بحلول الذكري ال46 لنصر أكتوبر المجيد، لا ننسى الدور التاريخي للأزهر على جبهات القتال عقب نكسة 1967 وخلال حرب الاستنزاف، وحرب تحرير سيناء 1973، حين لعب شيوخ الأزهر دور التعبئة المعنوية والحشد للجنود والتضحية بالنفس وشحذ الهمم وتقوية العزائم على محاربة المحتل الغاشم وتحرير الأرض، بل وشارك خريجو الأزهر في المعركة ومنهم من يتولون مناصب في الأزهر الآن. الإمام الأكبر حسن المأمون اهتم الإمام الأكبر حسن المأمون، بزيارة الجبهة عام 1968 وعقد ندوات للجنوِد بالوحدات العسكرية، رغم ظروفه الصحية قائلا: "لعلي أغبر قدمي في سبيل الله، قبل أن ألقى ربي.. أعيش هذه اللحظات بين الصامدين والمجاهدين في الجبهة". وعقب نكسة 1967م وجه الشيخ المأمون نداءً متكررا إلى الحكام العرب والمسلمين يناشدهم فيه استخدام سلاح البترول، وقال: «أيها المسلمون إن مصر لا تحارب إسرائيل وحدها إنها تكافح العدوان الموتور، الممثل في أمريكا وبريطانيا»، وكان قطع البترول سلاحا فتاكا حقق النصر ورد للعرب كرامتهم. وأصدر فضيلته فتوى خلاصتها: «أن المعركة ليست معركة مصر وحدها وأن تعاون المسلم مع الأعداء خيانة عظمى فى الإسلام، والخيانة من أشد الجرائم وعقوبتها من أشد العقوبات في الشريعة الإسلامية». كما ألف الشيخ المأمون كتابا عن (الجهاد في الإسلام) كان يصب في تأهيل المجتمع ومن قبله الجنود على الجبهة لمعركة التحرير والعبور. الشيخ الفحام منذ اللحظة الأولى التي تولى فيها الشيخ الفحام مشيخة الأزهر 17 سبتمبر 1969، اعتبر نفسه جنديا في ساحة القتال، فكان يجمع الشعب المصرd نحو هدف واحد وهو تحرير سيناء. وفى 11 من أبريل 1972م قام برفقة نخبة من علماءِ الأزهر بزيارة الجبهة لرفْع الروح المعنوية للجنود والضباط، وإذا كانت ظروف الشيخ الفحام الصحية ألجأته للراحة وطلب ترك المشيخة في مارس 1973 فإن الله قد استجاب دعاءه وعبر القناة وصلى في عمق سيناء، وكان بصحبته الشيخ محمد الذهبى ولفيف من علماء الأزهر الأجلاء وكبار قادة الجيش الثالث. الشيخ عبدالحليم محمود جاء بعد الشيخ الفحام الشيخ عبد الحليم محمود، وهو من أكثر علماء الأزهر إسهاما في التهيئة المعنوية للجنود لحرب أكتوبر، حتى قبل أن يتولى المشيخة، فقد كان عميدا لكلية أصول الدين بالقاهرة ولقد ترك تصريف أمور الكلية لوكيل الكلية، وتفرغ هو للمساهمة فى تثقيف الجنود وحثهم على نيل الشهادة لاسترداد كل ذرة من ذرات ترابه، وعندما تولى وزارة الأوقاف جعل من مفردات خطاب وزارته تأهيل المجتمع لتحمل تبعات الحرب حتى النصر، وعندما تولى المشيخة فى 27 مارس 1973م كان مهتما بإسهام الأزهريين فى معركة العاشر من رمضان، واستعان فى هذا الصدد بأساتذة جامعة الأزهر ورجال الدعوة. وأفتى الشيخ عبدالحليم محمود، للجنود بجواز الإفطار في رمضان أثناء المعركة، فرد الجنود: "نريد أن نفطر في الجنة". الشيخ محمد أبو زهرة إذا كان هذا هو دور شيوخ الأزهر الثلاثة الذين عاصروا الحقبة الزمنية (1967 -1973م)، فإن هناك أدوارا أخرى لا تقل شأنا لمشايخ وعلماء آخرين، كالشيخ الشعراوي وغيره، وها هو الشيخ محمد أبو زهرة يدعى لزيارة الجبهة، ولما تهيأ للسفر صحب معه الدكتور إسماعيل الدفتار، وعندما توجهت بهما السيارة لمدخل طريق السويس الصحراوي تبين لهما أن الطريق مغلق عسكريا، ولا يجوز مرور أي مدني منه. فنظر الشيخ أبو زهرة إلى الدكتور إسماعيل الدفتار، وقال له: "يا بنى الآن أصبح الطريق مغلق، ولكننا ارتبطنا بالإخوِة فى مدينةِ السويس فكيف يكون البديل عن الطريق الصحراوي؟ فقال له الدكتور إسماعيل: "لا بديل يا مولانا إلا طريق السكة الحديد والقطار متعب لفضيلتِكم، فقال له الشيخ الوقور: يا بنى ما دمنا قد ارتبطنا وهناك ناس في انتظارنا، فلابد للدعاة أن يتحملوا المشقة في سبيل الله، واستقلا القطار الذي استمر أكثر من خمس ساعات، بدلا من ساعةٍ ونصف الساعة، ولم يمنعه التعب والارهاق من لقاء الجنود فقال ..«يا واد يا إسماعيل، ابدأ بالمقدمة، وأنا سوف أنزل لألتقى بأبنائى من الجند، وأبناء المدينة الذين يعيشون فى هذه المعارك.. نحن ننعم بالقاهرة وغيرها، ولا نشعر بهم". سر شعار «الله أكبر» إذا كان شعار «الله أكبر» سر من أسرار النصر فى حرب أكتوبر المجيدة، فإن هناك موقفا فريدا للعالم الأزهرى الكبير الدكتور محمد نايل فى أثناء حرب الاستنزاف- انطلق منه هذا الشعار، فعندما كان الشيخ محمد نايل بكتيبة المدفعية (هوزر) - تقع بضواحى السويس - عند اشتباكِهم مع جنود العدو، ورأى الشيخ نايل الجند يصيحون: «هه.. هه» فيقول لهم: "لماذا لا تغيرون هه.. هه إلى الله أكبر عند حملكم دانات المدفعية، وفى جميع تحركاتِكم وعند انطلاقها؟ فإن عناية االله ستكون معكم!". ومع توصيته لهؤلاء الجنود ولأول مرة تشهد المعركة عند تبادل طلقات المدفعية بيننا وبين مدفعيةَ العدو، ويبدأ أبناؤنا بتنفيذ وصيةِ الدكتور نايل بشعار الله أكبر، فإذا بهم ولأول مرة يخرسون مدفعية العدو، ويصيبونها فى مقتل، وتنتصر المدفعيةُ المصرية لأول مرة، والتى أطلق عليها العدو بأنها معركةُ المدفعية لشراستِها. وقد عبر الجنود المسيحيون القناة وهم يصيحون مع زملائهم المسلمين: الله أكبر». الشيخ أحمد فرحات الشيخ أحمد فرحات، إمام مسجد سيدنا الحسين، وقد كان رحمه الله «كريم العينين» وكان يذهب كل أسبوع مع قافلة الدعاة إلى السويس والعين السخنة ورأس غارب ويلقى فيها الموعظة، ولم يتخلف قط، لدرجة أنه فى أحد الأيام من عام 1967 كانت الأمور متوترة على الجبهة ولم يحضر أحد من قافلة الدعاة، فقال له قائد السيارة: لا داعى أن تذهب فلديك عذرك، ولكنه قال له أبدا. أركب بجوارك وأقوم بواجبي.. وعندما وصل إلى مقصده وجد الممرضات فقط هن الموجودات والجنود على خط النار، فطلب الذهاب إليهم. أبناء الأزهر جنودا في المعركة وقد شارك الألوف من أبناء الأزهر الشريف كجنود فى هذه المعركة، من هؤلاء فضيلة الدكتور طه أبو كريشة عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر رحمه الله الذي شارك فى حرب أكتوبر كجندى لمدة ست سنوات من عام 1967وحتى تحقق النصر المجيد عام 1973م. ولقد شارك علماء الأزهر ومشايخه فى هذه الملحمة وهم يؤدون واجبهم تجاه وطنهم الغالى، في حالة من الإخلاص التام والشفافية مع الله تجلت فى مشاهد فريدة بشرت بالنصر، منها الرؤية المنامية للشيخ عبدالحليم محمود والشيخ معوض عوض ابراهيم. كما شارك كجنود على جبهة القتال: «الدكتور طه أبو كريشة، عضو هيئة كبار العلماء، والشيخ صلاح نصار المشرف العام الأسبق على الجامع الأزهر، والدكتور محمود مهنا عضو هيئة كبار العلماء ، والدكتور علوي أمين». الشعراوي والغزالي كما قام الشيخ الشعراوي والشيخ الغزالي بأدوار كبيرة في تهيئة الجبهة الداخلية لمعركة التحرير، وكذلك تحفيز الجنود على الجبهة وإعلاء قيمة الجهاد والتضحية بالنفس، وقاموا بزيارات عديدة للجنود على الجبهة.