى كانت حالته خطيرة وحياته على المحك، قضى أيامه الأخيرة فى هدوء وسلام ورحل راضيًا سعيدًا. المسألة تتركز فى كيف ننظر إلى حياتنا، وكيف نحياها. قلت للدكتورة عائشة البوسميط : كنتِ أول كاتبة فى الوطن العربى توثق تجربتها الشخصية مع الاحتضان فى كتاب «أمومة اختيارية». حدثينا عن الكتاب وتلك التجربة الإنسانية المؤثرة؟ أجابت سؤالى بسعادة، وكأنى أدخل معها مساحتها الأثيرة التى تحب أن تحكى وتحكى عنها، مرارًا وتكرارًا دون ملل أو تعب. كأنها فخورة بما فعلته، راغبة فى أن تحفز الكثير من النساء على أن تتشجع، وتخطو نفس الخطوة، لتحول حياة طفل أو طفلة مجهولة النسب من البؤس إلى الفرح. ومن الحرمان من الحب إلى الشبع والاحتواء. دكتورة عائشة لم تجد الشخص المناسب للزواج والارتباط، فهى ترى أن هذه الخطوة المصيرية فى حياة الإنسان لابد أن تأتى عن قناعة كاملة، لكنها رغم ذلك شعرت باحتياج للأمومة، أن تكون أمًا. فكرت طويلًا، درست كل جوانب تلك الخطوة الكبيرة قبل الإقدام عليها. حدثت والدتها فى الأمر، فوجدت ترحيبًا وتفهمًا منها، وكانت تلك اللحظة فارقة فى حياتها، فقد كانت تخشى رد فعل أمها، وتخاف أن تعترض. بدأت رحلة البحث عن طفلتها التى سوف تحتضنها، تقدمت بالطلب إلى الجهات المختصة فى دبى، وبعد فترة كلموها وطلبوا منها الحضور للقاء الطفلة المرشحة لها. قالت عائشة: لقد أحسست بها من اللحظة الأولى، وكأنها تنادينى، تستبقينى، وتطلب منى أن آخذها إلى البيت. حدث هذا فعلا، مررت فى البداية بصعوبات وتحديات كثيرة، لكنى تحملتها بصبر واقتناع، والآن لا أتخيل حياتى بدون أميرتى الاثنتين: ريم وحصة. نعم طفلتان جميلتان احتواهما قلب كبير هو قلب أمهما عائشة. فهى لم تكتف باحتضان ريم فحسب، بل أحست أن ابنتها ريم تحتاج إلى أن يكون لها أخت تؤنس حياتها وتكون سندا لها، فقامت بالاحتضان الثانى لابنتها حصة. دكتورة عائشة تقوم بحملات مستمرة تدعو فيها النساء إلى الإقدام على احتضان طفل أو طفلة، فلا شيء يعادل الشعور بالحب والأمان الذى يوفره البيت وحضن الأم. هؤلاء الأطفال إذا لم يجدوا مثل هذه القلوب الرحيمة سيكبرون فى برودة دور رعاية، تمنحهم الطعام والشراب والسكن، لكنها أبدا لا تمنحهم الحب، الدفء، وإحساس البيت. استمتعت بحوارى مع هاتين الشخصيتين الرائعتين اللتين أسعدنى الحظ بصحبتهما أثناء تلك الندوة ضمن فاعليات معرض أبو ظبى الدولى للكتاب، فكنا نجلس على المنصة ثلاثتنا: «أم المحاربين» تالا الخليل. «أم الأيتام» عائشة البوسميط . وأنا نوال مصطفى «أم السجينات». مصر ضيف الشرف كنت أتجول فى قاعات وأروقة معرض أبو ظبى الدولى للكتاب الذى أقيم نهاية الشهر الماضى بسعادة، فقد تربعت مصر كضيف شرف على منصة التتويج، كذلك كان حضور أديبنا العظيم نجيب محفوظ قويًا، ساطعًا من خلال العديد من الندوات التى تناولت حياته وأعماله الأدبية والفنية، وأثره على تشكيل فكر أجيال متعاقبة من المبدعين، أسعدنى الجناح الرائع الذى ضم جزءًا من مقتنياته، وأغلفة كتبه، والمخطوطات والمسودات القديمة لأعماله والذى تولى إعداده وتصميمه الأديب القدير أحمد القرملاوى بدعم من دار ديوان للنشر ومركز أبو ظبى للغة العربية. الشكر