في قمة تألقه، بدا الرئيس السيسي، اليوم، الاثنين، أمام الحاضرين من قادة الجيش ورؤساء تحرير الصحف، وهو يحادثهم في خيمة كبري، بجوار المنصة الرئيسية التي تطل على ميدان رماية القوات الجوية في قلب صحراء وادي النطرون. كان الرئيس قد فرغ، ومرافقوه، من مشاهدة المناورة التعبوية لسلاح الجو المصري، التي تمت في إطار المناورة الإستراتيجية الكبرى «بدر-14». كانت الأجواء دافئة والصدور منشرحة، بعدما رأيناه من دقة متناهية محسوبة بأجزاء الثانية في تخطيط وتنظيم وتنسيق وتنفيذ المناورة الجوية التي شاركت فيها 250 طائرة قتال أمريكية وروسية وفرنسية وصينية، وبعد ما تبعناه من أداء رفيع المستوى في قصف الأهداف الأرضية بالطائرات متعددة المهام والهليكوبتر المسلحة والهجومية، استحق منا أن نهنئ عليه الفريق يونس المصري قائد القوات الجوية ونسوره البواسل. ومثلما كانت إصابات الطائرات المصرية لأهدافها مباشرة، أصابت الرسائل التي أطلقها الرئيس السيسي أثناء لقاء الخيمة أهدافها ومراميها في الصميم. وجه الرئيس رسالة إلى الجميع في الداخل والخارج سرد فيها وقائع ما جرى منذ مهلة الأيام السبعة التي أعلنها يوم 23 يونيو 2012، وحتى 8 أغسطس، حينما حاول الإخوان وحلفاؤهم اقتحام الحرس الجمهوري، وذكَّر الجميع بأنهم هم الذين بدأوا الصدام واختاروا خيار المواجهة الذي لا يعرفون غيره ولا يقدرون على سواه. وجه الرئيس رسالة إلى الجيش قال فيها: طول ما أنتم موجودون لن يستطيع أحد أن يحرق «قلب مصر» أبدا. إلى الشعب.. قال السيسي: سنحتمل كل الصعاب حتى نعبر إلى بر الأمان، وبلدنا لن تقوم إلا بنا جميعا وبوقوفنا معا على قلب رجل واحد، وسوف تقوم بلدنا وتقوى وتصبح عفية. إلى أهالي سيناء.. قال: أوجه لكم تحية وتقدير واعتذار، لن أنسى ما قدمتموه من أجل بلدكم، وتعاملكم مع إجراءات إخلاء المنطقة الحدودية بمنتهى الوطنية المنتظرة منكم. وقد رصدنا مليار جنيه للتعويضات، وقد تزيد. وفى رسالة صريحة إلى المسئولين.. قال السيسي: لابد أن نتحرك بقوة أشد وبسرعة أكبر، فهذا هو وقت العمل. التحديات كثيرة ولا ينفع أمامها التردد أو الخنوع أو التعلل بالإمكانات. التصدي لمشاكل الأمة يحتاج إلى أفكار. من لا يقدر عليه أن يترك مكانه. أشرف له أن يعتذر. إلى القوى السياسية.. كانت رسالة الرئيس محددة وقاطعة: انتخابات البرلمان في موعدها. لا أساند قوة بعينها أو حزبا، أنا معكم جميعا ومستعد لتشجيعكم ومساندتكم. رجائي أن تأخذوا معكم شباب مصر، فمصر في خطر عظيم، ونحن نريد أن يضم البرلمان شخصيات واعية وفاهمة ومحبة لبلدها، ونريد للكفاءات فقط أن تتصدر. أما أقوى الرسائل وأكثرها تأثيرا وأهمية في تقديري، فكانت رسالة الرئيس السيسي للشباب. قال السيسي بنبرات واضحة صادقة: "أقول لشباب مصر.. أنا محتاجك. محتاجك تبنى معايا، لأن عندك براءة وهمّة وإخلاص أكثر من أي حد تاني. أنا محتاج جهدك لبلدك". يؤمن السيسي أكثر من غيره بالشباب. يعرف أن المستقبل