فرص عمل جديدة بمحافظة القليوبية.. اعرف التفاصيل    جامعة القناة تنظم برنامجًا تدريبيًا للطلاب لتعزيز التعليم التطبيقي (صور)    رغم امتلاء بحيرة سد النهضة، إثيوبيا تواصل تعنتها وتخفض تدفق المياه من المفيض    "حقوق الإنسان فى مصر بين استراتيجية وطنية وواقع حقيقى"، مائدة مستديرة بحزب العدل اليوم    وزيرة التنمية المحلية: النهوض بموظفي المحليات ورفع مهاراتهم لجذب الاستثمارات    وزير الكهرباء: بدء تشغيل محطة الضبعة عام 2029    رئيس الوزراء يتفقد محطة مياه العدوة ضمن مشروعات مبادرة «حياة كريمة»    عاجل| لا زيادة في أسعار البنزين لمدة 6 أشهر    سفير تركيا بالقاهرة يعلن عن 25 ألف فرصة عمل مرتقبة بالعاصمة الإدارية    وزير الكهرباء: سارقو التيار يستخدمون تكنولوجيا حديثة لا نمتلكها    مقتل إسرائيلي وإصابة 14 آخرين إثر سقوط صاروخ في منطقة عكا المحتلة    حزب الله يعلن قصف مدينة صفد في شمال إسرائيل بالصواريخ    أفريقية النواب: كلمة الرئيس السيسي أمام البريكس بعثت رسالة طمأنة للمستثمر الأجنبي    السوبر المصري.. عمر جابر يحضر المؤتمر الصحفي قبل لقاء بيراميدز والزمالك    لاعب الزمالك مطلوب في بتروجت على سبيل الإعارة    مرموش ضمن قائمة أكثر اللاعبين تسجيلًا للأهداف بالدوريات الخمسة الكبرى    حقق فائضا 550 ألف جنيه.. وزير الرياضة يتفقد نادي الرحلات بالبحر الأحمر    دفاع المتهم بالتعدي على فتاة التجمع: اعترضت على الأجرة واتهمت موكلي بالتحرش    أمن القاهرة يضبط عاطل بحوزته مبلغ مالى ومشغولات ذهبية قام بسرقتها من أحد المساكن    تأجيل محاكمة تاجر فاكهة لاتهامه بإنهاء حياة شخص بالقليوبية    ضبط كهربائى بالدقهلية يتلاعب فى عدادات الكهرباء بإضافة أرصدة وهمية    خريف القلب، تفاصيل أول مسلسل سعودي مقتبس من الدراما التركية    «كلب» على قمة الهرم.. رحلة الصعود والهبوط تبهر العالم    رئيس الوزراء: لا زيادة جديدة في أسعار الوقود لمدة 6 أشهر قادمة    الحكومة: تشغيل مستشفى العدوة المركزي تجريبياً خلال شهر لخدمة أهالي المنيا    فرق المتابعة تواصل المرور على الوحدات الصحية لمتابعة الانضباط الإداري بالزرقا بدمياط    عميد طب الأزهر بأسيوط: الإخلاص والعمل بروح الفريق سر نجاحنا وتألقنا في المنظومة الصحية    مؤتمر سلوت: أنت تقللون من لاعبينا.. ولست الشحص الذي يتفاوض مع الوكلاء    رئيس مياه المنيا يتفقد محطتي مياه بني مزار الجديدة والعدوة الجديدة لمتابعة حسن سير العمل    شرطة طوكيو: هجوم بالقنابل يستهدف مقر الحزب الحاكم في اليابان واعتقال مشتبه به    أستاذ اقتصاد: الجودة كلمة السر في قصة نجاح الصادرات الزراعية    6 غيابات تضرب يوفنتوس أمام لاتسيو.. وعودة فاجيولي وويا    ضبط 3 طلاب تحرشوا بسيدة أجنبية في القاهرة    الرئيس السيسي لوفد النواب الأمريكي: يجب وضع حد للحرب في غزة ولبنان    «آثار أبوسمبل» تستعد للاحتفال بتعامد الشمس على وجه رمسيس