قمامة وإشغالات.. محافظ القليوبية بجولة مسائية: تفعيل سياسية الثواب والعقاب ومحاسبة المتقاعسين (صور)    نشرة «المصري اليوم» الصباحية: أسعار الذهب اليوم الأحد 7 يوليو 2024 للبيع والشراء.. تعليق ناري من شريف إكرامي على وفاة أحمد رفعت    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه.. اليوم الأحد 7 يوليو    للمرة 227 خلال 14 عامًا.. انقطاع الكهرباء في جميع أنحاء نيجيريا    نشرة ال«توك شو» من «المصري اليوم»:«تليف في القلب».. تفاصيل جديدة عن وفاة أحمد رفعت.. «التعليم»: إعادة امتحان الكيمياء للثانوية العامة ب«لجنة الدقهلية» في هذه الحالة    التعادل يحسم الوقت الأصلى لمباراة أوروجواى ضد البرازيل فى كوبا أمريكا    واشنطن بوست: فريق بايدن لم يتمكن من احتواء أزمة فشله خلال المناظرة مع ترامب    مواعيد مباريات نصف نهائي كوبا أمريكا سنة 2024    يورو 2024| مواجهات نصف النهائي.. مواعيد المباريات والقنوات الناقلة    حادث مروع.. غرق 5 لاعبين من فريق مغربي شهير    امرأتان تتنافسان على المنصب، سكان طوكيو يختارون حاكمهم    "أطلع هُنا" رابط نتائج البكالوريا سوريا حسب رقم الاكتتاب عبر موقع وزارة التربية السورية moed gov sy    الأرصاد تحذر المصطافين من ارتفاع الأمواج اليوم على الشواطئ    ذكرى استشهاد البطل أحمد المنسى في كاريكاتير اليوم السابع    أمن قنا يحرر طفلًا بعد ساعات من اختطافه ويضبط الجناة    تركي آل الشيخ: «الفيل الأزرق 3» هيروح في حته تانية ونتفاوض على جزء رابع    الاحتلال الإسرائيلي يقتحم عدة بلدات في الضفة الغربية    اهتمام الرئيس السيسي أكسب الحوار الوطني ثقلا مجتمعيا وسياسيا.. والهدف خدمة الشعب المصري    3 ناجين و2 مفقودين.. القصة الكاملة لكارثة غرق 5 لاعبين من اتحاد طنجة المغربي    وزير التموين: الدعم يعد الملف الرئيسي ولا بد من وضع إجراءات لتنقية البيانات    ضياء السيد: رفعت صاحب شخصية قوية منذ صغره وكنا نستعد لعودته للملاعب وتفاجئ بانضمامه للمنتخب مع كيروش    عاجل - مع بداية العام الهجري شاهد خطوات استبدال كسوة الكعبة 1446    جوري بكر تعلق على انتقادات فتح شاطئ لعمال الساحل الشمالي.. ماذا قالت؟    خالد الجندي: هجرة الرسول تمثل القدرة على اتخاذ قرار.. ونتج عنها ميلاد أمة    «زي النهارده».. اليوم العالمي للشيكولاتة 7 يوليو 2009    كوبا أمريكا 2024| تشكيل منتخب البرازيل لمواجهة أوروجواي    رئيس مودرن سبورت: الحديث عن مستحقات أحمد رفعت «سابق لأوانه»    نشوى مصطفى تتعرض لحادث بسيارتها.. وتعلق: "ربنا نجانى برحمته ولطفه"    «بعد فيديو طلقتني ليه؟».. هل تزوج لطفي لبيب من نجوى فؤاد؟    رئيس كفر الدوار يتابع التزام المحال التجارية بمواعيد الغلق    وزير الأوقاف ومحافظ القاهرة يشهدان الاحتفال بالعام الهجري الجديد    ماذا يريد الشعب من الحكومة؟    