تابعت مسيرة النبيين الكريمين محمد والمسيح «عليهما السلام» فوجدت أنهما يحبان الناس جميعا ً.. فلم يعرف أحدهما معني الكراهية ولا الحقد ولا الحسد ولا الضغينة لأحد.. حتي أنهما كانا يدعوان لمن آذاهما، فدعاء الرسول «اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون»،و دعاء عيسي «إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ». وكان العاصي والمذنب يجد الرحمة والحب والشفقة عند كلا النبيين.. فهذا عيسي يرحم المذنب والعاصي ويحنو عليه حتي يبرأ من ذنبه ويتوب عن أثمه ويلخص رسالته بقوله «أنا ما جئت لأدعو أبرارا ً للتوبة بل خطائين»أي أنه جاء لمعالجة المذنبين والعصاة واحتوائهم واحتضانهم ويقول : «ما جئت لأهلك الأنفس بل لأخلص».. أي أخلصها من ذنوبها. وهذا رسول الله يشجع العصاة علي التوبة قائلا : «يا أيها الناس توبوا إلي الله واستغفروه» ويشجعهم أكثر قائلا ً «فإني استغفر الله في اليوم سبعين أو مائة مرة» كناية عن كثرة استغفاره. وكلاهما حرم الشماتة في العصاة أو تعييرهم بذنوبهم أو فضحهم أو هتك أستارهم التي سترها الله عليهم. فهذا رسول الله « ««يقول للرجل الذي ضبطه آخر بالزني وجاء به إليه « هلا سترته بثوبك « أي تغير المنكر ثم تستر عليه.. فالستر حياة « ومن ستر مسلما ستره الله». ولما جاءوا لعيسي «بالخاطئة مريم المجدلية بكت كثيرا وتابت توبة صحيحة صادقة فوقف المسيح قائلا ً للدنيا كلها « لقد غسلت قدمي بدموع التوبة». وهذا محمد يقول عن المرأة التي زنت وجاءت من تلقاء نفسها لإقامة الحد عليها.. فلعنها البعض بعد موتها فغضب الرسول لها صائحاً في هؤلاء ومعلما للدنيا كلها «لقد تابت توبة لو وزعت علي أهل المدينة لوسعتهم». وقبل ذلك كان الرسول « لا يريد أن يلقاها أو ينفذ الحد عليها وهو القائل دوما «ادرؤوا الحدود بالشبهات».. فقد اعرض عنها بعد مجيئها من تلقاء نفسها أول مرة.. ثم أمرها أن تذهب حتي تلد فلما جاءت تحمل وليدها.. قال : اذهبي حتي تفطميه.. ولو أنها لم تأت لم يكن ليسأل عنها. فمحمد والمسيح عليهما السلام يعشقان توبة الناس.. فهذا المسيح يقول «إن فرح السماء بخاطئ واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارا ً لا يحتاجون للتوبة».. ويصدقه ويحذو حذوه محمد قائلا ً « لله أفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان علي راحلته بأرض فلاة – أي صحراء- فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه.. فأيس منها فأتي شجرة واضطجع في ظلها.. وقد أيس من راحلته.. فبينما هو كذلك إذ بها قائمة عنده فأخذ بخطامها.. ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك.. أخطأ من شدة الفرح» لقد رأي المسيح الجموع الحاشدة التي تحمل قلوبا ً غليظة قاسية تشمئز من مريم المجدلية وتستعلي عليها وتعتقد العصمة في نفسها فوبخهم بقوله : «من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر» ويقف محمد الموقف نفسه حينما لعن بعض الصحابة «نعيمان» الذي كان يضحكه حينما آتي به شاربا ً للخمر فضربوه ثم قال واحد منهم « اللهم العنه ما أكثر ما يؤتي به».. فغضب رسول الله غضبا شديدا هاتفا في غلاظ القلوب والأكباد في الدنيا كلها وفي الذين يكفرون المسلم بالذنب «لا تلعنوه فإنه يحب الله ورسوله».. لقد أدمن الخمر واستمرأ المعصية ورغم ذلك أثبت له النبي حبه لله ورسوله. إن دموع التائبين لهي أقرب إلي الله من إدلال المدلين علي الله بطاعاتهم وقرباتهم .. ورب قائم لليل وصائم للنهار يمن علي الله بعمله وعبادته أبعد من الله من تائب يبكي ندما ً وتوبة إليه وانكسارا لمولاه سبحانه.. فالانكسار لله أعظم باب تدخل به علي الله.. والغرور والمن أعظم باب يدخل العبد النار. إن تعيير العاصي بذنبه أعظم من ذنبه.. وفضحه وهتك ستره الذي ستره الله عليه أعظم من ذنبه.. وإغلاق التوبة في وجوه الناس فالاستعلاء علي العصاة أعظم الذنوب.. إنها ذنوب القلوب وهي أخطر من ذنوب الجوارح. لقد جاء محمد والمسيح ليعلما البشرية كيف يرحم بعضها بعضا.. ومنهم العصاة.. وليعلما البشرية التفريق بين العاصي والمعصية.. والمذنب والذنب.. والفاسق والفسق.. والكافر والكفر. ويعلمنا أن نكره المعصية والفسق والكفر ولا نكره العاصي والفاسق والكافر لأنهم ميدان عمل الدعاة وورثة الأنبياء.. وهل يكره الطبيب مريضه.. وهل كره الرسل أتباعهم؟!.. وهل أرسل الرسل إلا لهداية الخلائق وليس لعنهم أو طردهم من رحمة الله أو تكفيرهم أو إخراجهم من الدين. إن مسؤوليتنا هداية الخلق إلي الحق ورحمتهم وليس تكفيرهم وتقنيطهم من رحمة الله وإدخالهم النار.. سلام علي عيسي ومحمد وسائر الأنبياء في كل حين.