الثاني    أفشة: مباراة سيراميكا صعبة| وتعاهدنا على الفوز باللقب    الأوقاف: انعقاد مجلس الحديث الثاني لقراءة كتاب "صحيح البخاري" بمسجد الحسين    الداخلية تستعيد 11 مليون جنيه في ضربة قوية لتجار العملة    جولات ميدانية لمتابعة تطبيق الأجرة الجديدة في المنوفية.. صور    بالاسم .. الصحة تدشن موقعاً إلكترونياً لمعرفة المثائل و البدائل للادوية الهامة    داعية بالأوقاف: الانشغال بالرزق قد يبعدنا عن ما طلبه الله منا    ارتدوا الملابس الخريفية.. الأرصاد تكشف حالة الطقس المتوقعة خلال الأيام المقبلة (تفاصيل)    مصر تشدد على ضرورة إيقاف العدوان الإسرائيلي وفك الحصار عن قطاع غزة    14 عبادة مهجورة تجلب السعادة .. عالم أزهري يكشف عنها    خيري الكمار يكتب : رسالة إلى وزير الثقافة .. المهرجانات فى خطر    التصرف الشرعي لمسافر أدرك صلاة الجماعة خلف إمام يصلي 4 ركعات    الشيخ أحمد كريمة يوجه رسالة لمطرب المهرجانات عمر كمال    حزب الله يُعلن استهداف جنود ومواقع إسرائيلية    المخرج عمرو سلامة لمتسابقة «كاستنج»: مبسوط بكِ    رغم اعتراض ترامب.. قاضية تُفرج عن وثائق فى قضية انتخابات 2020    بسبب الأجرة.. ضبط سائق تاكسي استولى على هاتف سيدة في القاهرة (تفاصيل)    تامر عاشور ومدحت صالح.. تفاصيل الليلة الثامنة من فعاليات مهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية    أفضل 7 أدعية قبل النوم.. تغفر ذنوبك وتحميك من كل شر    الصور الأولى من حفل خطوبة منة عدلي القيعي    عمرو أديب: المتحف المصري الكبير أسطوري ولا يضاهيه شيء    ليلة لا تُنسى.. ياسين التهامي يقدم وصلة إنشادية مبهرة في مولد السيد البدوي -فيديو وصور    كرة يد - فلاورز البنيني يتأهل لنهائي إفريقيا ويضرب موعدا مع الأهلي    ستاندرد آند بورز تعلن أسباب الإبقاء على نظرة مستقبلية إيجابية لمصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الأسيوطية» مقامة للكاتب حامد أبو المجد
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 17 - 02 - 2024

span style="font-family:" Arial",sans-serif"أخبرنا المرشد أنه نزل عند أهله بديروط ، وكان خدوما لكن بشروط ، قد أخذت الشمس من بشرته فاستتر منها بعمامته ، وامتد شاربه بطول فمه ، واستطالت لحيته لتصل ما بين صدره وفمه يرتدي جلبابا واسعا ، يريحه ساجدا وراكعا ، لا يعوق خطوته ولا يُعثر مشيته ، ولا يكتم حرارته ، يحفظ له انتسابه للجنوب ، ويشهد بأنه على عاداتهم مغلوب ، يسعى خلال الطريق بالسلام ، فهذا بالأحضان وذاك بالابتسام ، حتى سمع من يناديه بالسوق ، وحال بينهما سيارة نقل بها خراف ونوق ، فإذا به صابر بن مقهور ، يتبعه شيخ مغمور ، يتمتم بأيات وتسابيح ، ولكن نظراته لا تريح ، فبعينيه جحوظ ملحوظ ، وسلوكه ينم عن فظوظ ، اكتفى بالسلام دون اليد ، ونظر للمرشد كأنه ذو ميد ، فأثَّر في نفسه سلوكه ، واستدار لصابر والريبة من الشيخ تلوكه.