مجلس التعاون الخليجى يدين قصف إسرائيل لمدرسة الجاعونى التابعة للأونروا بغزة    بحضور حسام حبيب.. جهات التحقيق تعاين الاستوديو محل الاعتداء على شيرين عبد الوهاب    مقتل شخصين إثر قصف روسي على مبانٍ في خيرسون الأوكرانية    جريمة موثقة أضرت بالتعليم.. نقابة المحامين تعلق على واقعة الغش الجماعي بالدقهلية    جمال شعبان يكشف مفاجأة عن سبب وفاة أحمد رفعت    سحر القهوة: تاريخها، فوائدها، وأثرها الثقافي في العالم    نادر شوقي يفجر مفاجأة بشأن وفاة أحمد رفعت    جمال علام: وفاة أحمد رفعت صادمة لجميع المنظومة.. وأجهزة صدمات القلب موجودة    بالأسماء، ترشيحات نقابة الصحفيين لممثليها في عضوية الأعلى للإعلام والوطنية للصحافة    آخر فرصة للتقديم.. وظائف خالية بجامعة الفيوم (المستندات والشروط)    وزير التموين: التسعيرة الجبرية ليست حلا.. ونعمل على زيادة الدعم في الموازنة المقبلة    حظك اليوم برج القوس الأحد 7-7-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    استدعاء شيرين عبدالوهاب للتحقيق في بلاغها ضد حسام حبيب بضربها    فضيحة تضرب أشهر ماركات الحقائب.. إطلالات مئات الآلاف سعرها لا يتجاوز ال3 آلاف جنيه    الأكاديمية العسكرية المصرية تحتفل بتخرج الدفعة الأولى (ب) من المعينين بالجهات القضائية بعد إتمام دورتهم التدريبية بالكلية الحربية    اليوم غرة محرم.. العام الهجري الجديد 1446    الكلية العسكرية التكنولوجية تستقبل وفدًا من جامعة العلوم للدفاع الوطنية الصينية    لليوم ال 274.. الاحتلال يواصل جرائم الإبادة الجماعيةوينسف المبانى بالشجاعية و"غوتيريش" يحذر من حرب شاملة    وفاة مسن ضربه أبناء شقيقه بعصا على رأسه في الغربية    عاجل.. رئيس مودرن سبورت يكشف تفاصيل عقد أحمد رفعت وقيمة راتبه المستحق لأسرته    احذروا.. تناول هذه الإضافات في الآيس كريم قد يشكل خطراً على الصحة    «الطرق والمستشفيات والتعليم والقمامة».. ملفات على طاولة محافظ المنوفية بعد تجديد الثقة    سبّ وضرب في اللايف.. كواليس خناقة داخل مستشفى بأكتوبر    دعاء النبي وأفضل الأدعية المستجابة.. أدعية العام الهجري الجديد 1446    أيام الصيام في شهر محرم 2024.. تبدأ غدا وأشهرها عاشوراء    مفتى الجمهورية: التهنئة بقدوم العام الهجرى مستحبة شرعًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في رسالة جامعية:خطاب السلطة في مواجهة خطاب الثورة
نشر في أخبار الأدب يوم 28 - 06 - 2014

يحاول العديد من الباحثين في رسائلهم الجامعية، أن يقتربوا من «ربيع الثورات العربية» سواء بتحليل الأسباب والدوافع وراء هذه الثورات، أو بالتركيز علي هتافات الميادين،أو متوقفين أمام خطاب الرؤساء الذين هتفت الشعوب بسقوط أنظمتهم.
الباحثة نورهان عبدالرءوف أحمد قامت في رسالتها لنيل الماجستير من قسم اللغة العربية بكلية الألسن شمس بتحليل خطاب السلطة في عام الثورات العربية 2011 ، لتقف أمام لجنة المناقشة والإشراف التي تكونت من: د.إيمان السعيد، د.محمد العبد، د.محيي الدين محسب، ود.محمد عوني عبدالرءوف، لتطرح رؤاها حول طبيعة خطاب السلطة في ذلك الوقت
أكدت الباحثة في رسالتها أن أية سلطة مهما عظمت قوتها الحسية علي الأرض لابد لها من الارتكاز إلي نفوذ ذهني رمزي يؤسسه الخطاب الذي تتبناه وتروجه، وأن هذا العامل الخطابي يرافق السلطة في جميع مراحلها، لافتة أنها (أي السلطة) تعتمد عليه في بداية تشكلها لتشق لنفسها طريقا بين خطابات متناقضة لقوي صغيرة متصارعة، ثم توظفه طوال فترة هيمنتها لنشر تصورات ومفاهيم أيديولوجية، تضمن بقاءها وتفردها سلطة عظمي في منطقة نفوذها لأطول زمن ممكن، ثم هي (السلطة) تلجأ إلي العامل الخطابي، وقد تعيد انتاجه وتوظيفه للدفاع عن بقائها حين يتهددها خطر ينذر بانهيارها، وربما بقيت تردده بعد لحظة الانهيار مع أنفاسها الأخيرة.
