وزير الإسكان: المنتدى الحضرى العالمي فرصة جيدة لتصدير العقار المصري    أستراليا تحث مواطنيها على مغادرة إسرائيل فورا    سفير مصر في موريتانيا: الجماهير كانت تتمنى حضور صلاح    فيديو.. الأرصاد: انخفاض طفيف في درجات الحرارة اليوم.. وفرص أمطار على تلك المناطق    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الثلاثاء 15 أكتوبر 2024    26 شهيدا فلسطينيا وعشرات الجرحى في قصف إسرائيلي لعدة مناطق بقطاع غزة    أمريكية صينية روسية.. ماذا نعرف عن أخطر أنواع الطائرات المسيرة في العالم؟    استشهاد 4 لبنانيين في غارات إسرائيلية بالجنوب.. وحزب الله يستهدف "كريات شمونة"    النفط يهبط 3% مع انحسار مخاوف تعطل الإمدادات الإيرانية    موقف مصابي الزمالك من المشاركة في السوبر المصري.. ضربة موجعة ل الأبيض    انخفاض أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 15 أكتوبر 2024    نقابة التمريض تنعى ضحايا حادث أتوبيس جامعة الجلالة وتتمنى الشفاء العاجل للمصابين    وسط حراسة مشددة.. وصول المتهمين في واقعة سحر مؤمن زكريا    إياد نصار يحضر لفيلم «من أيام الجيزة»    لا يسخر قوم من قوم.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبل    القنوات الناقلة لمباراة مصر وموريتانيا في تصفيات أمم إفريقيا 2025 والمعلقين    كوريا الشمالية تنفذ تفجيرات لفصل طرق وسكك حديدية تربطها بكوريا الجنوبية    المفوضية الأوروبية تقترح قانونًا جديدًا لتسريع ترحيل المهاجرين غير الشرعيين    دور مجلس النواب في تعزيز التعليم والبحث.. مناقشة مشروع قانون المجلس الوطني للتعليم والابتكار    أسعار المأكولات البحرية والجمبري اليوم الثلاثاء 15-10-2024 في محافظة قنا    فاعليات اليوم السابع لمهرجان نقابة المهن التمثيلية للمسرح    بدء التشغيل التجريبي للمتحف المصري الكبير، غدا    الزمالك يوضح موقف سامسون ويحدد موعد شكوى بوبيندزا    أسعار الخضروات اليوم الثلاثاء 15-10-2024 في قنا    وصول سائق أتوبيس جامعة الجلالة لإجراء تحليل مخدرات بمجمع السويس الطبي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 15-10-2024 في محافظة قنا    استهداف ترامب.. بايدن يحذر إيران من عواقب وخيمة حال مهاجمة اي أمريكي    مصرع طفل دهسًا أسفل عجلات قطار في جنوب قنا    لتحقيق الانضباط.. توجيه مهم من المديريات التعليمية بشأن غياب الطلاب عن المدارس    لديه 22 حفيدا ويحلم أن يصبح مستشارًا، قصة عم حسن من الحصول على الثانوية بعد الستين إلى الدراسة بكلية الحقوق    أبرز تصريحات حسن فؤاد ببرنامج "واحد من الناس"    تعرف على إيرادات فيلم Joker: Folie à Deux    800 جنيه للاستلام الفوري.. استخراج بطاقة الرقم القومي 2024 ب 6 طرق    وزير الري يكشف تفاصيل منظومة مواجهة العجز المائى الجديدة    إسعاد يونس وفريق «تيتا زوزو» يقفون حدادا على المنتجين الأربعة (فيديو)    تامر هجرس: «مطلبتش شبكة غالية لما خطيب بنتي أتقدملها»    بريطانيا: المناورات الصينية في مضيق تايوان تزيد من التوترات في المنطقة    عفت السادات: سياسية الرئيس عبد الفتاح السيسي هادئة وحكيمة    ما هو حكم الشرع في أداء كفارة اليمين.. الإفتاء تجيب    هل يجوز قراءة سورة الفاتحة بنية شفاء المريض وقضاء الحوائج    نقل أتوبيس «حادث الجلالة» إلى منطقة خالية من المركبات    ملف يلا كورة.. التحقيق مع 4 اتحادات لمخالفات مالية.. إصابة داري.. وفوز تاريخي لسيدات الزمالك    حبس المتهمين بسرقة العقارات تحت الإنشاء بمدينة 15 مايو    مدير التأمين الصحي بالغربية يتفقد مستشفى المجمع