span style="font-family:" Arial",sans-serif"فقال له: حللت بديروط أهلا، ونزلت بها سهلا، لابد من قراك، وعليك ألا ترد من دعاك. فرد صابر قائلا – وهو على المرشد مائلا - : الحمد لله أننا وجدناك ، وساقنا القدر للقاك ، فقد أتينا لخير مدفون ، لا يناله إلا الخيّرون ، ولك فيه نصيب مقسوم ، وحق في الرزق معلوم ، إذا صدقتنا القول فيمن استدعونا ، وهل هم ذوو نوايا ميمونة ، فرد عليه : من دعاكم يتولاكم ، ومن تولاكم يرعاكم ، وإن كنتم في ريبة حميناكم ، حتى تعودوا لأهليكم ودنياكم ، فقال صابر : لذا حالفنا التوفيق في رؤياكم ، فهذا عهدنا بكم منذ عرفناكم . فانطلق بنا حيث الغزايلة وقبل ذلك تخبرنا عن أهل المروءة فيهم والعيلة ، ومن منهم ذو نفوذ حتي نحتمي به ونلوذ ، إذا استحكمت الأهواء ، وطغت الطبائع والأدواء ، فرد قائلا : علينا بالحج حسين الغزايلي كبيرهم ونائب الدائرة وأبرهم ، لا تبرح الضيوف داره ، ولا تألف الجرائر إلا دواره ، يتحمل الديات من يساره ، ولا تعرف يمينه ما تفعل يساره ، ولكن هل يعلم بقدومكم ، ومَنْ من الغزايلة دعاكم ؟ فرد صابر : طلب مني السيد الحسيني شيخ خبير ، لأرض عندهم بها خير كثير ، فأخبرت شيخنا بالأمر ، فاستجاب على أن يكشف ما بهم من ضر، لأن الخير لا يخرج لأهل الشرور، وعليهم الدوائر تدور ، فالجان تعلم أحوال النفوس ، فتألف نفوسا وتطردهم نفوس . فقال المرشد – ملتفتا للشيخ - :
span style="font-family:" Arial",sans-serif"يا مدع الغيب للغيب إله أأنت شريك له فيما ادّعاه؟
span style="font-family:" Arial",sans-serif"كم مدع الغيب أضل أقواما فهلا أظهرت لنا ما أخفاه؟
span style="font-family:" Arial",sans-serif"فنظر إليه الشيخ ساخرا ، ورد عليه قائلا : إن كنت لا تؤمن بوجود الأولياء ؛ فقد كفرت بما أنزل على سيد الأنبياء ، وأنكرت كرامات الأصفياء ، فما حاجة الكليم إلي الخضر العليم !؟ ولِمَ طلب الحكيم من الجن عرش بلقيس العظيم ؟ فهو عَالَمٌ موجود ، وله دلائل وشهود ، وأمراض ليس لنا بها عهود ؛ فما حيلة الطب في صحيح البدن ؟ وكيف رأى الفاروق من كان في الشام أو عدن ؟
span style="font-family:" Arial",sans-serif"فرد المرشد - مستغربا من ثقته ، وعنّفه معبرا عن مقته - أتجعل نفسك في مصاف الأنبياء و الأولياء ، فتلك كرامات جعلها لعباده الأتقياء ، فما حقيقة تقواك ؟ وكيف زينت نفسك وهواك أن تكون كسليمان – عليه السلام- ، وهو البشري الوحيد الذي أُمِر بطاعته الجان ، ولا طاعة من الجان لإنسان إلا بإذن الرحمن ، أم عندك دليل وبرهان يخالف ما قلت لك يا جهبذ الجان ؟
span style="font-family:" Arial",sans-serif"فقال الشيخ : ألمح منك استهزاء ، وأنت مؤهل على المراء ، فإن شئت اخبرتك بسيرتك وأطلعتك على سريرتك ، فأنت بين أخواتك غير شقيق ، وهم ذوو يسار وأنت وريث الضيق ، فقد حرموك إرث إبيك ، لغرابة دمك وضعف ذويك ، ولك من البنين : فتاة وصغير شقيق ، أصاب من العمر تسع سنوات وحُرم السعي والخطوات ، لما أصابه من مس وعمل بنهير قرب بيتك قد اندس ، قام به عرق من رحِمك ، كانت في حاجة لوصالك وقربك . فإن وفقنا المولى فيما قدمنا إليه ، سأتولى فك ما تم تدبيره فيه .