ولفتت الباحثة إلي أن دراستها اهتمت بذلك النمط من خطاب السلطة الذي يوجه لدفع خطر السقوط منها، وأنها بصدد تحليل الخطاب السياسي السلطوي الذي أطلقه عدد من الحكام العرب في مواجهة الاحتجاجات الشعبية المطالبة بإسقاط أنظمتهم، وتتخذ من أحداث المنطقة العربية لعام 2011 وارهاصاتها في الأيام الأخيرة من عام 2010، وتوابعها في الأيام الأولي من 2012 إطارا زمنيا لها.
وأكدت الباحثة أن الآلة الاعلامية للسلطة - خلال تلك الاحتجاجات الشعبية - عرفت قمة نشاطها في محاولتها توجيه الحراك الشعبي لصالحها من جهة، وضمان التأييد الخارجي من جهة أخري خاصة حين فشلت أصوات القذائف في كتم الأصوات المحتجة ، وبقيت اللغة هي وسيلة الدفاع الأخيرة في يد الحاكم، الذي أدرك متأخرا أن عليه أن يخوض بشخصه معركته من أجل البقاء في السلطة.
ولمدة عام ظلت الشعوب العربية في مصر ، تونس، ليبيا، واليمن ومعها شعوب العالم تستمع في ترقب إلي خطاب سلطات تترنح علي حافة الانهيار، فتتجاوب معه ايجابا حينا، وسلبا حينا آخر وتتخذه مادة للتندر والفكاهة في كثير من الأحيان.
واخضعت الدراسة الخطاب السياسي لكل من: علي زين العابدين (تونس)، حسني مبارك (مصر)معمر القذافي (ليبيا)، علي عبدالله صالح (اليمن) للبحث والتحليل.
ضمت مادة الدراسة مجموعة خطابات لزين العابدين وهي مؤرخة في 28 ديسمبر 2010، 10 يناير 2011 ، 13 يناير 2011 وخطابات مبارك في 28 يناير 2011 ، أول فبراير ، 10 فبراير.
ومجموعة خطابات القذافي في : 22 فبراير 2011، 25 فبراير، 19 مارس، 30 ابريل، 17 يونيو، أول يوليو، 20 سبتمبر.
أما مجموعة خطابات علي عبدالله صالح بدأت من23 يناير 2011، 21 فبراير، 10 مارس، 8 ابريل، 22 مايو، 7 يوليو، 18 أكتوبر، 23 نوفمبر، من عام 2011، ثم خطابه في 22 يناير 2012.
وكشفت الدراسة أنه يمكن رصد عدد من الموضوعات الرئيسية التي هيمنت علي العينة المدروسة من الخطابات، ولكن حضورها في النص يتفاوت من خطاب لآخر بحسب رؤية المرسل، والأحداث السياسية التي تصاحبه، وهي تشكل في الخطاب وفق رؤي المرسل ومصالحه، والموضوعات هي: الحدث (التحركات الشعبية المناهضة للنظام»، الطرف الآخر، أهدافه المعلنة والخفية، أداء النظام القائم في السابق وفيما سيأتي، توظيف بعض القضايا العامة.
سلطة .. علي وشك الانهيار
وأكدت الباحثة أن خطاب السلطة في عام الثورات العربية عند كل من زين العابدين بن علي، حسني مبارك، علي عبدالله صالح، معمر القذافي، للدارس اللغوي كان بوصفه ممثلا لخطاب سلطة موشكة علي الانهيار تنتجه أو تعيد انتاجه، في محاولة لدفع خطر السقوط عنها، مشيرة إلي أن رسالتها اتخذت من أحداث المنطقة لعام 2011 إطارها الزمني، وهي فترة نشطت فيها الآلة الاعلامية للسلطة وعلي رأسها الحاكم نفسه، في محاولات مواجهة الحراك الشعبي وتوجيهه، خاصة حين فشلت المواجهة الأمنية في تقويضه.
تكونت الدراسة من ثلاث خطب للرئيس التونسي بن علي وثلاث لحسني مبارك وسبع خطب لمعمر القذافي، وتسع خطب للرئيس اليمني وجميعها موزع علي شهور عام 2011 باستثناء الخطبة الأولي للرئيس التونسي في ديسمبر 2010، والأخيرة للرئيس اليمني في يناير 2012.
