كما كان متوقعًا اُنتخب إيمانويل ماكرون لحكم فرنسا لخمس سنوات أخرى رغم ذلك فقد افرزت الانتخابات الأخيرة حقائق مهمة وهى صعود اليمين المتطرف لأول مرة بهذا الشكل فى تاريخ فرنسا. فرغم أن مارى لوبان منافسة ماكرون فى الانتخابات الرئاسية الفرنسية هزمت فى الانتخابات، لكنها أوصلت اليمين المتطرف لأبواب السلطة، مع أعلى نسبة أصوات فى انتخابات رئاسية منذ الحرب العالمية الثانية، فلم يسبق لأى حزب من أقصى اليمين فى فرنسا أن يحقق مثل هذه النتيجة فى انتخابات وطنية. وأثبتت نتائج الانتخابات أن اليمين المتطرف أصبح متفوقًا على اليسار بكل أطيافه وأن قرابة نصف الناخبين الفرنسيين يحملون أفكارًا يمينيةً متطرفةً سوف تلعب دورا فى تشكيل السياسات الفرنسية نحو اللاجئين والمهاجرين، وهو ما يعنى تغييرًا فى الخريطة الانتخابية وأيضًا فى المزاج العام للناخبين، ولولا تكتل أغلب المرشحين إلى جانب ماكرون ودعوتهم أنصارهم لقطع الطريق أمام لوبان لكان اليمين المتطرف فى قصر الإليزيه الآن. حصول لوبان على أصوات أقل من نصف الناخبين بقليل، هو إنجاز تاريخى غير مسبوق لحزب التجمع الوطنى الذى ترأسه ولليمين المتطرف ككل، يدعم فرض نفسها بشكل دائم على المشهد السياسى الفرنسى ويمهد لوصولها لقصر الإليزيه فى الانتخابات القادمة.. بعد أن تمكنت من إقناع قسم كبير من الفرنسيين بصواب سياساتها المرتكزة على منع الهجرة لفرنسا وتصعيد المواجهة مع المسلمين ومحاصرتهم، ما يعنى أن فرنسا ستكون أمام موعد جديد مع تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا، والعداء للمهاجرين وطالبى اللجوء، والضرب بشعارات الحضارات وقبول الآخر عرض الحائط. خاصة أن ماكرون أظهر هو الآخر عداءه الواضح للمسلمين والمهاجرين. المشكلة ان تداعيات نتائج لوبان لن تقتصر على فرنسا فقط، وإنما ستمتد نحو بقية دول أوروبا، فمن المتوقع أن تستفيد الأحزاب اليمينية المتطرفة الأوروبية الأخرى من هذا الصعود القومى الفرنسى. كما أن ارتدادات صعود اليمين المتطرف الفرنسى قد تحدث زلزالًا سياسيًا فى دول أوروبية بها أحزاب يمينية متطرفة مثل ألمانيا وهولندا والنمسا والدنمارك وايطاليا وبولندا. معروف أن الأحزاب اليمينية المتطرفة تشترك فى رؤيتها الكارهة للمهاجرين، خاصة المسلمين منهم، وهى تعتبر أن الهوية الإسلامية غير صالحة لأوروبا وأن الجانب الأكبر من الجاليات المسلمة المهاجرة غير مندمج فى المجتمعات التى يعيش فيها.