span style="font-family:" Arial",sans-serif"فتعجب صابر من قدرة الشيخ وتاه ، أمام انفراج فم المرشد وانزواء حاجباه ، وأدرك قوة الشيخ وتأثيره فيه ، وقطع الصمت بقوله : لنذهب إلى ما جئنا إليه ، فدعاهم المرشد لسيارته وانطلق وفي خياله الشيخ وقدرته ، يمني النفس بشفاء ولده ، ويريد معرفة مَنْ دبر لكيده ؟، وسرح بخاطره في خاله وبناته ، وما كان بينه وبينهن في جلساته ، أم بنات عماته وخالاته أم قد تكون بنت عمه " شفعات " ؛ فقد شاركته من الصبا فترات ، وكانت تأوي إليه في غرفته وتسأله كثيرا عن حبيبته ، فكان يتهرب منها بالمجاملة ، وربما كرهت منه هذه المعاملة ، فلما مال عن أرحامه ، فاستعانت بالجن على ولده إرزامه ، فمرارة الانتقام في الولد أشفى للمنتقم من المال والجسد .
span style="font-family:" Arial",sans-serif"وقطع أفكاره الشيخ يقول ، لا تسيئ الظن بشفعات ، فقد وَطئِتَ مؤخرتها فترات ، فقاطعه ما هذه الخرافات ؟ فرد : يوم عدت من حصد القصب ، وقد أصابك النصب ، وكانت تنظم غرفتك قبل الاستذكار ، وبعدما خلت من الأصوات الدار، حاك في صدرك فيها وطر ، وقرأت في عينيك ما خطر ، فخشيت افتضاح أمرها ، فطلبت ألا تفض ختامها ، فأنت ابن عمها وحصنها ، وإن كنت لا محالة فاعل فأتيها من دبرها ، ففعلت فقضيت حاجتك وحفظت فرجها .
span style="font-family:" Arial",sans-serif"فصمت وهو يحدق في وجه الشيخ ، وصابر لما يسرد مصيخ ، فتأذى من إذاعة تلك الأمور أمامه ، والمرء لا يحب إعلان مذامه ، فقال الشيخ : لا عليك مما قلت ، ولكني أقنعتك وأثبت ، فسكت وساد الصمت ، فتأكد الشيخ من ولائه ، وأتاه السحاب بروائه ، فلم يشأ أن يزيد ، ونظر نظرة ذات مغزى إلى صابر السعيد ، الذي سأل المرشد عما بقى من وقت للوصول ، وهل السيد الحسيني عنده ما يقول ؟ فقال المرشد: هم أهل ثراء غير مبرر، وجاه في عائلة واحدة لا يتكرر، ولا أحد يرغب عن الزيادة، بل يرغب في الاستفادة .
span style="font-family:" Arial",sans-serif"وصلت السيارة بعد الاتصال بالسيد الحسيني، وكان منظره يضنيني، فقد بلغ من العمر أرذله، وغادره سِنه وأذله، فبدت بظواهر الجلد تجاعيد، والدهر يفني ويبيد، عليه جلباب فضفاض فبادر بالترحيب وأفاض وأجلسنا حيث اراد، على حصيرة من الخوص، يتوسطها طبلية قوص، اصطف عليها فطائر صعيدية شهية، وأقراص عيش شمسية، وأطباق جبن وعسل، وفجل وبصل، ودعانا لتناول الغداء، بعد غسل الوجوه والأيادي بالماء، فهوت الأيادي وارتفعت، وضاقت الأفواه واتسعت، ثم وضعت أكواب الشاي وارتفعت.