في الجزء الأول من الرسالة تناولت الباحثة اللغة بين مقاصد السياسة وآليات الخطاب، بما يعني تناول الوسائل اللغوية الموظفة لتحقيق الأغراض التفاوضية، وفيه بينت أن الرئيسين التونسي والمصري قد غيبا من خطابهما في البدء الموضوعات التي تسبب حرجا لهما، وبخاصة الاتهامات بالمسئولية عن العنف والضحايا، متعمدين ألا يكسباها رواجا بين المواطنين، لكنهما عدلا عن هذا بعد اتساع المواجهات، وادراكهما أن التجاهل يترك فراغا خطابيا يستغله الخطاب المناهض، أما الحاكمان الليبي واليمني فقد شهدت خطاباتها حضورا موجها للموضوعات الرئيسية منذ البدء.
آليات المراوغة
بينت الدراسة عدة ملامح للتسمية والوصف في خطاب الأزمة، ففيما يخص الحدث، تجنب الحكام استخدام اسم الثورة، واستحقاقاته، وتبنوا تسميات محايدة ك »الأحداث«، و»الأزمة« أو تسميات تستدعي عقوبات قانونية علي المحتجين ك»الانقلاب« و»التمرد« كمااشترك الأربعة »الرؤساء« في تضخيم المصاحبات السلبية للاحتجاجات، وبخاصة في ليبيا واليمن حيث طال أمد العنف، واتسع المجال لتوظيف التقنيات البلاغية والسردية في التصوير والعنونة،وقد تجنب بن علي ومبارك التقييمات السلبية الصريحة، بسبب مفاجأة الحدث وسلميته في حين أن المواجهات المسلحة القائمة سلفا في اليمن، والتدخل العسكري الدولي في ليبيا، جعلا صالحا والقذافي يتبنيان تسميات وأوصافا حادة وأعمق في دلالتها التقييمية، ومع نجاح الثورات، حاول حاكم احباط المتظاهرين ضده، بتشويه الثورات السابقة أو التهوين من تحركهم بوصفه محض تقليد أو عدوي، مستخدمين أوصافا موجهة للمحتجين منها ما يعني قلة عددهم مثل »البعض«، »الحالات فردية« و»القلة القليلة«، وصغر أعمارهم وبالتالي اتهامهم بالطيش وقلة الخبرة، وضعف قواهم العقلية» فهم مغفلون ومجانين وسذج ويتهمون بالإدمان، تهم أخلاقية أو وطنية »كالخيانة والإرهاب، الفساد، الطمع في مكاسب خاصة«.
تعددت آليات المراوغة في الخطاب، وأبرزها: الاستلاب الخطابي باستحواذ الحكام علي الشعارات الرائجة في خطاب
معارضيهم لانقاذه قوته، وتوظيف بنية المفارقة والتعبيرات المبهمة مثل التحويل الاسمي والمبني للمجهول، للتمويه علي مسئولية الأحداث التي تثير الغضب الجماهيري، والاحتكام إلي مصطلحات ذات قدسية رمزية،»القانون«، و»الدستور« لتبرير ممارساتهم إذا انكار مسئوليتهم عنها.
كما في قول بن علي: »اننا نجدد التأكيد علي احترام حرية الرأي« ، وأن الدولة ساهرة علي ايجاد الحلول لتلبية طلبات الشعب
وقول مبارك: »ان طريق الاصلاح الذي اخترناه لا رجوع عنه« ان برنامجنا لمحاصرة البطالة واتاحة المزيد من خدمات التعليم والصحةوالاسكان وغيرها للشباب والمواطنين تظل رهنا بالحفاظ علي مصر مستقرة«.
في حين وصل القذافي إلي أقصي درجات التماهي مع شعارات المحتجين عليه عن طريق المساواة بين ذاته والفعل الثوري مستخدما الوظيفة النحوية للبدل في قوله »يا اللي مع معمر القذافي الثورة« ومستخدما التعريف الصريح في قوله (الثورة تعني كل المكتسبات المادية والمعنوية (ثورة تاريخية جاءت بالأمجاد لليبيين).
