أصاب الرئيس السيسى كبد الحقيقة حينما قال بوضوح فى خطابه الذى ألقاه أمام أعضاء البرلمان: «أمامنا الكثير لتقديمه للفقراء».. فإن الفقراء فى مصر مازالوا يحتاجون الكثير فعلا حتى ننتشلهم من فقرهم، أو حتى نوفر لهم رغم فقرهم الاحتياجات الأساسية والضرورية من غذاء وكساء ومسكن بالإضافة إلى خدمات أساسية أخرى كالتعليم والعلاج. لقد أورد الرئيس السيسى عددا من الجهود التى تستهدف التخفيف من وطأة معاناة الفقراء مثل تنفيذ مشروع تكافل وكرامة، وتوسيع نطاق معاش الضمان الاجتماعى، ومكافحة ارتفاع الأسعار، والسعى لتطوير القرى الأكثر احتياجا فضلا عن المضى قدما فى علاج مرض فيروس سى مجانا للفقراء.. وكل ذلك مهم وضرورى ويحتاجه الفقراء، بل وأبناء الشرائح الدنيا للطبقة المتوسطة أيضا، ولكن تبقى معاناة الفقراء التى تراكمت وزادت حدة عبر سنوات عديدة مضت كبيرة جدا، وبالتالى تحتاج لجهد أكبر ومنهج ومخطط للتخفيف منها حتى تتوفر لهم احتياجاتهم الأساسية والضرورية كآدميين. ان آخر احصاء رسمى لمن يعيشون تحت خط الفقر فى البلاد ارتفع - طبقا لأرقام جهاز التعبئة والاحصاء - ليصل إلى ٢٦٫٥٪ من عدد السكان، أى ليصل إلى نحو ٢٣ مليون فرد لا يتوفر لهم الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية من بينهم أكثر من ثلاثة ملايين ونصف يعانون من الفقر المدقع، أى لا يتوفر لهم الحد الأدنى مما يحتاجونه من الغذاء الضرورى لبقائهم على قيد الحياة، بينما معاش الضمان الاجتماعى الذى تم مضاعفة عدد المستفيدين منه لا يشمل الآن غير ثلاثة ملايين فرد فقط. أما إذا أضفنا إلى من يعيشون تحت خط الفقر هؤلاء الذين يعيشون بالقرب من هذا الخط ومهددين بالوقوع تحته، كما حدث خلال أكثر من عقد من السنوات التى مضت، فنحن ازاء نحو ٤٠٪ من السكان، أى أكثر من ٣٥ مليون نسمة يحتاجون لمن ينتشلهم من فقرهم أو يحميهم من الوقوع تحت خط الفقر أو يخفف عنهم معاناتهم، ويوفر لهم الحد الأدنى الضرورى من الاحتياجات الأساسية. وإذا كانت الحكومة كما تشى كلمات رئيسها وتصريحات عدد من وزرائها، خاصة وزراء المجموعة الاقتصادية، مضطرة لأن تتخذ قرارات صعبة بل ومؤلمة طبقا لوصف المهندس شريف اسماعيل، فإن الأمر يقتضى بالتأكيد خطة، وليس مجرد إجراءات متفرقة لحماية الفقراء بدءا من الأشد فقرا وحتى هؤلاء المهددين بالوقوع تحت خط الفقر، لأن كل ما تم - وهو محمود ومهم - لمساعدة الفقراء لا يكفى كما وكيفا.. فهو لم يستهدف سوى نسبة منهم ليست كبيرة - أى أن حمايتنا لا تشمل كل الفقراء، وأنما عددا محددا فقط منهم.. ان الحكومة تقول أنها سوف تستهدف الفقراء فى القرى الأكثر فقرا التى تتركز فى ريف الصعيد، وفى العشوائيات التى توجد فى عدد من مدننا، ولكن ما تقوم به الحكومة فى هذا الصدد محدود، بل لعلها تلقى العبء الأساسى هنا على المجتمع المدنى ومنظماته والجمعيات الأهلية، التى تسعى للارتقاء فقط بأحوال بضعة عشرات من القرى الأكثر فقرا بينما لدينا نحو ألف قرية هى الأكثر فقرا معظمها يتركز فى أسيوط وسوهاج والمنيا. نعم مواردنا المالية محدودة، والذين يتربصون بنا ولا يريدون استثناءنا - كما قال الرئيس السيسى - مما يعانى منه أهل بلاد فى منطقتنا، يمارسون شبه حصار مالى علينا، وبالتالى فإن يد الحكومة قصيرة رغم أن عينها بصيرة بأحوال الفقراء ومطالبهم، بل والضغوط المتزايدة على أبناء الطبقة الوسطى أيضا.. غير أن ذلك بات يفرض علينا إعادة ترتيب أولويات انفاقنا، الانفاق العام والحكومى.. ولدينا الآن برلمان أعضاؤه تم انتخابهم من قبل الشعب وعليهم أن يشتركوا فى صياغة وترتيب هذه الأولويات وما يحتاجه البيت يجب أن يحرم على الجامع.. أى يجب ان تكون أولوياتنا هى مع الإصلاح الاقتصادى استهدافا مخططا وممنهجا وجادا للفقراء لتخفيف المعاناة عليهم.. والبداية هنا لابد وأن تكون توفير قاعدة معلومات حقيقية بهؤلاء الفقراء تتضمن حصرا شاملا ودقيقا لهم، خاصة وأننا نتحدث عن أكثر من ربع عدد السكان يعيشون تحت خط الفقر. ان نسبة من يعيشون تحت خط الفقر - طبقا لإحصاءات جهاز التعبئة والاحصاء - اتجهوا للزيادة منذ بداية الألفية الجديدة من ١٦٫٧٪ ليصلوا إلى ١٩٫٦ عام ٢٠٠٤/٢٠٠٥ ثم إلى ٢١٫٦ عام ٢٠٠٨/٢٠٠٩ ثم إلى ٢٥٫٢٪ عام ٢٠١٠/٢٠١١ أما فى عام ٢٠١٢/٢٠١٣ فقد قفزوا إلى ٢٦٫٣٪. وذلك أمر لا يمكن السكوت عليه أو تأجيل مواجهته ليس فقط لأنه يتناقض مع مقتضيات العدالة الاجتماعية التى يلزمنا بها الدستور، وإنما أيضا لأنه يتناقض مع جهود استعادة الاستقرار الاجتماعى والسياسى الضرورى لحماية كيان دولتنا الوطنية، ناهيك عن تعطيله لعملية إعادة بناء دولتنا لتكون دولة ديمقراطية مدنية حديثة، لأنه يمنح الفرصة لمن يتربصون بنا للنيل منا وإلحاق الأذى بنا.