span style="font-family:" Arial",sans-serif"ثم حضر رجل عليه تقشيطة بيضاء، وبيده مسبحة من الكهرمان صفراء، يخفي ما بين شاربه وحاجبيه نظارة سوداء، فقام الحضور لتحيته، وتفقدهم بنظرته، ووجه حديثه للشيخ قائلا: مَنْ أجاد وأنجز يثاب، ومن أساء وأسهب يعاب، فما عندك من الأمر، وما في الخفاء استقر؟ فردَّ الشيخ: أفعى ذات فحيح، وأصوات تصيح، ومياه تفور، وأرض تغور، وعجوز عقيم، تحرِّك السديم، تعشقها الأفعى، وفي أحضانها تهوى، تعلم ما يخفى، لكنها الآن تشقى، تعلم بحضوري، وتنتظر بخوري، في ليلة قمراء، ينكشف العماء.
span style="font-family:" Arial",sans-serif"ساد الصمت وتلاقت العيون، وأشعل القات المدخنون، واستأنف عشرة جرامات من البخور، وأربعة رجال صُوُر، لهم يوميات وأرزاق، ورُقْيات وترياق، ولي ثلث الموجود، وبمثله على الخلق تجود، و يقسم الباقي على أولاد وأحفاد الجدود، وكل ما أطلب يجاب، فلست بخائن ولا كذاب، فصفوا نواياكم تُرزقون، وإلا حدث ما لا تتمنون، وأرسل معي من يحضر بخور الجان، حتى تحس ناحيتي بالأمان، وامنحني ما يكفي ما أعول، فترة ما أنا عندك مشغول،
span style="font-family:" Arial",sans-serif"فقال : على كم متر تجد المراد ، وبعد كم ليلة تجد الدروب الوهاد ، فرد : خمس عمودية بحظيرة المواشي الخلفية ، وقنطرة مترية نصل إليها بعد أربع ليال قمرية ، مالم تعترضنا أمور خفية أو عوارض بشرية ، فبادره : العوارض الخفية لا حيلة لنا بها ، وعليك تدبير أمرها ، فماذا تقصد بالعوارض البشرية ؟ قال : خلافات عائلية ، أو إحن نفسية ، فبنو عماتك في نفوسهم أحقاد ، توارثوها من أخت الجدة سعاد ، لما حرمتها من حسان الإدفاوي، والقلب له هاو، ولا كلمة في صعيدكم لفتاة ، فضلّ القلب وتاه ، فعشقها من عشق ، واطلعها على ما في جوف داركم اتسق ، فلا تهدأ إلا وقت السَّحر ، حيث يحملها إلى ركن أصخر ، يتشكل بشكل حسان، وتنبهر بما تراه من ذهب ومرجان، ويغمرها بقُبلٍ وأحضان، فيتغشاها كما يتغشى الفحل الأتان، أتأمن جانبه وبوائقه، وأنت تمنعه معشوقة شبائقه ؟ وله في كل خَلِقٍ حيله ودقائقه !.
span style="font-family:" Arial",sans-serif"سرح حسين الغزايلي في الكلام، وكأنه يراجع الأيام، هل ما فعلت حرام؟ أأزوج ابنة أختي برجل زام، لا كلمة له ولا لجام، ولا أصل لعائلته لا حام ولا سام، لم أخالف ما توارثت، ولا أسلم عرضي لمن بسوء خلقه علمت، وأخرجه صابر المقهور مما برأسه يدور: علام عزمت يا حاج؟ ألك فيما سمعت احتجاج، ام يتخذ الشيخ في أمره الفجاج؟
span style="font-family:" Arial",sans-serif"فأخرج هاتفه محدثا ولده، بأن يحضر سيارة من عنده، ومعه ثلاثون ألف من الجنيهات، لوازم بيوت العمال والحاجات، لتذهب بالشيخ لابتياع أغراضه، ويختار من يريد استنهاضه للعمل في الحفر والتنقيب، والتفت للشيخ وهو يجيب، على إلا يكون منهم بأسيوط قريب، ولا يسمع لهم بالبيت صوت ولا دبيب، فللبيوت حرمات وعورات، وللقتل في الصعيد هفوات
span style="font-family:" Arial",sans-serif"هز الشيخ رأسه علامة الإدراك، وحضرت سيارة ما نتيراك ، وهبط منها شاب ثلاثيني ومن بابها الأيمن هبط رجل خمسيني، أدرك الشيخ أنه السائق، فسلم عليهما بابتسامة الواثق، واتجه و صابر والسائق ناحية السيارة، ليتحرك الركب لتنفيذ ما تمت إليه الإشارة .