وقول عبدالله صالح مستخدما الاستلاب الخطابي : (من يسعي للسلطة من أجل ايش؟ من أجل أن يكسب، لكن من أجل أن يحسن الظروف المعيشية للمواطنين.
وعن وجه الحاكم بين تمثيلات الخطاب وخبرات المخاطب، تناولت الباحثة المجالات التي تتشكل فيها التصورات عن شخصية المرسل، وبناء العلاقات، من بين الضمنيات التي توظف في بناء تصورات عن شخصية الحاكم، الضمنيات المعجمية والتعبيرات المنطوقة، والتي غلبت علي الخطب الأولي للحاكم منها تعبيرات منتمية إلي مجال القوة والالزام بغرض اظهار صلابتهم وتحدي خصومهم، وبالتدريج بدأوا يخففون وطأة المجال الالزامي،ويرفعون نسبة استخدامهم للتعبيرات العاطفية في محاولة لابداء نبل أخلاقهم وتعاطفهم مع المعارضين والضحايا بل تجاوز (بن علي) و(مبارك) هذا إلي محاولة كسب تعاطف الجماهير واستجداء البقاء في السلطة بضعة أشهر اضافية.
في خطاب بن علي : (اننا نقدر الشعور الذي ينتاب أي عاطل عن العمل« وعند مبارك (انني تألمت كل الألم من أجلهم مثلما تألمتم)
ويقول القذافي: (تخلي الواحد تخنقه العبرة،لما يشوف ها الشباب هدول..أبنائي، وكلهم يقولوا حنانا دمين.. ضحكوا علينا).
ويقول عبدالله صالح: (تعتبوا أنا أشفق عليكم وأقول لكم عودوا إلي مساكنكم وتبدأوا صفحة جديدة مع القيادة الجديدة.
وبشكل مجمل جاء خطاب زين العابدين بن علي (الأول) بعد أحد عشر يوما من بدء الاحداث وتفاقمها، عن أداء النظام وما حققه للوطن في التعليم والأمن والتوزيع العادل للموارد وجذب الاستثمار وعد الخطاب،الأزمة حالة فردية شهدتها منطقة محددة هي سيدي بوزيد، بينما أغفل تماما الحديث عن تفاصيل الأوضاع وتطوراتها منذ اشتعال الأزمة.
وتري الباحثة أن زين العابدين استمر في تجاهل تفاصيل التحركات المناهضة في خطاب بن علي الثاني، باستثناء اشارات قليلة مرتبطة غالبا بتحميلها مسئولية الضحايا، وفي خطابه الثالث مع تصاعد الأحداث كان القسم الأكبر منه حول تحركات الشارع وتفاصيلها وضحاياها بالتصريح ب «فهم» مطالبها والاستجابة لها، فيما يخص الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية العامة وليس بوصفها حالات فردية.
تحميل المعاضين مسئولية الضحايا
حمل الخطاب الأول لمبارك اقرارا صريحا باستثنائيته واشارات واضحة إلي التظاهرات مع تحميل المعارضين مسئولية الضحايا والفوضي، ولم يختلف الخطاب الثاني لمبارك عن الأول، فيما يخص تفاصيل الحراك في الشارع،واختلف عن الأول في تركيزه العاطفي الكبير علي شخص الحاكم وتاريخه مع تصريح عن انتوائه عدم الترشح لفترة جديدة. وجاء الخطاب الثالث فكان أكثر اسهابا وافاضة في مناقشة التعديلات الدستورية المفترض من البرلمان انجازها، وحمل وعودا أكثر صراحا أكثر من ذي قبل، بمايعد استجابات محتمة لمطالب المحتجين، كما يلفت فيه الاعتراف بمسئولية الدولة عن الضحايا والاقرار بوجود أخطاء، مع التركيز علي التاريخ الشخصي للحاكم.
خطاب القذافي
أول خطاب له بعد اندلاع الاحتجاجات ضده كان الخطاب طويلا بدرجة سمحت لكل الموضوعات الرئيسية بأن تحضر فيه ، وأن يكون لها نصيبها من الاسهاب، هناك إقرار ضمني باستثنائية الوضع القائم، وذكر واضح للأحداث بوصفها جرائم تهدد الوطن، في خطابه لا يوجد فصل بين النظام «الجماهيري» وشخص القذافي الذي لا يعد نفسه حاكما، هناك تماه صريح تماما بين القذافي وليبيا، وليس ضمنيا كما في حالة الحكام الآخرين، و عليه فإن كل المآثر في تاريخ ليبيا منسوبة بالتلازم إلي القذافي.
