ربما تفردت مصر « بمظاهرات حملة الماجستير والدكتوراه المطالبين بوظائف في الحكومة « وهو تصرف تلام فيه الدولة أولاً ممثلة في جامعاتها المتخلفة بآخر تقليعاتها المسماة «بمعايير الجودة « والتي تذكرنا بمشروع «الطريق إلي نوبل» إحدي تقليعات أحد المسئولين السابقين في أحد أكبر مراكز البحث العلمي في مصر. ويلام فيه المتظاهرون ثانياً، ذلك أنه من المفترض أن صاحب أي رسالة ماجستير أو دكتوراة من هؤلاء المتظاهرين لو أنه توصل في رسالته إلي إضافة علمية ونشرها في مجلة عالمية محكمة فإنه سوف يجد من يطلبه ويستعين به ويستفيد من إضافته العلمية هذه، وكل هذه التصرفات ناجمة عن خلل في منظومة البحث العلمي، ويدعو بالضرورة إلي فتح ملف البحث العلمي في مصر. بداية أطلب من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن تعد فوراً إحصائية معلوماتية عن المتظاهرين هؤلاء من حيث عددهم، واسم حامل الماجستير أو الدكتوراه (أو كليهما)، وسنة الحصول علي هذه الشهادة (الشهادات والدرجة الجامعية الأولي (ليسانس أو بكالوريوس) ومكان الحصول عليها وتاريخها، وعنوان رسالة الماجستير/ الدكتوراه باللغة العربية ولغة أوروبية شائعة (انجليزية، فرنسية، المانية،...... الخ) وموجز الرسالة في صفحة واحدة باللغة العربية ولغة أوروبية شائعة، والجامعة التي منحت هذه الرسالة. ولجنة الإشراف علي الرسالة ولجنة المحكمين للرسالة ودرجاتهم الجامعية والجامعات التابعين لها، واسم البحث المنشور من الرسالة في مجلة علمية عالمية محكمة ومعروفة، وسوف تبين مثل هذه الإحصائيات الشيء الكثير وتجيب عن أسئلة كثيرة تترد في الغرف المغلقة. أنا لا أستبق الحكم علي مثل هذه الإحصائيات ولكن بحكم عملي في الجامعة أعرف- كما يعرف غيري- مستوي البحث العلمي في مصر. أكتفي بذكر مثالين «خفيفين» يشيران إلي ذلك. منذ بضع سنوات طلب مني أحد الأصدقاء في صحيفة قومية كبري أن أحكم رسالة ماجستير في مجال البيئة لأحد العاملين بهذه الصحيفة. والرسالة كانت مسجلة في معهد للبيئة تابع لإحدي الجامعات العريقة بالقاهرة (كنت وقتذاك مستشار الجامعة لشئون البيئة) وحينما وصلتني هذه الرسالة وجدتها لا تصلح لدرجة الماجستير بل ليس لها علاقة بمثل هذه الدراسات فرفضتها. والمثال الثاني يندرج في هذا السياق وإن كان بصورة أكبر، وهو أنني كنت في زيارة لإحدي الجامعات وعلمت من الحديث مع زملائي أن هناك نحو 300 رسالة ماجستير مسجلة في ذلك العام في أحد الأقسام العلمية (قسم الكيمياء) وقد هالني ذلك وبحسب معرفتي مثل غيري من أعضاء هيئة التدريس بتدني الإمكانيات المعملية ولوازم البحث العلمي في مجال الكيمياء في ذلك القسم فأنه يمكن تصور مستوي هذه الدراسات. وفي هذا السياق أقترح الآتي بشأن درجات الماجستير والدكتوراه : أن يتم تحكيم رسالة الماجستير والدكتوراه من خلال ثلاثة محكمين اثنين منهم من الخارج ( أوروبا، أمريكا، الهند، الصين، اليابان.... ) والمحكم الثالث من الداخل وأن يتم ذلك بطريقة منضبطة تماماً. ألا يكون أي من المشرفين علي رسالة الماجستير أو الدكتوراه محكماً للرسالة. إذ كيف يكون المشرف علي الرسالة محكماً لها كما هو متبع حالياً ؟ وهو أحد أسباب ضعف المستوي العلمي لأصحاب هذه الرسائل.. أن تنشر نتائج الرسالة، أو بعضها، في بحث علمي في مجلة علمية عالمية محكمة ومعروفة في التخصص. وتحدد وزارة التعليم العالي عددا من تلك المجلات العالمية الخارجية المشهورة. إذ ليس لدينا مجلة علمية من هذا الصنف. بهذه المقترحات وليس بما يطلق عليه «الجودة» الذي يتحمس له البعض سوف يرتقي مستوي البحث العلمي في مصر وسوف لا نري مظاهرات لحملة الماجستير والدكتوراه المطالبين بوظائف في الحكومة، وسوف ترتقي جامعتنا إلي مكانة متقدمة في كل نظم التصنيف ranking العالمية، وسوف يتم التواصل بين أصحاب البحوث المميزة وأقرانهم في الخارج ويكون لذلك مردود طيب إذا أمكن استغلاله في الداخل في الاقتصاد علي وجه الخصوص وانعكاساته المجتمعية الأخري.... ما رأي الأستاذ الدكتور وزير التعليم العالي والبحث العلمي؟.