يجب أن يوجه إلى الدكتور على بن تميم رئيس مركز اللغة العربية بأبو ظبى الذى أخرج تلك الفاعليات فى أرقى مستوى، وبصورة تليق باسم مصر، وقامة أديبنا العالمى نجيب محفوظ. الشكر أيضا يجب أن يوجه إلى الدكتورة برلنت قابيل المسئولة عن برنامج المعرض، والتى قامت بجهد كبير، ومخلص ليخرج برنامج المعرض بهذا الغنى والتنوع. بين السطور وصناعة الأمل استضافتنى الإعلامية الإماراتية المرموقة رولا البنا فى ندوة بعنوان «بين السطور وصناعة الأمل» ضمن فاعليات معرض أبو ظبى الدولى للكتاب من خلال برنامجها المهم المقام فى جناح مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة داخل المعرض. الأسئلة كانت مدروسة، ذكية، المحاورة قرأتنى جيدًا، وأبحرت فى أعماق طفولتى وبدايات التكوين، واكتشاف الذات والموهبة، متى وكيف حدثت؟ نجاح المحاور دائمًا يكمن فى قدرته على النفاذ إلى مناطق داخل الشخصية التى يحاورها لم يدخلها أحد، ويخرج منها قصصا، ذكريات، مفاتيح مهمة وملهمة، هذا ما فعلته بى رولا البنا، جعلتنى أتمشى مع والدى الناشر الكبير سيد مصطفى، صاحب المؤسسة العربية الحديثة وأنا طفلة صغيرة بين مكتبات شارع الفجالة بالقاهرة، الذى كان وقتها شارع المكتبات، ومعقل دور النشر جميعا. صحبتنى فى جولة رأيت نفسى خلالها فى أروقة كلية الإعلام جامعة القاهرة، ثم متدربة صغيرة فى دار صحفية عملاقة هى دار أخبار اليوم، حفزتنى لاستدعاء شخصيات وقامات قابلتها وحاورتها وتأثرت بها فى مشوارى الصحفى، الأدبى، والإنسانى. سألتنى عن البدايات كيف اكتشفت موهبة الأدب، المتوارية خلف ستار الصحافة، وعن كتبى ومؤلفاتى كيف التقط الفكرة، وكيف أشيد عالمى الروائى والقصصى؟ هل من دم ولحم الواقع الذى اشتبكت معه بعمق وإخلاص من خلال عملى الصحفى، وتميزى فى القصة الإنسانية؟ فتحت رولا باب العتاب الذى أحسه تجاه النقاد الذين لم يمنحونى ما استحق من اهتمام كروائية تحت زعم أننى محسوبة على الصحافة وليس على الأدب. قلت لها إننى أقدر النقاد لكنى أحب علاقتى المباشرة الرائعة مع قرائى أكثر. تحدثنا عن الكتابين اللذين صدرا لى فى معرض القاهرة الدولى للكتاب 2024 «وكأنه الحب» و»يا دنيا يا غرامى» الأول رواية والثانى كتاب يحوى قصصًا وحكايات وحوارات مهمة، ومثيرة فى مشوارى الصحفى والإنسانى. كان الحوار غنيًا بامتياز، استمتعت بالأسئلة العميقة، والحوار الذكى، التقيت مواقف ومشاهد من حياتى غالية، وقريبة جدًا من قلبى وعقلى. شكرًا الإعلامية القديرة رولا البنا، وشكرًا مؤسسة محمد بن راشد للمعرفة ومركز أبو ظبى للغة العربية على هذا الزخم والغنى والمتعة التى عشتها متجولة بين أجنحة الناشرين، وعناوين الكتب. مشاركة أو متابعة لعدد ضخم من الفاعليات والأنشطة التى قدمها المعرض لجمهوره. كلمات: لا يمكن أن تكون ثريًّا أكثر من شخص يقرأ يوميًّا. إذا نجحت فى زرع عادة القراءة فى حياتك، ستكون حرًا إلى الأبد. لا تثق فى شخص لم ينصحك بقراءة كتاب. القراءة تعطينا مكانًا جديدًا نذهب إليه عندما يتحتم علينا البقاء فى مكاننا. إذا أردت أن يكون أطفالك أذكياء، فاقرأ لهم القصص الخيالية، وإذا أردتهم أن يكونوا عباقرة، فاقرأ لهم المزيد منها.