يُحتفل غدًا بعيد استشهاد القديس «مَرقس الرسول» الذي يلقَّب ب«كاروز الديار المِصرية»، فهو أول من خطا فيها مبشرًا بالمَسيحية، في عصر سادتها العبادات الوثنية والثقافات والفلسفات؛ وأسس أحد الكراسيّ الرسولية الخمس في مدينة «الإسكندرية» ولهٰذا هو أول بطاركتها. وُلد القديس «مَرقس» ب«القَيروان» ب«الخمس المدن الغربية» التي تبَعت الحكم المِصريّ في العصرين اليونانيّ والرومانيّ، ونشأ في عائلة تعود لسبط «لاوي». اهتمت أمه بتعليمه، وتثقيفه باللغات: «اليونانية» و«اللاتينية» و«العبرية»؛ ودرس كُتب «الناموس» والأنبياء. ثم عادت عائلته إلي البلاد اليهودية ب«فلسطين»، ليقيموا ب«قانا الجليل». أشار المؤرخون أن عودة أسرة مار «مَرقس» واكبت ظُهور السيد المسيح وبَدء خدمته؛ فرأي السيد المسيح وعاصر تعاليمه ومعجزاته، وكان هو أحد السبعين رسولاً الذين اختارهم السيد المسيح؛ وقد شهِد لهٰذا مؤرخون كثيرون منهم «المقريزيّ». يُعد بيت مار «مرقس» حيث أكل السيد المسيح وتلاميذه الفصح أول كنيسة في العالم؛ وقد ذكرت ذٰلك جميع الطوائف المَسيحية حيث سجَّل كاردينال «بارونيوس» أن بيت القديس: «كان مَِحط رجال السيد المسيح وتلاميذه ... وقد كان هٰذا البيت أول كنيسة مَسيحية.». مار «مرقس» يُنير أرض الكنانة بدأ مار «مَرقس» كرازته المسكونية أولاً مع الرسُْل فكرز مع «بطرس» الرسول في أورشليم واليهودية، ثم «بولُس» و«بَرنابا» الرسولين في رحلتهما التبشيرية الأولي، ثم عاد إلي أورُشليم («القدس»)، وبعدها ذهب مع «بَرنابا» الرسول إلي أنطاكية وقبرص. أمّا كرازته الأساسية، فكانت في «أفريقيا»: الخمس المدن الغربية، و«الإسكندرية»، والأقاليم المِصرية؛ حيث أسس «كرسي الإسكندرية» الذي امتد بعد استشهاده إلي «النوبة» و«السودان» و«إثيوبيا». وصل مار «مَرقس» إلي «الإسكندرية» بعد أن سار مسافة طويلة جعلت حذاءه يتمزق، فبحث عن إسكافيّ يصْلحه له، فوجد أحدهم ويُدعي «إنيانوس» الذي في أثناء إصْلاحه للحذاء دخل المِخراز في إصبَعه فصرخ: «يا الله الواحد!» فشفي القديس أُصبُع «إنيانوس» بمعجزة، ثم بدأ يحادثه هو وعائلته عن السيد المسيح فآمنوا بالمَسيحية. جال مار «مَرقس» رُبوع «مِصر» مبشرًا بالمَسيحية، فانتشرت سريعًا فيها وآمن بها عدد كبير من المِصريِّين، فزادات كراهية الوثنيِّين له وكانوا يتحينون الفرصة لقتله؛ وتمكنوا بالفعل: ففي أثناء احتفال المَسيحيِّين بعيد القيامة في عام ٦٨م، هجموا علي الكنيسة وقبضوا علي القديس وجروه في شوارع المدينة وطرقاتها وأزقتها، فتمزق لحمه وسالت دماؤه الطاهرة علي أرض «مِصر» حتي استُشهد. ولٰكنّ الوثنيِّين لم يتوقفوا عند موت القديس! بل حاولوا حرق جسده!! وأبت عناية الله إلا أن يتمكنوا من تحقيق فعلتهم النكراء: فقد هبت عاصفة شديدة وأمطار غزيرة أدت إلي انطفاء النار وتفرُّق الشعب. فحضر مؤمنون وأخذوا جسد أبيهم مار «مرقس» ودفنوه بإكرام جزيل في الكنيسة المسماة باسمه في «الإسكندرية». ومن المبادئ التي قدمها مار «مرقس» في حياته الصلاح والتقوي الضروريان لحياة الإنسان، فيحدثنا الفيلسوف «فيلو» أن حياة المؤمنين آنذاك أخذت تمتلئ بقراءة الكتب المقدسة، والتأملات، والصَّوم حتي غروب الشمس، إضافة إلي الكرم والعطاء بلا حُدود. كذٰلك اهتم مار «مَرقس» بالتصدي للفكر الوثنيّ بواسطة مقارعة الفكر بالفكر والحُجة بالحُجة، إذ كانت «الإسكندرية» إحدي المدن الثقافية والتِّجارية المهمة في العالم آنذاك، وكانت مَِحط كبار العلماء والفلاسفة من جميع أنحاء العالم، ولذا أنشأ «مدرسة الإسكندرية اللاهوتية» لتُدرِّس العُلوم الدينية، مع: الفلسفة، والمنطق، والطب، والهندسة، والموسيقي، وغيرها. نالت «مدرسة الإسكندرية اللاهوتية» شهرة واسعة، فحضر إليها العلماء والفلاسفة من كل أنحاء العام. وهٰكذا تصدت تلك المدرسة لأفكار عصرها علي شتي أنواعها، والأفكار التي ظهرت علي مر أجيال فيما بعد.