وفي خطاب 19/3/2011 اتجه للحديث عن قوات الناتو التي بدأت عمليتها «فجر الاوديسا» فوق ليبيا في اليوم نفسه، وبدأ يطلق التهديدات تجاهها، في حين تهمل هذه الخطابات تماماالتحركات المسلحة من قبل القبائل الليبية، والتجمعات المعارضة وتعتبر ان جميع الشعب الليبي جبهة واحدة في صف القذافي باستثناء بعض الخونة.
وأوضحت الباحثة أن بعض خطابات القذافي جاء متعلقا بحدث بعينه كخطاب ليلة 30 ابريل 2011الذي وافق الذكري السادسة والتسعين لمعركة القرضابية في الكفاح الليبي ضد الاحتلال الايطالي وخطابه في الأول من سبتمبر ذكري انقلاب 1969 (ثورة الفاتح).
أما الخطابان الأخيران للقذافي بتاريخ 20/9 ، 6/10 كلاهما تسجيل تليفزيوني صوتي، الثاني منهما غير واضح، ولايكاد المستمع يميز منه شيئا، أما خطاب 20 سبتمبر فهو قصير وأتي بعد الاعتراف الدولي بالمجلس الانتقالي الليبي، ويتركز حول فكرة استحالة القضاء علي النظام الجماهيري لأنه يقوم علي حكم الشعب.
خطاب علي عبدالله صالح
أول خطاب له في الأزمة كان بتاريخ 23 يناير 2011 ألقاه في المؤتمر السنوي لقادة القوات المسلحة والأمن اليمني وفيه أسهب في الحديث عن انجازات المؤسسة العسكرية ومنها إلي انجازات النظام، ودوره في حفظ الأمن والقضاء علي الفوضي .
وكان توجيه الاتهام إلي المعارضة هو السائد في خطاب صالح بعد توقيع المؤتمر الشعبي العام الحاكم علي المبادرة الخليجية واتهام المعارضة بنشر الفوضي والعنف والعمالة للخارج. أما خطابه الأخير في 22 يناير 2012 فكان محوره التاريخ الشخصي للحاكم إلي جانب الأسف علي ضحايا ما يسمي بثورة الشباب!
أنظمة تموت
تؤكد الباحثة أن ألفاظ الزمن وما يرتبط بها من تعبيرات ترسم صورة الحاكم المتقدم في العمل بكل ما تختزنه هذه الصورة من أوصاف ضمنية كالخبرة والتاريخ الوطني وضرورة أن يحظي بالاحترام، بل أنها تعهد إليه بمهمة تدبير شئون المجتمع، كما أن هذا المجال يحمل - في ذات الوقت - ايحاء بدنو أجل الحاكم، واقترابه من الموت، وهو ايحاء بتحقيق اثارة قصوي للمشاعر، وبصورة خاصة لدي شعوب عرفت بعاطفيتها،، وهذا إلي جانب الرسالة التي يحملها بعدم وجود ضرورة لقيام ثورة تسعي للتخلص بما بقي من عهده، فيقول زين العابدين بن علي في 13/1/2011 مضيت أكثر من 50 سنة من عمري في خدمة تونس في مختلف المواقع من الجيش الوطني إلي المسئوليات المختلفة و23 علي رأس الدولة، كل يوم من حياتي كان ومازال لخدمة البلاد.
حسني مبارك 1/2/2011 «ان حسني مبارك الذي يتحدث إليكم اليوم يعتز بما قضاه من سنين طويلة في خدمة مصر وشعبها».
لفتت الباحثة إلي أن هذه الألفاظ يعاضدها ألفاظ «العمر» و«السن» ويعد لفظ «العمر» من ألفاظ الزمن المبهم المرتبط بزمن حياة الإنسان، ويشبهه في الاستعمال لفظ «السن» والإبهام في حد ذاته، مطلوب في هذا السياق تضليلا وإلهاء، وذلك كما هو عند زين العابدين بن علي «أرفض المساس بشرط السن للترشح لرئاسة الجمهورية في اشارة خفية إلي تقدمه في العمر، أما عند مبارك فيقول: قضيت ما يكفي من العمر في خدمة مصر وشعبها» بينما يقول القذافي :«أنا كملت عمري، ميش خايف من شيء 22/2/2011 «أنا معمر القذافي لا عندي قصر، ولا فلوس، ولا عندي حتي مستقبل كملت عمري في الثورة.
