سمر صلاح الدين شحاتة سلامة جاءت القمة الثلاثية بين مصر والأردنوفلسطين، فى إطار عدد من التحركات السياسية والدبلوماسية فى الأسابيع الأخيرة تمهيدًا لتبنى موقف عربى موحد حول القضية الفلسطينية خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، التى تعقد فى شهر سبتمبر من كل عام. مشاورات مُختلفة انطلقت من القاهرة فى الآونة الأخيرة، كان أبرزها زيارة الوزير عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات العامة المصرية إلى تل أبيب، وهى الأولى من نوعها فى عهد الحكومة الإسرائيلية الجديدة، وهو ما يفسر أهمية تكثيف العمل الدبلوماسى فى الأيام القليلة الماضية لتهيئة الأرض أمام أى حراك سياسى قادم فى المنطقة. 9 بنود حملها البيان الختامى للقمة الثلاثية "المصرية الأردنيةالفلسطينية"، كان أولها التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، القضية العربية الأولى، وعلى مواقف مصر والأردن الثابتة فى دعم الشعب الفلسطينى الشقيق وحقوقه العادلة والمشروعة، وفى مقدمتها حقه فى تجسيد دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من يونيو 1967، وعاصمتها القدسالشرقية، وفق القانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية، والتأكيد على أن السلام العادل والشامل والدائم يشكل خيارا استراتيجيا وضرورة للأمن والسلم الإقليميين والدوليين، ويجب أن تتكاتف جميع الجهود لتحقيقه. القادة المشاركون، وجهوا المسئولين فى الدول الثلاث للعمل معًا من أجل بلورة تصور لتفعيل الجهود الرامية لاستئناف المفاوضات، والعمل مع الأشقاء والشركاء لإحياء عملية السلام، وفقا لقرارات الشرعية الدولية، وبرعاية الرباعية الدولية، على أن يتم استعراض هذا التصور خلال القمة الثلاثية المقبلة، كما أكد القادة رفضهم الإجراءات الإسرائيلية اللاشرعية التى تقوض حل الدولتين، بما فيها بناء المستوطنات وتوسعتها فى الضفة الغربيةالمحتلة وبما فيها القدسالشرقية، ومصادرة الأراضى وهدم المنازل وتهجير الفلسطينيين من بيوتهم، وشددوا على ضرورة منع طرد الفلسطينيين من أحياء القدس وبخاصة حى الشيخ جراح وسلوان، ووقف جميع الإجراءات أحادية الجانب التى تقوض جهود السلام وحل الدولتين وفق الشرعية الدولية، كما أكد القادة ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخى والقانونى القائم فى القدس ومقدساتها الإسلامية والمسيحية، ورفض جميع الممارسات التى تستهدف المساس بهذا الوضع. كما أكدوا على أهمية الوصاية الهاشمية التاريخية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية فى القدس، ودورها فى حماية هذه المقدسات وهويتها العربية الإسلامية والمسيحية. وشددوا على ضرورة العمل على الحفاظ على التهدئة بصورة شاملة، كما رحبوا بالجهود التى تبذلها مصر لتثبيت التهدئة وإعادة الإعمار فى قطاع غزة، ودعوا المجتمع الدولى لبذل جهوده لتخفيف الأزمة الإنسانية فى القطاع، من خلال المشاركة فى جهود الإعمار، وحث إسرائيل على التجاوب مع الاحتياجات الأساسية والإنسانية لأهل القطاع اتساقا مع مسئولياتها وفقا للقانون الدولي، كما أكد القادة أهمية الاستمرار فى العمل على تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، وتشاوروا حول الأفكار المطروحة فى هذا السياق، وأكدوا أهمية تجاوب جميع الأطراف الفلسطينية مع الجهود التى تبذلها جمهورية مصر العربية، والقيادة الفلسطينية، وإعلاء المصلحة العليا للشعب الفلسطيني، وأكد أيضًا أهمية استمرار المجتمع الدولى فى دعم وكالة الأممالمتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأنروا"، وضرورة توفير الدعم المالى الذى تحتاجه للحفاظ على قدرتها على تقديم الخدمات الحيوية للاجئين الفلسطينيين وفق تكليفها الأممى. القراءة المتأنية للدلالات التى حملها البيان الختامى للقمة يوضح أهمية انعقادها فى هذا التوقيت، وبحسب وزير الخارجية الأسبق، السفير محمد العرابى، فإن أولى دلالات ما جاء بالبيان الختامى للقمة الثلاثية كان تأكيد مستوى التنسيق المكثف بين الدول الثلاث إزاء مستجدات القضية الفلسطينية بما فى ذلك الاتصالات والتحركات الأخيرة على المستويين الدولى والإقليمى التى تهدف إلى إيجاد أفق سياسى حقيقى لإعادة الجهود الفاعلة لحل الصراع على أساس حل الدولتين، وكذلك تأكيد البيان على ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخى والقانونى القائم فى القدس ورفض الإجراءات الإسرائيلية التى تعوق حل الدولتين. وثمّن العرابى، الجهود المصرية الأردنية الساعية الى إعادة ملف القضية الفلسطينية