أشعر بصدمة كبيرة مما قرأته الأيام الماضية من تصريحات على لسان رؤساء الجامعات، ومما سمعته منهم حول قرار منع «المنتقبات» من التدريس فى جامعة القاهرة، وتدهشنى حقا انتقاداتهم ومزايداتهم ووقوفهم فى مواجهة قرار يتصدى لتلك الظاهرة الوهابية، والعادات البدوية التى لا تمت للإسلام بصلة! أعرف أن الكثيرين لا يمتلكون شجاعة د. جابر نصار، ولا يستطيعون اتخاذ مثل تلك القرارات الجريئة التى تحمى الوطن من دوامات التخلف والرجعية والمغالاة، ولكن إذا لم يكن رؤساء الجامعات قادرين على دعم ومساندة القرار، فعلى أقل تقدير لا ينبغى أن يناهضوه ويتحدوه ويحرضوا الرأى العام ضده، ونسمع أحدهم يقول إن ارتداء عضوات هيئة التدريس «النقاب» فى الجامعة حرية شخصية، ومنعه يعد وقوفا بينهن وبين دينهن!! ونجد رئيس جامعة آخر يزعم أن القرار يسىء لسمعة مصر فى الخارج، فى حين أن طالبات كلية التمريض فى الجامعة التى يترأسها يلتزمن بتوقيع إقرار بعدم ارتداء النقاب أو الخمار!! إننى أكاد لا أصدق أن يحدث هذا من أساتذة جامعيين وصلوا إلى هذه المكانة العلمية والمهنية والاجتماعية، وأن تكون تلك هى العقول التى تشكل قناعات وأفكار شبابنا فى أهم وأخطر مراحل حياتهم، بالله عليكم ماذا يمكن أن نتوقع من شباب يتربى وتتشكل شخصيته وثقافته فى كنف هؤلاء الأساتذة الجامعيين؟! وكيف يمكن لنا أن نأتمن هؤلاء السادة على عقول أجيال شابة تقود سفينة الوطن للمستقبل؟! وإذا كان الرسول الكريم قد منع المرأة من تغطية وجهها ويديها فى الحرم المكى، فكيف يرفض رؤساء الجامعات منع النقاب فى الحرم الجامعى؟! والغريب أنه فى ظل المزايدات والحرب الضروس التى يتزعمها رؤساء الجامعات، وجدنا علماء دين ودعاة يعلنون تأييدهم ومساندتهم لهذا القرار، واعتبروه قرارا حكيما وصائبا يتفق مع الشريعة الإسلامية، ويصب فى صالح العملية التعليمية، ويحفظ حق الطالب فى التواصل مع الأساتذة، بل أن د.أحمد كريمة أستاذ الفقه طالب جامعة الأزهر أن تحذو حذو جامعة القاهرة، لأنه لا يوجد دليل واحد فى القرآن يقر بفرض النقاب، كذلك أقر الداعية السلفى أسامة القوصى أن النقاب يتعارض مع الرسالة التعليمية التى تعتمد على التواصل البصرى، وأنه ليس فريضة ولا واجبا ولا ركنا من أركان الإسلام، ولكنه من العادات البدوية ومن حق ولى الأمر أيا كان موقعه أن يمنع النساء من ارتدائه وقت العمل، فى حين رأى الفقيه الدستورى نور فرحات ضرورة حظر النقاب فى مصر حفاظا على الأمن، والتزاما بصحيح الدين الذى يمنع المرأة من أداء الحج وهى ترتدى النقاب. يا سادة.. إن الحرية الشخصية تنتهى عندما تبدأ حرية الآخرين، فكيف لامرأة ترتدى النقاب لتعزل نفسها عن الآخرين، وترفض أن تظهر وجهها لمن حولها، وتعتبر صوتها عورة، وفى الوقت نفسه تتمسك بمهمة التدريس، وتحرم أبناءنا من التواصل والمشاركة والتفاعل الذى تتطلبه عملية التدريس، لماذا لا تحترم نقابها وتستكمل مسيرتها العلمية والمهنية فى مراكز البحوث التابعة للجامعات، مثلما تفعل سيدات كثيرات فضلن العمل بتلك المراكز لظروف الأسرة والأبناء، ولم ينتقص ذلك منهن شيئاً، بل حصلن على كل درجاتهن ومناصبهن العلمية! إننى أحيى القرار الشجاع الذى أصدره رئيس جامعة القاهرة، وأطالب هشام إسماعيل رئيس الوزراء بإصدار قانون يمنع النقاب داخل المدارس والجامعات، فليس من العدل أن تتفتح عيون أطفالنا على تلك الكتل السوداء المخيفة، وهم يتحسسون أولى خطواتهم فى الحياة، وليس من الإنصاف أن يتلقوا دروسهم من أفواه معلمات يختبئن خلف أقنعة سوداء تخفى معالمهن، وليس من المفيد لصحة أبنائنا النفسية والعقلية والتربوية أن يتشكل وجدانهم على أيادى نساء ينظرن للعالم من خلف أردية تجعل الحياة شديدة الظلمة!!