الطبي بطنطا    سعر الذهب اليوم.. عيار 21 ينخفض بالمصنعية والسبائك تتراجع لأدنى مستوياتها بالصاغة    «هيشوف اللي مشافوش في حياته».. تحذير صارم من كولر للاعبي الأهلي قبل السوبر    حاول التحلي بالمرونة حتى لا تصاب بالإرهاق الذهني.. برج الحمل اليوم 15 أكتوبر    متحدث الحكومة: الإعلان عن أخبار إيجابية قريبا بشأن طروحات المطارات    الزمالك يُعلن غياب "أحد نجوم السوبر الأفريقي" عن افتتاح السوبر المصري    "كايسيد" يعقد اجتماعا للجنة التوجيهية لمنصة الحوار في تونس    وزير التعليم العالي يوجه بتنسيق الرعاية الصحية لطلاب جامعة الجلالة المصابين    وكيل الصحة بالسويس يطمئن على مصابي حادث أتوبيس الجلالة    داعية إسلامية: "مش بحب الأكل ده" يعتبر كفران بالنعم    شريف الخشاب: زيزو الأنسب لتعويض محمد صلاح أمام موريتانيا    إبراهيم عيسى: أولويات الدولة تستهدف بناء المشروعات العملاقة من أجل الأجيال القادمة    مفاجآت الشؤون المعنوية    نشرة التوك شو| الإعلان عن برنامج الطروحات الحكومية وكواليس حادث أتوبيس الجلالة    اشرب شاي..قد يؤخر الشيخوخة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إيهاب فتحي يكتب: اغتيال ابنة الفيلسوف


بقلم: إيهاب فتحي
..كان مذيع النشرة الإخبارية بإحدى الفضائيات يقدم تفاصيل خبر اغتيال داريا دوجين فى إحدى ضواحى العاصمة الروسية موسكو بعبوة ناسفة وضعت فى سيارتها وفجرت السيارة وأودت بحياة داريا الصحافية والناشطة المؤيدة للدولة الوطنية الروسية والأهم أنها ابنة الفيلسوف الروسى الكسندر دوجين أو مايطلق عليه فى الأوساط السياسية بموسكو عقل الرئيس الروسى فلاديمير بوتين .
أثناء متابعة هذا الخبر الدموى كان معى أحد الأصدقاء الذى علق عقب انتهاء مذيع النشرة من تقديم التفاصيل قائلا : دوامة العنف تتسع، أعتقد ما قاله الصديق من تعليق على الخبر دقيق إلى حد كبير وأن حادث اغتيال داريا دوجين فى إحدى ضواحى موسكو ستكون له تداعيات عنيفة على المستوى الدولى لأن مستوى الصراع فى الأزمة الروسية الأوكرانية انتقل إلى أبعاد أكثر شراسة .
قبل الدخول فى التداعيات أو دوامة العنف التى ستتسع كما علق الصديق يفضل الإجابة على سؤال هل كانت داريا دوجين هى المستهدفة ؟ بالتأكيد نشاط داريا دوجين الدعائى والسياسى مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية زاد بشكل كبير.
تؤيد داريا بشدة حق بلدها روسيا فى حماية أمنها القومى والوقوف ضد تطلعات حلف الناتو ومن ورائه الولايات المتحدة فى ضم أوكرانيا إليه وكتبت فى إحدى مقالاتها المنشورة أن دخول أوكرانيا إلى حلف الناتو يعنى هلاكها مما دعا الولايات المتحدة وبريطانيا وضعها على قائمة العقوبات المفروضة على روسيا مع الكثير من الشخصيات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية الروسية فى مارس الماضى وكان السبب المعلن أن داريا دوجين دأبت على ترويج دعاية مضللة من خلال وسائل الإعلام التى تديرها أو تعمل بها.
علقت داريا دوجين على العقوبات الغربية المفروضة عليها وعلى والدها من قبل فى العام 2015 مع استعادة روسيا لمنطقة القرم أنها تشعر بالفخر لأن الغرب وضعها على قائمة عقوباته.
لم تكن الحروب الدعائية التى تشنها داريا دوجين على الولايات المتحدة وحلفائها عفوية أو ناتجة عن انفعال فهى درست الفلسفة فى جامعة موسكو وتجيد الفرنسية بطلاقة وتعتبر متخصصة فى السياسات الفرنسية غير الدراسات التحليلية التى تقوم بها حول السياسات الغربية تجاه بلادها روسيا وتحركها النشط فى أوساط القوميين الروس من أجل إثبات أحقية روسيا فى الدفاع عن أمنها القومى .
