أثار مشروع قانون مكافحة الجريمة الإلكترونية، الذي وافقت عليه لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب مؤخرًا، جدلا واسعًا، بل ورفضًا شديدًا من قبل المنظمات الحقوقية، التي طالب أغلبها « النواب » برفضه. ويرى عدد كبير من المؤيدين لمشروع القانون أن مصر في حاجة إلى مثل هذا القانون، لما تواجهه من مخاطر الجرائم الإلكترونية المنظمة، سواء التي تستهدف مؤسسات الدولة، أو الأشخاص ، وتستخدم فيها أدوات التكنولوجيا الحديثة، والإنترنت، والوسائل التقنية، في غياب قانون واضح يتضمن نصوص صريحة امكافحة تلك الجرائم. على الجانب الآخر يرى حقوقيون معارضون لمشروع القانون، أن القانون يعد بديلا لقانون الإرهاب، بل ويتجاهل ويهدر مواد الدستور التي كفلت حماية الخصوصية، وحرية التعبير عن الرأي، لما يفرضه من قيود على استخدام وسائل التكنولوجيا والاتصالات، ووسائل التواصل الاجتماعي، في كل ما يتعارض مع سياسات الدولة، بما يجيز مراقبة المحادثات والرسائل المتبادلة، والأراء التي قد ينشرها البعض عبر حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي. وفي ظل هذا الجدل وبين التأييد والرفض، أكد قانونيون أن الأهم الآن، وقبل طرح القانون للمناقشة وإقراره، أو رفضه، هو إيجاد تعريف واضح ومحدد للجريمة الإلكترونية، خاصة وأن تعريف لجنة الإصلاح التشريعي بمجلس النواب عرف الجريمة الإلكترونية، وفقا لتعريف وزارة الاتصالات، والذي ينص على أن « الجريمة الإلكترونية هي كل فعل مؤثم قانونا يرتكب باستخدام الحاسب الآلي أو الشبكة المعلوماتية سواء كان الحاسب أو الشبكة التي تسمح بارتكابها أو كانت موضوعا للجريمة أو إداة لتنفيذها»، وهذا التعريف اعتبره القانونيون تعريفًا مطاطيًا يفتح الباب لجدل واسع حول مواد القانون وعقوباته، رغم تأكيد اللجنة على عدم المساس بالحريات الشخصية، أو فرض قيود على الحريات، بما يخالف نصوص الدستور. وبعيدأ عن الجدل السياسي والحقوقي المثار حول مشروع القانون، فالتعريف العالمي للجريمة الإلكترونية، هو أنها كل سلوك أو فعل غير قانوني، يرتكب باستخدام الإجهزة الإلكترونية، وينتج عنه فوائد مادية أو معنوية للطرف الذي يرتكب الجريمة، وخسائر في المقابل للضحية، تختلف باختلاف شكل وهدف الجريمة. وتتخذ الجرائم الإلكترونية اشكالا عدة ، منها جرائم الإنترنت، وجرائم التقنية العالية، والجريمة السايبرية، والجريمة الإلكترونية في الأعراف الدولية هي جريمة عابرة للحدود لا تعترف بعنصر المكان والزمان، وأدواتها بسيطة، ومنها برامج نسخ المعلومات المخزنة في أجهزة الحاسب الآلي، والإنترنت، وخطوط الاتصال الهاتفي التي تستخدم لربط الكاميرات، ووسائل التجسس، بالإضافة إلى أجهزة الهواتف المحمولة، والرقمية الثابتة. وحول قوانين مكافحة الجرائم الإلكترونية حول العالم، فقد كانت السويد أول دولة تضع قوانين خاصة بجرائم الحاسب الآلي والإنترنت، وذلك عام 1973، وهو قانون شامل يواجه قضايا الاحتيال عن طريق التقنيات الحديثة بكافة صورها وأشكالها. آما الولاياتالمتحدةالأمريكية، فقد حددت أنواع للجرائم المعلوماتية، ومنها جرائم الحاسب الآلي الداخلية، وجرائم الاستخدام غير المشروع عن بعد، وقد صدر قانونا تشريعاً بعد ذلك يحمل تم فيه تعريف جميع المصطلحات الضرورية لتطبيق القانون على الجرائم المعلوماتية والمتطلبات الدستورية اللازمة لتطبيقه، وعلى أثر ذلك قامت الولايات الداخلية بإصدار تشريعاتها الخاصة بها، للتعامل مع هذه الجرائم الإلكترونية بما يتماشى مع طبيعة كل ولاية. وفي المملكة المتحدة، جرم قانون مكافحة التزوير والتزييف، استخدام وسائط التخزين والأدوات الإلكترونية، بطرق غير مشروعة أو قانونية، آما في كندا فهناك قوانين متخصصة ومفصلة للتعامل مع جرائم الحاسوب والإنترنت، وقد شمل القانون تحديد عقوبات المخالفات الحاسوبية، وجرائم التدمير، أو الدخول غير المشروع لأنظمة الحاسب الآلي. وحول موقف مصر من اتفاقيات مكافحة الجريمة الإلكترونية فقد انضمت مصر منذ نحو عامين لاتفاقيتين لمحاربة الجريمة الإلكترونية، الأولى اتفاقية عربية، والثانية أفريقية، وتهدف الاتفاقيتان للتصدي للجرائم المرتكبة عبر شبكة الإنترنت بشكل عام، والتي تستخدم فيها التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة. وبهذا نجد أن أغلب الدول تفرض وتسن قوانينها الخاصة بالجرائم الإلكترونية، والتي لا يوجد لها تعريف محكم وواضح، بما يحمي مصالحها وأمنها القومي، ويحفظ في الوقت نفسه الخصوصية للأشخاص، وحرية التعبير، دون تعارض بين الأمرين، وهو الاختبار الصعب الذي يواجهه مجلس النواب في رفض أو تعديل مشروع مكافحة الجريمة الإلكترونية في مصر.