هل نتوقع ممن تخفي وجهها عن طلابها، بل وتعتبر صورتها عورة، أن تكون ليس فقط مثقفة متحضرة، وإنما أيضا مصدرة للثقافة، منمية للحضارة بقدر علمنا - وكما نشرت وسائل الاعلام - أن محكمة « القضاء الاداري « قضت بتأييد قرار الاستاذ الدكتور / جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، الذي اصدره من قبل، ويقضي « بمنع الأستاذة الجامعية من ارتداء النقاب أثناء المحاضرات، مع ترك الحرية الشخصية لها في ارتدائه فيما عدا ذلك». ومن بين حيثيات حكم المحكمة - وكما نشرت وسائل الاعلام - «أن الزي الذي يحق لعضو هيئة التدريس أن يرتديه يجب أن يتحقق في احترام التقاليد الجامعية، وألا يكون منشؤه حجبه عن الطلاب، ومنعهم من رؤيته بشكل مباشر». وبعيدًا عن الجدل العقيم، والمزيف للوعي من قبل البعض تعليقًا علي هذا الحكم المؤيد لقرار رئيس جامعة القاهرة، نقول : إن لقضية النقاب ابعادها «المجتمعية»، والتي تتلخص في ابسط صورها في التباعد والحيلولة دون التفاعل الحياتي اليومي بين مختلف الأفراد والجماعات، كما أن لها ابعادها «الثقافية» والتي تتمثل في التشرد والتمسك بأخلاقيات وقيم معوقة لحركة التغيير والتجديد علي جميع المستويات. بل إن لهذه القضية ابعادها السياسية، والتي قد يكشفها ما حدث ابتداء من عقد سبعينيات القرن الماضي من تغيرات وتطورات، وبفعل عشرات الظروف والعوامل، تمثلت في ظهور التيارات الاسلامية المتشددة، والتوظيف السياسي لهذه التيارات. أما بالنسبة لقضية النقاب من المنظور «الديني»، فقد اختلف الفقهاء والعلماء حول هذه القضية، ما بين القائل بأنها «عادة» والقائل بأنها «عبادة». وغيرها من الأحكام التي لها اهلها والقادرون علي الحكم فيها، والتعامل معها من قبل أهل الاختصاص في هذه الاحكام والأبعاد. ونكتفي هنا، بتناول قضية «النقاب»، وحكم القضاء - السابق الاشارة إليه - من منظور تخصصنا : عملا وفكرًا، تدريسًا وبحثًا، في التعليم الجامعي، وما قبل الجامعي، وهو المنظور «التربوي والتعليمي» ويتلخص ما نود طرحه - وبايجاز - في الآتي:- إن عملية التدريس - بالمفهوم التربوي الصحيح - ليست مجرد عمليات توصيل معلومات، وإنما هي في الأساس، عملية تواصل بين أطراف العملية التعليمية، لاكتساب الأبعاد والجوانب التربوية، إلي جانب ما يراد إيصاله من حقائق العلم والمعرفة. إنه لا يمكن أن تتم أي عملية تعليمية وتربوية، داخل المؤسسات التعليمية - جامعية أم غير جامعية - دون التفاعل والمواجهة المباشرة، حيث يعد التعبير من خلال ملامح الوجه وغيرها من التعبيرات من أهم آليات نجاح العملية التعليمية والتربوية. أن من أهم أخلاقيات وتقاليد «المهنة»، ومنها مهنة «التدريس»، أن يتحمل ميثاقها الأخلاقي، قيمها وتقاليدها، حتي ولوكانت غير مكتوبة. ولنأخذ الجامعة - كمثال - وباعتبار ما حدث من إثارة قضية النقاب، قد حدث في جامعة القاهرة، فمعروف أن للجامعة قيمها وتقاليدها، التي تصب - وفي الأساس - من قيم الحضارة والاستنارة، وهي - وفي الاساس - «عقل الأمة ورمز حضارتها»، كما أنها - وعلي حد تعبير عميد الأدب العربي طه حسين - ليست مكانًا للدرس والبحث، فحسب، وإنما بيئة يتكون فيها المثقف المتحضر، بل لا يكفي أن مثقفًا متحضرًا، وإنما لابد أن يكون مصدرًا للثقافة، منميًا للحضارة، وتقصير الجامعة في أي خصلة من خصالها يفقدها صفة «الجامعية» وليست خليقة بأن تكون جامعة، بل هي مدرسة متواضعة. وهنا نتساءل : هل نتوقع ممن تخفي وجهها عن طلابها، بل وتعتبر صورتها عورة، أن تكون ليس فقط مثقفة متحضرة، وإنما أيضا مصدرة للثقافة، منمية للحضارة. والاجابة واضحة، ولا تحتاج إلي بيان أو طول اثبات في أنه من المحال القيام بهذه المهام في ظل الاحجام عن التمسك بقيم وأخلاقيات الجامعة : عقل الأمة ورمز حضارتها، أو التفاعل مع طلابها، أو باعتبارها البيئة التي يتكون فيها القادر علي تنمية الحضارة، المصدر للثقافة. وفي الختام - وباختصار الاختصار - نقول : إذا كان ادعاء التمسك بالاسلام هو المبرر لارتداء النقاب، فالإسلام منهم براء، لأنه دين العقل والعلم، وبرؤيته الحضارية، قادر علي كل مظاهر الردة والتخلف. [email protected]