بالتأكيد كل هذا النشاط يجعل من داريا دوجين هدفاً أمام أعداء روسيا ليضعوا فى سيارتها مادة شديدة الانفجار لكن ملابسات الحادث تقود إلى هدف آخر أو الجائزة الكبرى وهى والدها الفيلسوف الكسندر دوجين الذى يرقد حاليا فى إحدى مستشفيات موسكو بعد صدمة اغتيال ابنته.
قبل ساعات من حادث الاغتيال ذهب الفيلسوف دوجين وابنته إحدى ضواحى موسكو لحضور مهرجان مخصص لإحياء التقاليد الروسية الوطنية وألقى الفيلسوف ألكسندر دوجين محاضرة وعقب انتهاء الفعاليات كان دوجين سيغادر المكان فى السيارة التى استقلتها ابنته لكنه غير رأيه فى اللحظة الأخيرة ليستقل سيارة أحد اصدقائه ويتبع سيارة ابنته التى انطلقت بمفردها ليحدث الانفجار بالقري من قرية صغيرة فى ضواحى موسكو ويتوقف الأب مذهولا يشاهد السيارة التى كانت بها ابنته محترقة تماما من شدة الانفجار لدرجة أن رجال التحقيق الروس لم يتعرفوا على بقايا جثة داريا دوجين إلا من خلال تحليل ال DNA.
سبب اغتيال داريا دوجين صدمة فى موسكو لكن لو نجح مدبرو الحادث الدموى فى اغتيال الأب الكسندر دوجين فإن الصدمة ستتحول إلى زلزال عنيف يؤثر على الكرملين وقائده بشدة لأن الفيلسوف الكسندر دوجين ليس شخصا عاديا نعم هو ليس مسئولا حكوميا روسيا لكنه أرفع منزلة من أى سياسى روسى لأنه هو من وضع النظريات التى أخرجت روسيا من حالة الانهيار التى وقعت فيها عقب اختفاء الاتحاد السوفيتى من الساحة الدولية وكل السياسات التى تتبعها روسيا بقيادة بوتين لاستعادة مكانتها على مستوى العالم ناتجة من أفكار ونظريات الفيلسوف الكسندر دوجين بل أن الكتابات الغربية التى تحلل التحول فى روسيا من الضعف إلى القوة تشير إلى أن كل من يريد فهم سياسات روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين فعليه دراسة أفكار ونظريات ألكسندر دوجين .
ألَف دوجين أكثر من 60 كتابا في التاريخِ والاجتماعِ والفلسفة والجيوسياسة ويعتبر الآن من أكثر الفلاسفة الروس المعاصرين حضورا فى الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية الروسية، قدم دوجين من خلال كتاباته خارطة طريق لروسيا فى مواجهة الغرب المتربص بها وبمجرد وصول فلاديمير بوتين إلى الكرملين فى العام 1998 تلقف نظريات دوجين وحولها إلى واقع عملى متحقق على الساحة السياسية الداخلية الروسية والدولية.
أهم ما قدمه ألكسندر دوجين إلى روسيا بوتين وقوفه على ضفة العداء من العولمة والليبرالية الغربية ونسختها الجديدة ويرى انها بلاء البشرية وكل ما يحدث من خراب سببه تفرد العولمة والليبرالية ونسخها بالساحة العالمية ، فصاغ دوجين النظرية السياسية الرابعة القائمة على فشل الشيوعية والفاشية والليبرالية و ترى النظرية الرابعة أن الأساس هوالعودة إلى الهوية الروسية ومن خلالها يمكن أن تتلاقى الثقافات المتفردة لكل أمة فيحدث التناغم بين الأمم دون سيطرة ثقافة واحدة على الشعوب كما تريد العولمة.
ومن خلال نظريته الرابعة فإنه يجب على روسيا الاتحاد مع كل الشعوب الناطقة بالروسية ثم يمتد التحالف إلى الشطر الآسيوى من العالم المتعدد الثقافات كالصين والهند وقد تحقق تصور دوجين سياسيا على أرض الواقع بقيام روسيا باستعادة القرم ثم دخولها إقليم الدونباس على حدودها مع اوكرانيا وبالنسبة لتحالفها مع آسيا فيظهر فى العلاقات المتنامية بين روسيا والصين وتحالف البريكس الذى يضم روسيا والصين والهند.
لم تتوقف رؤى دوجين عند هذا الحد فقدم طرحه الآخر المرتبط بصراع روسيا مع الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة وهو ما يعرف (بالنوماخيا ) أو ما يعنى (حرب العقول) فكل صراع حضارى هو معارك بين أفكار متضادة والمنتصر من تسود وتسيطر أفكاره ثم تقود، فبناء حضارة ما قائم على أفكار و أى مشروع إصلاحى وتحول مجتمعى وقوده الأفكار.