إلى بؤرة الاهتمام بعدما شهدت الفترة الأخيرة بعض الهدوء بين إسرائيل وغزة، حيث تمثل الدول الثلاث الأركان الرئيسية فى القضية الفلسطينية، ولذلك كانت الأهمية فى وضع تفاهمات تدفع لإحياء المسار السياسى مرة أخرى فى ظل وجود حكومة إسرائيلية جديدة أكثر تفهما لفكرة حل الدولتين، ولفت إلى أن الرئيس أبو مازن يسعى لمؤتمر دولى للسلام ويرى أنه من الممكن أن يكون ذلك إحدى الأدوات للدفع بعملية سياسية جديدة، فكان من المهم أن تحظى هذه الأفكار بقوة دفع مصرية أردنية ومن الدول العربية عموما .. كذلك من الدول الغربية المهتمة بالقضية الفلسطينية حيث تكون اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مناسبة جيدة لطرح هذه الأفكار للدفع بالعملية السياسية. يرى السفير دياب اللوح، سفير فلسطينبالقاهرة، ومندوبها الدائم لدى جامعة الدول العربية، أننا أمام مرحلة سياسية تتطلب تعزيز الشراكة والتنسيق والتعاون بين قادة الدول الثلاث من أجل تفعيل العلاقات العربية والإقليمية والدولية لتوفير مناخ وبيئة مناسبة لإطلاق عملية سياسية ومفاوضات جادة تستند إلى الشرعية وإلى المرجعيات الدولية برعاية الرباعية الدولية.. معلقا آمالا كبيرة على انعقاد هذه القمة بشكل دورى ومستمر للتباحث بكافة القضايا، لافتًا إلى أهمية وضع حد للسياسات الإسرائيلية فى المرحلة المقبلة وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية، وهو ما أكده البيان الختامى للقمة. وأشار السفير دياب، الى أهمية ما أكدت عليه القمة فى ختام أعمالها من أن منظمة التحرير الفلسطينية هى الممثل الشرعى والوحيد للشعب الفلسطينى، واعتبر أن القمة جاءت داعمة لموقف الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية ولتعزيز الصمود الفلسطينى خاصة فى مدينة القدس، مؤكدًا أن وضع مفاهيم وقواعد تضبط وتحكم التحرك السياسى والدبلوماسى فى المرحلة الحالية والمقبلة خاصة فى ظل ظروف سياسية وميدانية صعبة ومعقدة للغاية هو أمر غاية فى الأهمية. فيما يرى الباحث والمحلل السياسى الفلسطينى، عبد المهدى مطاوع، أن أهم ما أبرزته نتائج هذه القمة هو التأكيد على أن الشرعية التمثيلية الفلسطينية لا تتجزأ وأن كل مشاريع ترسيخ الانقسام وإدامته لن تنجح مع استمرار بذل جهود مركزة لإنهاء الانقسام وترتيب الموقف الداخلى الفلسطينى بما يشكل دعما لأى تحركات مع المجتمع الدولى. يُذكر أنه على هامش انعقاد القمة، عقد الرئيس عبد الفتاح السيسى، جلسة مباحثات موسعة مع الملك عبد الله الثانى بن الحسين، ملك المملكة الأردنية الهاشمية، الذى أعرب عن التقدير العميق الذى تكنه الأردن لمصر على المستويين الرسمى والشعبي، واعتزازها بالروابط الممتدة التى تجمع بين البلدين الشقيقين، وكذلك مسيرة العلاقات على مستوى آلية التعاون الثلاثى مع العراق الشقيق، مؤكداً حرص الأردن على الاستفادة من جهود مصر التنموية فى كافة المجالات من خلال تبادل الخبرات والاستثمار المشترك، وذلك فى ضوء مسيرة التنمية الشاملة والمشروعات القومية الكبرى الجارى تنفيذها فى مصر. ووفقًا للمتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية، السفير بسام راضى، فقد شهد اللقاء استعراضاً لمجمل العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث تم الإعراب عن الارتياح لمستوى التنسيق القائم بين الجانبين، مع تأكيد أهمية تعزيز العلاقات الاقتصادية وزيادة التبادل التجارى بما يرقى إلى مستوى العلاقات السياسية والروابط التاريخية التى تجمع الشعبين الشقيقين، فضلاً عن دفع التعاون بين الجهات المختصة فى البلدين فيما يتعلق بمواجهة تداعيات جائحة كورونا. كما عقد الرئيس السيسى، جلسة مباحثات موسعة مع الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبو مازن، أكد خلالها الرئيس استمرار مصر فى جهودها الدؤوبة فى كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وذلك بالتنسيق الوثيق مع الأشقاء الفلسطينيين، بهدف مساعدة الشعب الفلسطينى على استعادة حقوقه المشروعة وفق مرجعيات الشرعية الدولية، مشددًا على أهمية تكاتف كافة الجهود خلال المرحلة المقبلة من أجل دعم الموقف الفلسطينى تجاه التسوية السياسية، والدفع نحو استئناف المفاوضات، فضلاً عن تثبيت الهدنة بين الجانبين الفلسطينى والإسرائيلي، وذلك بالتوازى مع العمل على تحقيق وحدة الصف الفلسطينى من خلال إتمام عملية المصالحة والتوافق بين جميع القوى والفصائل الفلسطينية، ودعم السلطة الفلسطينية ودورها فى قطاع غزة، وكذا تحسين الأوضاع الإنسانية والمعيشية والاقتصادية بالقطاع.