فى كل عام فى مثل هذه الأيام ومع الدخول فى فصل الخريف واقتراب الشتاء يبدأ الأشخاص خاصة الموظفين والطلاب ممن اعتادوا على الاستيقاظ مبكرا فى الشعور بحالة غريبة من الخمول بالرغم من أخذ قسط كاف من النوم لتستمر تلك الحالة طوال اليوم، مع الشعور بفقدان الرغبة والشغف فى العمل أو التحرك وأحيانا تناول الطعام. وتفسر دراسات الرابطة النفسية الأمريكية أن كل هذه الأعراض هى بداية الإصابة بالاضطراب العاطفى الموسمى وتشمل أعراضه كلا من التعب حتى مع كثرة النوم واكتساب الوزن المرتبط بالإفراط فى تناول الطعام والرغبة الشديدة فى تناول الكربوهيدورات والشعور بعدم القيمة أو بالذنب مع صعوبة فى التفكير أو التركيز أو اتخاذ القرارات وورود خواطر الموت أو الانتحار.. ويمكن أن تختلف أعراض الاضطراب العاطفى الموسمى من خفيفة إلى شديدة. فى حين أنه يصاب البعض من زيادة فى النشاط البدنى غير المقصود مثل عدم القدرة على الجلوس بلا حراك أو السرعة أو شد اليد، أو على العكس تباطؤ الحركات أو الكلام. أما التفسير الدقيق لهذه الحالة والذى أشارت له التقارير العلمية هو أن وجود القليل من ضوء الشمس خلال فصلى الخريف والشتاء سبب مباشر لتلك الاضطرابات وأنه عادة ما تتحسن مع حلول فصل الربيع إذا تم علاجها جيدا وتشير دراسات الرابطة النفسية أيضا إلى أنه من الممكن تشخيص الاضطراب العاطفى الموسمى خطأً فى حالة وجود قصور فى الغدة الدرقية ونقص السكر فى الدم وعدد كرات الدم البيضاء المعدية وعدوى فيروسية أخرى. خطورة الإهمال من جانبنا تواصلنا مع خبراء النفس والصحة العامة لمعرفة كيف يمكن تجنب الإصابة بهذه الاضطرابات فأكد د.جمال فرويز أستاذ الطب النفسى أن هذه الحالة يطلق عليها فى مصر عادة «الاكتئاب الخريفى» وهى ما تدفع الأشخاص إلى فقدان الشغف فى مجالات عدة فيفقد الشغف فى العمل والانتاج أو فى الأكل أو النوم أو حتى على العكس تزيد من فترات نومه ومعدلات تناوله للطعام، فالأمر يكون مختلفا من شخص لآخر بشكل غريب. وأضاف فرويز أن أكثر الأعراض الملاحظة هى عدم رغبته فى الخروج من المنزل وعدم رغبته أيضا فى التجديد فلا يميل لشراء الملابس الجديدة او مقابلة أصدقائه كما كان معتادا من قبل ويحدث لديه حالة من تغير المزاج الشديد بين الليل والنهار. وأوضح د.فرويز أن هذه الحالة من الممكن أن يتخلص منها الفرد بشكل تلقائى إذا كانت الأعراض خفيفة أو لديه قابلية للعلاج إلا أنه إذا لاحظ امتدادها لأكثر من 10 أيام أو أسبوعين فعليه التوجه فورا ليحصل على استشارة وتدخل ليتم العلاج النفسى موضحا أن إهمال العلاج يعمل على تفاقم الأمر الذى يؤدى إلى عواقب وخيمة تصل إلى الاكتئاب الشديد وتوارد أفكار غريبة مثل الرغبة فى الموت والانتحار. قصة المرض على جانب آخر تواصلنا مع ا.د عبد اللطيف المر: أستاذ الصحة العامة بطب الزقازيق والذى أكد أن اضطراب العاطفة الموسمى هو مرض يجهله المواطنون ويتجاهله الأطباء، لأنه يعتبر مرضا حديثا نسبيا. وأوضح لنا قصة اكتشافه قائلا «تم اكتشاف اضطراب العاطفة الموسمى فى أوائل الثمانينيات على يد البروفيسور د.نورمان روسينتا الذى نشأ وترعرع فى جنوب أفريقيا المشمسة حيث لم يكن يعانى من أى نوع من الاكتئاب لكن سرعان ما تغير الوضع حين انتقل إلى نيويورك حيث تقصر فترة النهار ويقل ضوء الشمس وعندها بدأ الدكتور نورمان يشعر بالاكتئاب فى الشتاء ثم يختفى فى الصيف وتكررت تلك الأعراض بصورة دورية لعدة سنوات» وأضاف أنه حينها فقط تم التعرف على المرض فهو أحد أنواع اضطرابات المزاج ونوع من أنواع الاكتئاب الذى يصيب الأشخاص فى الشتاء والخريف ويختفى فى الربيع والصيف، ويطلق عليه علميا Seasonal Affective Disorder. نسب الإصابة أشار المر إلى أنه لا توجد إحصائيات دقيقة للمرض فى أى من دول العالم ولكن فى سويسرا أشارت دراسة وبائية ضخمة إلى إصابة 10 % من البالغين بالمرض بينما تتراوح نسب المصابين بالمرض فى بريطانيا بحوالى نصف مليون شخص سنويا أما فى الولاياتالمتحدة تتراوح نسب الإصابة ما بين 2 % و10 % من السكان ويقدرها البعض ما بين 10 إلى 25 مليون شخص مصابون بالمراحل المختلفة للمرض ويصيب المرض السيدات 75% بنسبة أكبر كثيرا من الرجال 25 % . وبالنسبة لأسباب الإصابة به فى الخريف والشتاء فإن أكثر النظريات قبولا هى اختلال الساعة البيولوجية وزيادة الميلاتونين أو قلة السيروتونين عن نقص أشعة الشمس وقلة ضوء النهار فى الشتاء مما تؤثر على بعض الأشخاص أكثر من غيرهم (بسب عوامل وراثية أو القلق والضغوط الحياتية) فيؤدى ذلك إلى زيادة إفراز هرمون الميلاتونين و نقص فى إفراز السيروتونين الضرورى لاعتدال المزاج والشعور بالانتعاش، مما يسبب اختلالا فى الساعة البيولوجية الداخلية وحدوث الاكتئاب، ثم تعود الأمور إلى طبيعتها بانقضاء الشتاء وهكذا. تشخيص المرض أكد د. المر: أن تكرار أعراض المرض لمدة موسمين على الأقل شرط لتشخيص المرض أى أنه يجب أن يشعر المريض بالأعراض فى الشتاء وتختفى فى الصيف ثم تتكرر ثانية فى الشتاء وتختفى فى الصيف ويمكن علاج الاكتئاب الموسمى بنجاح بشرط اللجوء الى الطبيب النفسى المتخصص، وأوضح د.المر :أن الطبيب يستسخدم علاج الاكتئاب التقليدى مثل أدوية علاج الاكتئاب ومضادات الإحباط أو استخدام العلاج السلوكى لعلاج القلق وتعديل الأفكار السلبية وتطوير السلوك بالإضافة إلى استخدام العلاج الضوئى. وأوضح أنه يتم العلاج الضوئى باستخدام مصابيح خاصة قوية جدا (تتراوح قوتها ما بين 2500 إلى 10000 لوكس وتفوق المصابيح العادية بدرجة كبيرة تصل إلى 20 مرة). ويوجد العديد من هذه المصابيح العلاجية المتعددة الأشكال والأحجام والأثمان. اقرأ أيضاً| الذكور أكثر عرضة للمرض العقلي من الإناث