رأى دوجين أن أخطر ما يواجه روسيا هو سيطرة الأفكار الغربية من خلال آلة الدعاية الأنجلو أمريكية التى تؤثر على المواطن الروسى العادى وتشعره بالدونية أمام الغرب وأنه يجب مواجهة هذه الأفكار الدعائية الغربية من خلال امتلاك روسيا لمنظومة تستطيع من خلالها الترويج لأفكارها وإعادة الثقة للمواطن الروسى فى هويته.
اقتنعت روسيا بوتين برؤية دوجين وعملت منذ العام 2005 على إنشاء آلة دعائية مضادة هدفها الأول إعادة حالة الفخر بالهوية الروسية وتثبيت إحساس الندية بين المواطن الروسى والمواطن الأمريكى والغربى بصفة عامة .تفاعلت آلة الدعية الروسية مع ثورة المعلومات ووسائط السوشيال ميديا وتطبيقاتها حتى أصبحت هناك تطبيقات روسية منافسة للتطبيقات الغربية بالإضافة لشبكة الفضائيات والمواقع متعددة اللغات، تم تدشين اكتمال الآلة الدعائية الروسية فى العام 2014 بخروج مجموعة سبوتنيك للإعلام الروسى وهى المنظومة الإعلامية الأكبر خارج منظومة الإعلام الغربى والمنافسة له بضراوة .
استطاعت الآلة الدعائية الروسية حصار حملات الدعاية الغربية ثم الهجوم عليها وكانت لحظة الفخر بالنسبة للروس عندما قررت أغلب الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وانجلترا منع الأذرع الإعلامية الروسية من العمل على أراضيها لأنها تشكل تهديدا لأمنها القومى وكانت تلك هى المرة الأولى فى تاريخ روسيا المعاصرالذى يخشى فيه الغرب من الدعاية الروسية وهو ما أعاد الإحساس بالفخر عند المواطن الروسى بدولته فى قدرتها على إيذاء الخصم .
آخر ما قدمه دوجين كان رده المؤثر على دعاية الغرب الدائمة التى يستخدمها كوسيلة ضغط على الدول والمتعلقة بمصطلح حقوق الإنسان فاعتبر دوجين أن هذا المصطلح المستخدم من الغرب هو أمر نسبى ويختلف من ثقافة شعب إلى آخر وعندما نفهم مدى اختلاف مفهوم الإنسان والحق والقانون والأخلاق والسياسة والثقافة من أمة إلى أمة و من شعب إلى آخر عندها يمكننا الوصول إلى مصطَلح حقوق الإنسان.
بلا شك بعد كل ما قدمه ألكسندر دوجين من نظريات وإيمانه الشديد بحق روسيا فى الدخول إلى أوكرانيا التى يعتبرها جزءا من روسيا سيصبح عدوا للغرب لكن فى تاريخ الصراع الغربى الروسى لم يصل إلى هذه الدرجة من الحدة ففى ذروة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى لم يتم اغتيال كتاب أو مفكرين حتى من انشقوا على أى من المعسكرين .
نعود هنا إلى تعليق الصديق على خبر اغتيال داريا دوجين بأن دوامة العنف تتسع فلايمكن فصل حادث الاغتيال هذا عن العمليات التخريبية التى وقعت قبل ايام فى العمق الروسى والقرم حيث تعتبر أراضى روسية أو عمليات الاغتيال الغامضة التى تطال شخصيات روسية محسوبة على الكرملين وحتى الآن لم ترد موسكو على الحوادث السابقة أو العمليات التخريبية فى عمقها بنفس العنف .
تمثل العملية الأخيرة إهانة بالغة للكبرياء الروسى فهى تمت داخل موسكو العاصمة وضد شخصيات سواء دوجين أوابنته فهى شخصيات تعمل فى المجال العام الثقافى ولا تدير حربا بشكل مباشر وقريبة بشكل ما من الرئيس فلاديمير بوتين شخصيا ويبقى هناك سؤال ستجيب عليه الأيام القادمة هل سترد موسكو بنفس الأسلوب ؟ إذا ردت موسكو فسينتقل الصراع إلى مستوى آخر وأعتقد أن تعليق الصديق سيتحقق وتتسع دوامة العنف إلى درجة غير مسبوقة من الوحشية بين روسيا والولايات المتحدة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.