span style="font-family:" Arial",sans-serif"تحركت السيارة اتجاه طريق أسيوط الساحلي، الذي يربط القاهرة بالإسكندرية بالطريق الدائري، ليوزع المال على أهله وأهل رجاله، ويدبر بما بقى له منه حاله، على أن يعود بعد يومين، وتلاقت أضواء السيارات فى الاتجاهين، فقطع صابر الصمت وقال: كيف عرفت يا شيخنا ما جال، بين المرشد وقريبته، والجني ومعشوقته ؟ فأنشد :
span style="font-family:" Arial",sans-serif"يا أشماديا ذنب أنتَ تعرفُه وأنت تعلمُ بكل ما تم إسراره
span style="font-family:" Arial",sans-serif"وأنتَ أدرى بم بُيّت ليلا بهم فخبِّرني بذنب يحوي أوزاره
span style="font-family:" Arial",sans-serif"أنت سندي ومولاي سيدي لا تتركني ببابك دون إقهاره
span style="font-family:" Arial",sans-serif"فيأتيني بم أسررت له من فصه، وما دار بين الطرفين بنصه، فلا تسمع لأحد اعتراض والكل للطرف غاض، فليس يجدع أنف البشر أجمعين إلا التعرف على ما يشين،
span style="font-family:" Arial",sans-serif"وقال السائق: أين تريد الذهاب يا مولانا، فقال: إلى عطار الحسين لنشتري البخور واللبانا ، ثم نستريح للإفطار، ونرتب كيف سيكون الرحيل والانتظار. واستأنف سائلا السائق: ممن أنت يا مِقدس ؟ وهل ذهبت إلى المِقدس ؟ رد قائلا : من عائلة مكرم القبطية ، مقيم في الجيزة الحوامدية ، و تعرفت على الحاج حسين منذ عامين ، فاستعملني لقيادة سيارته، من الجيزة لمحل إقامته ، فأمكث في أسيوط معه ليدير مصالحه ، وأعلم مضايقه في مصر وبطائحه ، وأمرني بالبقاء معك كظلك ، ومهما طلبت لا أملَّك .
span style="font-family:" Arial",sans-serif"فقال الشيخ : ستذهب لتطمئن على اولادك ، وتترك لهم رفادك ، ولا تخلف معنا ميعادك ، بعد غد بجوار قسم الأزبكية على مطعم على بركة الله بعد العشية ، واترك هاتفك مع صابر واذهب بعد الأفطار ولا تناقشنا في القرار ، وأنا مقيم بشارع عزيز أباظة قرب مطار ألماظة .