الذي نتمناه لن يتحقق إلا بأيديهم، وأن الغد الذي نرجوه لن يأتي في غيبتهم. لعله لهذا حرص على أن يكون بين حضور المناورة نخبة من الشباب أعضاء المجلس الاستشاري للتعليم برئاسة الجمهورية، كإشارة رمزية وحرص أيضاً على أن ينبه الوزراء والمحافظين إلى الانتهاء من اختيار معاونيهم من الشباب. نحن مع السيسي نؤمن بأن شباب مصر هم قلبها المفعم بالحيوية، وعقلها المبدع بالأفكار الخلاقة. لكنى بصراحة لا أعتقد في حسن تقدير أحزابنا وقوانا السياسية - في معظمها - لأهمية تجديد الدماء والأفكار، ولا أعتقد في أن جامعاتنا تباشر دورها الأساسي وهو بناء الشخصية قبل أن يكون تعليم المناهج. لست أظن مع القائلين بأن الشباب عازف عن المشاركة، لكنى أثق أن معظمهم لا يعرفون الطريق ولا يعلمون المنافذ، وأحيانا ما يجدون النوافذ مغلقة. والبعض منهم ركن إلى العزوف، بسبب أصوات إعلامية وسياسية، خاصمت الشباب وناصبتهم العداء، لأنهم فجروا ثورة 25 يناير التي يراها هؤلاء مؤامرة دبرت ضد مصر، ومصيبة حلت على البلد، يستحق عليها كل الشباب العقاب والاتهام بالتآمر أو على الأقل بالغفلة! اقتراحي محدد في هذا الشأن، وهو تأسيس منظمة قومية مستقلة للشباب على مستوى الجمهورية، تنشأ لها فروع في مراكز الشباب وقصور الثقافة في قرى وأحياء ومدن ومراكز مصر، ويتم تشكيل مجلس إدارة لكل فرع بالانتخاب، ويُصَعَّد رؤساء الفروع بالقرى والأحياء ليكونوا أعضاء بمجالس إدارات فروع المدن والمراكز، ثم يتم تصعيد رؤساء هذه الفروع ليكونوا أعضاء بمجالس إدارات المحافظات، ويتشكل من بين هؤلاء اللجنة العامة لمنظمة الشباب على المستوى القومي، وينتخب من بينهم أعضاء مجلس إدارة المنظمة. أقول منظمة قومية مستقلة، قاصداً أنها لا تتبع الحكومة وإنما تخصص لها موازنة خاصة، ولا تنتمي لحزب أو آخر. أحد أهداف هذه المنظمة هو تكامل الجهود التطوعية للشباب المصري في كل قرية ونجع وحى، لتحسين أحوال المجتمعات المحلية في النظافة والتجميل ومحو الأمية وتحفيز الجهود الخيرية ورعاية المهمشين والفقراء، بما ينعكس في النهاية على الوطن في مجمله. ومن بين الأهداف أيضاً تنظيم دورات تثقيفية في مجالات التربية السياسية وغيرها، لبناء كوادر شابة، قادرة على حمل مسئولية العمل التنفيذي، وخوض الانتخابات المحلية والبرلمانية، واكتشاف عناصر ذات رؤية وفكر، بجانب تمتعها بالإخلاص والنزاهة والوطنية لتتبوأ مسئولية صنع واتخاذ القرار في وقت قريب. ولن نعدم أفكاراً وبرامج تتبناها هذه المنظمة وتدعو إليها، مثل كتائب التعمير والبناء واستصلاح الأراضي. هذه المنظمة ليست بديلاً عن العمل السياسي والأحزاب، بل هي زاد لها، وظهير يمدها بالكوادر ذات العزم والتجربة. تجربة منظمة الشباب ليست جديدة على مصر، وثبت نجاحها فيما مضى في إعداد الكوادر الشابة للمسئولية التنفيذية والسياسية. وأظننا أحوج إليها الآن أكثر من أي وقت مضى. السيسي يفتح قلبه وذراعيه للشباب، فلا تخاصموهم فتخاصموه.