تحدثنا عن خداع الفكر والغش الذي يمارسه البعض من خلال تقديم معلومات مغلوطة أو منتقَصة أو غير دقيقة للآخرين من أجل تحقيق أهداف خاصة أو إسقاط شخص ما في خطأ، وتقديم الشهادة الزور وغيرها من وسائل الغش الفكريّ. واليوم نستكمل حديثنا. نوع آخر من أنواع الخداع التي يتعرض لها الإنسان في الحياة هو: خداع المشاعر؛ ويعتمد هٰذا النوع من الغش علي إيهام شخص بأنه محبوب أو موضع اهتمام، لتحقيق مكاسب وأغراض أخري سواء علي المستوي النفسيّ أو الماديّ؛ وهٰذا النوع من الغش يترك وراءه آثارًا عميقة من الألم وعدم الثقة بالنفس وبالآخرين لمن يتعرض له، وقد يصعب أن تُداوي مثل تلك الجراح سنوات طوال!! والتملق هو نوع من خداع المشاعر، ويظهر في تملق بعض العاملين لرؤسائهم في العمل أو في هيئات أو جمعيات أو خِدْمات ينتسبون إليها، ويكون الهدف منه الحصول علي فائدة كمعاملته بأسلوب متميز، أو الحصول علي سلطات كبيرة، أو غير ذٰلك. لذا علي الشخص أن لا يترك لمشاعره العِنان في كل ما يقال له، بل يُعمل العقل، ويصبر في الحكم علي البشر، ويتأمل المواقف التي ترسُِم تحديدًا بين هٰؤلاء الأمناء المخلصين وأولٰئك الخادعين. كذٰلك للخداع دور كبير في العَلاقات بين الرجل والمرأة: فقد يبوح أحد الرجال عن وُجود مودة ومشاعر فياضة نحو امرأة ما حتي يكتسب ثقتها ومودتها، ثم تكشف الأيام خداع ذٰلك الرجل وعدم صدقه؛ وكثيرًا ما يسبب مثل هٰذا النوع من الخداع دمارًا في حياة من يتعرض له، عندما يثق بالآخرين فور سماعه كلمات المديح منهم! ويقول المتنيح مثلث الرحمات «البابا شنوده الثالث» عن خداع المشاعر: «ولعل أخطر نوع من المودة الزائفة، الذي يكون في حقيقته عدُوًّا، وفي خداعِ يبدو كأنه صديق.». وحتي لا ينخدع الإنسان، عليه أن يُدرك أنه ليست كل محبة ظاهرة لأعين الإنسان هي محبة حقيقية تهدُف إلي خيره وتعمل علي مصلحته؛ بل عليه أن يتأني في الحكم حتي يُدرك من خلال الأيام والسنين والمواقف حقيقة مشاعر الآخرين. وإليك، قارئي العزيز، أقدم بعض الآراء والمقترحات: أولًا: المشاعر والعقل إن ارتكاز الإنسان في أحكامه علي المشاعر فقط يجعله عرضة للسقوط في فخاخ الغش والخداع؛ لذٰلك عليه أن يحكم في أمور الحياة معتمدًا علي العقل إلي جوار المشاعر فيتكشف له كثير من الأمور والمواقف التي تمر به في الحياة ويتمكن من الحكم عليها حكمًا صحيحًا. ثانيًا: المواقف والكلمات الانتباه لمواقف الآخرين وبخاصة في أوقات الشدة، يُعد تأكيدًا ودليًلا علي إخلاص الآخرين أو زيف أفعالهم؛ فتلك المواقف التي تمر بحياتك لهي أقوي الدلائل علي صدق المشاعر وعدم زيفها، في حين الكلمات فقط لا تعبر عنه. ثالثًا: بناء الثقة من السهل أن يُخدع الإنسان الذي لا يشعر بالثقة بالنفس من بعض كلمات المديح. فعلي من تُطربه كلمات المديح أن يتوقف قليلًا، مفكرًا بصدق مع نفسه أو بإرشاد آخرين أمناء في سبب ذٰلك؛ ومتي أدرك أنه نتاج عدم ثقة بالنفس، فعليه أن يبني تلك الثقة بالأساليب الصحيحة.