span style="font-family:" Arial",sans-serif"وبعد تناول أقراص الطعمية، وأصابع البطاطس وشرائح الباذنجان المقلية، قال السائق: ألم تحتاجني في توصيلك لأي مكان، أو أقضي لك ما في الإمكان، فرد الشيخ: ألك حاجة نؤديها إليك، أم ما في حنانيك ؟ قال : أخشى قطع رزقي إن تركتك ، وقد يخونك وقتك ، وتفتر قوتك
span style="font-family:" Arial",sans-serif"فرد عليه لم أخدعك في عنواني ، وصابر ضامن لي إن شيطاني أغواني ، فهو الوسيط بيني وبينكم ، حتى يأذن الله بخروج ما عندكم . ولكن اخبرني سبب خروج الحج من المجلس إلى المحبس ، قال : دخل مع نسر بارز في تنافس ، على مومياء للفرعون كاموس ، فأورده الموارد ، فأنفق ليخرج منها الطارف والتالد . فسأله : من النسر البارز ؟ وهل سدت بينهما المخارز ؟ أم مازالت دائرة بينهما المناجز ؟ فرد : من بني بدارة ، تبدو بينهما عند اللقاء مداراة ، والله أعلم بما نفس كليهما وما انتواه . فوضع الشيخ في يده مالا وحيّاه .
span style="font-family:" Arial",sans-serif"التفت إلى صابر وقال ، ما لديك من سؤال ، تزاحمت الأسئلة في رأسك والأمنيات ، فأفض بما لديك وآت ، قال : منحك الرجل المال دون ضمانات ، وليس لديك رجال لحفر أو سقالات ، وبينهما إحن وجولات ، وهو يريد تعويض خسارته ، ويرد للبداري ضربته ، ويعود لمنزلته ووجاهته ، ولم span style="font-family:" Arial",sans-serif"وضعتني ضامنا لك ، ولا طاقة لي به ولا بك ؟ فقال : ثقة زائدة في ذاته وأفراده ، وصيد سهل كثر رصاده ، والنفوس على الشر مجلوبة ، ومن الخير مسلوبة ، قليل دفين الأرض عميم ، والطمع خلق ذميم ، لا ينفع صاحبه ولا ذريته ، يشك في رَحِمه ويقيد حريته ، فاقض ما انت قاض ، أتعود وتخرج خالي الوفاض ، أم تأخذ خمسة مما علينا المولى أفاض ، وتعود لبلدتك ، وترمي شريحتك ، وتتصل بي لأعرف أخبارك وأخبار أسرتك ، أنا الشاطر الموصلي أيها المنحرف ، وأنشد وهو ينصرف :
span style="font-family:" Arial",sans-serif"مالي ومال اختلاف الخلائق لم يعتبروا لما سبق السوابق
span style="font-family:" Arial",sans-serif"أمنهم مخلد في ملكه وماله أم أرداه في ملكه الناعق
span style="font-family:" Arial",sans-serif"سلوا من قال انا ربكم الأعلى هل نجاه من الغرق طوارق
span style="font-family:" Arial",sans-serif"كان له ملك ونُهرٌ تجري من تحته فأضحى فوقها غارق
span style="font-family:" Arial",sans-serif"هكذا أنت في كل مرة، تمنيني بآمال مُرَّة، وتقطف العمل ثماره ، وتتركني لنيرانه وأضراره ، فما عساي أن أفعل ، إن المرشد أو المِقدِس اتصل ، فأخذ المال ودفع منه الحساب ، وأسرع بين الخلق ينساب وهو يقول دون أسباب :
span style="font-family:" Arial",sans-serif"أمن العدل يشقى الشريف بأرضك وفي القرآن ذكراك
span style="font-family:" Arial",sans-serif"ويعلو اللئيم ذراكِ ويهوِى الضمير دياجير حشاك
span style="font-family:" Arial",sans-serif"إلى متى سأظل مهانا فيك بك وحق من ذرأك وسواك
span style="font-family:" Arial",sans-serif"ألجأتني فاقتي وحوائج لصحبة لئام الخلق أيرضاك
span style="font-family:" Arial",sans-serif"لا يصلح الفقر فيك عالما ، ولا المال جاهلا هيهاتك
span style="font-family:" Arial",sans-serif"ما أضيع الضمير فيك يا بلدي دينك فيك بعد دنياك
span style="font-family:" Arial",sans-serif"وسالت دموعه على وجنتيه ، حزنا على دينه وعليه ، واتجه للمحطة ليركب القطار إلى طنطا، محاولا نسيان هذه السقطة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.