وكذلك تسهم في أداء هذا المعني، وبشكل أكثر مباشرة ألفاظ الحياة والموت، مع قدرتها الخاصة علي اثارة الشحن، مبارك في 28/1/2011 «إني لا أتحدث إليكم اليوم، كرئيس للجمهورية، فحسب وأنما كمصري شاءت الأقدار أن يتحمل مسئولية هذا الوطن، وأمضي حياته من أجله حربا وسلاما» كما قال في 10/2/2011 «انني عشت من أجل هذا الوطن حفاظا لمسئوليته وأمانته».
علي عبدالله صالح 8/10/2011 (تآمر مش ضدي أنا، أنا بالنسبة لي أنا توفيت حوالي 115 يوما وأنا ميت"
واختلفت نغمة استخدام هذه الألفاظ بين حاكم وآخر ففي حين بدت محاولة يائسة لاستجداء أشهر اضافية في الحكم لدي مبارك كما يستخلص من عبارته "فيه عشت" وحاربت من أجله، ودافعت عن أرضه وسيادته ومصالحه، وعلي أرضه أموت"، ارتفعت فيها نبرة الأمر الواقع وقرار المواجهة وغرض المن وتعيير الشعب بالعمر المبذول لأجله عند القذافي، حين يعبر مثلا عن ثباته علي نهج حكمه تحت مسمي الثورة:
"والثورة تعني التضحية دائما وأبدا حتي نهاية العمر"
وكذلك في تعبيره عن استعداده للمواجهة أيا كان ثمنها
يقول القذافي (17/6/2011) نحن لايهمنا الموت نحن ما يهمنا الموت، ولاتهمنا الحياة الآن، طظ في الحياة، طظ في السلام ما نبوه".
كما أثبتت الدراسة اشتراك الحكام الأربعة (بن علي، مبارك، صالح، القذافي)، في أهدافهم من الخطاب، وفي توظيفهم للمسارات والبني اللغوية الكبري، وأيضا في كثير من تفاصيل هذا التوظيف، بل انهم اشتركوا أحيانا في استعمال اللفظ أو المنطوق نفسه، كما في الأوصاف التي وجهوها إلي الاحتياجات والمحتجين مثل: (ارهاب)، (مندسين)، "منة"، أو في تعبيراتهم عن التضحيات التي قدموها لبلادهم، كما في: "خدمة تونس"، "خدمة مصر وشعبها"، "خدمة البلاد"، "خدمة الوطن"، لكن بضعة عوامل أدت إلي الاختلاف فيما بينهم في بعض التفاصيل، منها، العامل الشخصي الذي يميز شخصية كل منهم، مثل مبالغة القذافي في تقدير ذاته، التي كست خطابه بطابع هجومي، ومنعته من اظهار أي تجاوب مع المحتجين، ومثل تدهور صحة مبارك، الذي أدي إلي قصور شديد في تفاعله الحركي أمام المتلقين.
وحول الظواهر اللغوية التي تأثرت بتدرج الخط الزمني للأحداث، حاول الرئيسان التونسي والمصري في بدء الأحداث، تجاهل الموضوعات التي قد تسبب لهما حرجا وتغييبها من خطابهما، وبخاصة الاتهامات بالمسئولية عن أحداث العنف وضحاياها، متعمدين ألا يكسباها شرعية أو رواجا بين المواطنين، لكنهما عدلا عن هذا بعد اتساع نطاق المواجهات وبعد ادراكهما أن ذلك التجاهل يترك فراغا خطابيا صالحا للاستغلال من قبل الخطاب المناهض، وقد مثل هذا التجاهل في البدء انتهاكا لقاعدتي الكم والملاءمة في المبدأ التعاوني، إذ لم تقدم معلومات كافية عن الموضوع الاساسي المتوقع، وشحن الخطاب بمعلومات عن موضوعات أخري لاتخدم توقعات المتلقين.
أما العقيد الليبي، والرئيس اليمني فقد شهدت خطاباتهما حضورا للموضوعات الرئيسية منذ البداية، ومع محاولة توجيهها لخدمة مصالحها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.