سرت الدماء تتدفق بسرعة شديدة، وتسري في عروق الفرّان البسيط، كسريان النار في الهشيم، وتجمدت الدموع في عينيه، كما لو كانت أنها أبت أن تنذرف على زوجته التي لم تتذكر له صنيعًا طيبًا أو معروفًا. تلعثمت الكلمات بين شفتيه، وانعقد لسانه عن الكلام، وكاد أن يصيبه الصمم من هول ما تخبره به ابنته التي تحشرج صوتها أيضًا عن خيانة الأم بعد أن شاهدتها، وتكتمت الفضيحة خوفًا على أبيها الفرّان البسيط الذي يعمل بأحد المخابز بالوجه البحري. رجل بسيط، يتمتع بأخلاق القرية، ورغم جسده النحيل إلا أنه اعتاد حياة العمل والشقاء، والتنقل بين المحافظات من أجل لقمة العيش، وسعيًا وراء الرزق، لم يأبه أو يشتكي يومًا من مهنته الشاقة، والوقوف أمام نار الفرن، التي تلفح وجهه، وتلهب جلبابه الملطخ بالعجين، وكان كل ما يعنيه في الدنيا هو إسعاد عائلته الصغيرة، يعود إليهم ويمكث معهم ما قدر له من وقت، ويأنس بابنته العروس التي ستزف إلى منزل الزوجية خلال فترة غير بعيدة، يحاول جاهدًا تجيهزها والالتزام باحتياجاتها.
وفي أحد الأيام أشارت عليه الأم بأن هناك أحد التجار، يتمكن من مساعدتنا، بشراء احتياجات الابنة بنظام التقسيط، لم يعترض الأب على هذا الرأي في سبيل إسعاد ابنته والتعجل بزواجها، وبعد تحديد ميعاد الزفاف والانتهاء من الاستعدادات، حدث ما لا يحمد عقباه، حيث وقعت المفاجأة على رأس الابنة العروس، أثناء عودتها بأحد الأماكن الزراعية بعدما شاهدت الأم بصحبة عشيقها، التاجر أثناء خروجهما من إحدى العشش بالأرض الزراعية بمنطقة نائية متطرفة عن القرية. تثاقلت قدميها عن السير، وتملكتهما رعشة شديدة، تراود مخيلتها صورة الأب المظلوم، والمطحون من أجل لقمة العيش، وبغيظ حانق تعض شفتيها وتتساقط الدموع فوق وجنتيها ببطء شديد، حزنًا عليه، وعجزها عن الكلام، فميعاد زفافها اقترب ولم يتبق سوى أيام معدودة. كظمت الابنة العروس غيظها، وتكتمت الفضيحة، وداخل أحشائها ألم وغصة، ترمق أمها بنظرات الاحتكار وتغلبت عليها الطبيعة، وأخذت تتعامل معها بسلبية غير مسبوقة، وعدم التحدث معها إلا في أضيق الحدود.
وبعد زفافها، لم تحمل كتمان الأمر، الذي سار بداخلها كقنبلة موقوتة حان ساعة انفجارها دون إرادتها، واتخذ القرار بعد أن ضاق صدرها، وعرضت الأمر على زوجها تستشيره في الأمر، فما كان منه إلا أن طالبها بأن تخبر أبيها، فوقوع البلاء خير من انتظاره. وما إن علم الأب البسيط، هداه تفكيره إلى حيلة يقطع بها الشك بالقين، وقام بالاتصال بالزوجة، التي طلبت منه أن يسامحها، وأن علاقتها بالتاجر لم تتعد أصابع اليد، مما كان ذلك اعترافًا صريحًا منها، وإدانتها، حيث لم تعلم بأن زوجها قد قام بتسجيل المكالمة واعترافها، واكتفى بتطليقها، خشية الفضيحة، وخوفًا على سمعة ابنته العروس حديثة الزواج، وقام بتطليق الأم في هدوء، ورفض نصيحة أحد المقربين له بتحرير محضر يتهمها فيه بالزنا، خشية على سمعة ابنته العروس حديثة الزواج. لم تتركه الزوجة المتجبرة، بل قامت برفع دعوى تبديد منقولات، وتطالبه بجميع حقوقها الشرعية من مؤخر الصداق، ونفقة المتعة، ومازال الزوج المكلوم يتابع قضاياه داخل محكمة الأسرة، في محاولة للهروب من شبح السجن الذي يطارده.